العدد 1652 /19-2-2025

أقرّت حكومة الرئيس نوّاف سلام مسوّدة البيان الوزاري الذي من المفترض أن تنال على أساسه ثقة المجلس النيابي لتصبح حكومة أصيلة تمارس دورها الاعتيادي وفق الصلاحيات الممنوحة لها بموجب الدستور، وقد عيّن رئيس المجلس النيابي، نبيه برّي، يومي الثلاثاء والأربعاء في الخامس والعشرين والسادس والعشرين من شباط موعداً لمناقشة بيان الحكومة ومنحها الثقة أو حجبها عنها من قبل النوّاب.

غير أنّ المفارقة الأولى في هذه القضية هي أنّ الحكومة في اجتماعها يوم الاثنين الماضي وافقت وأقرّت مسوّدة البيان الوزاري وليس البيان بصيغته النهائية، ونشرت للرأي العام اللبناني المسوّدة ولم تنشر البيان النهائي بالصيغة النهائية، فهل هناك ما يُوجب التأخير في نشر البيان بالصيغة النهائية مثلاً؟! لأنّ الحديث عن مسوّدة يعني فيما يعنيه إمكانية التغيير والتعديل والتبديل. وهل الصيغة التي ستكون بين أيدي النوّاب للمناقشة هي المسوّدة أيضاً؟! ومن المفترض أصلاً أن تكون الصيغة النهائية حتى يتمكّن النوّاب من المناقشة. وهل هناك في البيان ما استدعى الإخفاء عن الرأي العام اللبناني؟! ولذلك تمّ الحديث عن مسوّدة وجرى نشرها فيما تمّ إخفاء أشياء أخرى قد تثير الرأي العام وتغضبه وتخرجه عن طوره مثلاً؟! وهل هذه هي الشفافية التي جرى الحديث عنها وتمّ تقديم بشرى للبنانيين بها؟! أم أنّ سياسة الخديعة ما زالت مستمرة تماماً كما استمرت سياسة المحاصصة والاحتكار على الرغم من كثرة الحديث عن الكفاءة والمداورة؟!

وأمّا المفارقة الثانية في مسوّدة البيان الوزاري، فهي في إغفال الحديث عن أيّة استراتيجية للدفاع الوطني في وقت ما زالت بعض المناطق الجنوبية تحت الاحتلال الإسرائيلي، وفي وقت ما زالت الأجواء والأراضي والمياه اللبنانية عُرضة للاعتداءات الإسرائيلية المتكرّرة، وفي وقت يعترف الجميع بعدم قدرة الجيش اللبناني على مواجهة هذه الاعتداءات وصدّها في حين لدى لبنان تجربة مهمّة في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي خلال العقود الماضية وإجباره على الانسحاب من معظم الأراضي اللبنانية، وحتى الزام العدو بعدم الاعتداء على لبنان في فترات طويلة؛ والسؤال الذي يطرح نفسه، لماذا تمّ إغفال هذا الجانب في البيان الوزاري، وعدم تضمين هذا البيان الإفادة من خبرة هذه المقاومات وإدخالها ضمن استراتيجية للدفاع الوطني تكون مرجعيتها الدولة، وهي استراتيجية معمول بها في كثير من البلدان؟! حتى أنّ البيان الوزاري في هذا الجانب تناقض مع ما تضمّنه خطاب القسم لرئيس الجمهورية الذي تحدّث عن هذه الاستراتيجية الوطنية.

المفارقة الثالثة لا يمكن الحديث عنها الآن فهي مرتبطة بشكل أساسي بأداء الحكومة وعملها، فالمكتوب في البيان على مستوى العناوين المتصلة بالشفافية والمؤسسات والقضاء والدولة وما سوى ذلك مهمّ وجيّد، ولكن تبقى العبرة بالتنفيذ والعمل واعتماد الآليات التي تضمن التطبيق السليم والصحيح لما ورد في هذا البيان، ولذلك يُؤجّل الحكم على هذه المفارقة إلى حين الوقوف على آليات وطرق تطبيق مفردات وعناوين البيان الوزاري، سيّما في جانب الشفافية واستقلال القضاء والمحاسبة والعدالة وعدم اعتماد صيف وشتاء تحت سقف واحد.

وأمّا فيما يتصل بالثقة في المجلس النيابي، فيمكن الحكم مسبقاً والقول إنّ الحكومة ستنال ثقة المجلس النيبابي على الرغم من كلّ الضجيج الذي سنسمعه يومي الثلاثاء والأربعاء المقبلين، لماذا؟ ببساطة لأنّها حكومة قامت على مبدأ ومنطق المحاصصة النيابية السياسية، والجميع يُدرك ذلك ويعرفه، وبالتالي فإنّ الكتل النيّابية المرتبطة بالقوى السياسية ستعطي ثقتها للحكومة، وبالمناسبة عددها يفوق ألـ 65 نائباً، وبالتالي فالحكومة ستنال ثقة المجلس النيّابي، فهي صورة مصغّرة عنه.

هل للبنان أمل في الخروج من نفق الأزمات التي تعصف به منذ حوالي عقدين من الزمن؟ ببساطة نعم، لأنّ الذي كان يصنع الأزمات هو قادر على حلّها، ومعنّي بذلك بعد اليوم، لكنّ ذلك لا يعني أنّ المسألة ستكون بتلك السهولة والانسيابية فقد تكون أمام ذلك محطات وعُقد عديدة تحتاج إلى فكفكة وحلّ وقد يكون بعضها محرجاً أو مكلفاً، ولعلّ ما حصل مؤخّراً على طريق المطار بعض صور تلك المحطات.

د. وائل نجم