العدد 1654 /5-3-2025
د. وائل نجم

الأيام القليلة الماضية كانت حافلة بالتصريحات والمواقف الإسرائيلية التي يهدف كيان الاحتلال من خلالها إلى فرض رؤيته على المنطقة على اعتبار أنّه حقّق إنجازات كبيرة، سيّما في لبنان، بعد عدوانه على هذا البلد، وبعد إسقاط نظام الأسد في سوريا وشعور رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، بأنّ الفراغ الذي تعيشه الشام يسمح له بفرض هذه الرؤية، خاصة وأنّه شنّ سلسلة من الغارات الحربية منذ الثامن من كانون الأول / ديسمبر 2024 على المواقع والأسلحة الاستراتيجية التي كانت بحوزة النظام المخلوع حتى لا تقع بأيدي الحكم الجديد، ولم يلق أيّ ردّ مناسب لأنّ أولويات الحكم الجديد الآن هي ترسيخ الأمن والاستقرار الداخلي لأبناء الشعب السوري.

يخشى نتنياهو الحكم الجديد في سوريا لأنّه يحمل فكرة تحرّرية لأبناء هذا البلد، وربما لأبناء المنطقة لاحقاً، ويدرك نتنياهو أنّ خدمات النظام السابق انتهت إلى غير رجعة، وبالتالي فإنّ خشية نتنياهو تتعاظم مع كل يوم يمضي ويستقر فيه الحكم الجديد، ولذلك يحرص على العمل من أجل عدم تمكين هذا الحكم من الاستقرار، بل الذهاب أبعد من ذلك ناحية تقسيم سوريا إلى كيانات طائفية أو عرقية متنازعة ومتقاتلة، ولتكريس هذا الأمر أعطى الأوامر لجيشه بالتقدّم في الناحية السورية من جبل الشيخ، والدخول في بعض مناطق جنوب سوريا في القنيطرة ودرعا، وصرّح بأنّه لا يسمح بالاعتداء على "الدروز" تحديداً في "السويداء" أو حتى في "جرمانا" بريف دمشق، وأنّه سيكون الحامي لهم.

الحقيقة أنّ نتنياهو لا يريد سوى مصالحه الشخصية الخاصة، ولا يستطيع أن يحمي نفسه فضلاً عن أن يحمي غيره، فها هو قد دمّر غزّة، ولكن لم يحقّق أيّ هدف من أهدافه فيها، ولم ولن يجرؤ مستوطن واحد أن يعود إلى مستوطنات الغلاف، ولا يثق مستوطن واحد بما يقوله نتنياهو أو يتعهّد به. ألم يفعّل قانون "هنيبعل" لقتل الجنود الأسرى لدى المقاومة الفلسطينية كي يتخلّص منهم؟! هل فكّر بحمايتهم؟ هل فكّر بالعمل لإطلاق سراحهم بطرق تحفظ حياتهم؟! لم يفعل أيّ من هذا، بل على العكس أراد التخلّص منهم للتخلّص من ضغط أهلهم وذويهم. فهل المتخلّي عن جنوده الذين يقاتلون في الميدان دفاعاً – كما يعتقدون عن دولتهم –سيحمي ويحفظ غيرهم؟! إنّ كلّ ما يقوله أو يقوم به نتنياهو أو حتى كيانه المزعوم ليس سوى استخدام مكوّنات أبناء المنطقة من الدورز وغيرهم بهدف تحقيق مصالحه الشخصية أولاً وقبل كلّ شيء، ومن ثمّ أهداف كيانه في الهيمنة والسيطرة على المنطقة والاستبداد بها، وهو ما أشار إليه وحذّر منه الزعيم الوطني والعروبي وليد بك جنبلاط.

والحقيقة الثانية أنّ كيان الاحتلال الإسرائيلي الذي يريد أن يرمي أهل غزّة والضفة الغربية وربما الداخل الفلسطيني من خلال خططه وبرامجه ومشروع يهودية الدولة، خارج فلسطين، لن يستقدم إلى دولته المزعومة أيّ مكوّن آخر، ولن يمنح حصانة لأيّ مكوّن آخر، بل على العكس من ذلك سيستعدي العرب حتى أولئك الذين كانوا يسيرون معه في ركاب التطبيع، لأنّهم بدأوا يستشعرون خطره عليهم، وبالتالي لن تكون مشاريعه سهلة التحقّق ولن تكون الأبواب مشرّعة أمامها.

إنّ كلّ رهانات الاحتلال على استخدام بعض مكوّنات سوريا أو المنطقة بشكل عام لتكون في خدمة مشاريعه وخططه ستفشل وستكون خاسرة وخائبة. إنّ المستوطنين في فلسطين لم يعد لديهم ثقة بالاستمرار وبالبقاء في هذه الأرض المقدّسة، وبالتالي فإنّ قدرته على حماية غيره هي سراب بسراب، وهي من ضروب المقامرة التي تحاول أن تستغل بعض المكوّنات المذهبية والعرقية في المنطقة لصالح مشاريعها الخاصة ومن ثم التخلّي عنها عند أول منعطف.

أمّا بعض الرؤوس الحامية والمراهنة على دعم الاحتلال، أو حتى على دعم داعم الاحتلال في واشنطن، فإنّي أحيلكم إلى مشهد لقاء الرئيس ترامب بالرئيس الأوكراني، فلاديمير زيلنسكي، الذي كان عاصفاً وصل به الحدّ قيام ترامب بتوجيه صفعة قوّية من يده اليمنى إلى خد ورقبة الرئيس الأوكراني، هل شاهدتم المشهد؟! ألا تخشون أن يصيبكم بعض الذي أصاب زيلنسكي الحليف الأبرز والأقوى لواشنطن؟!

إلى أولئك في سوريا أو في جبل لبنان من الذين يستنجدون بالإسرائيلي أو يراهنون عليه أو يظنّون أنّه سيحميهم؛ لا تراهنوا على فرس خاسرة، لا تراهنوا على مقامر مستعد للتخلّي عن كلّ شيء أمام مصالحه الخاصة، لا تغترّوا بقوّة وجبروت سلاح الطيران، فإنّه وإن دمّر لكنّه لا يحسم الحرب، وحده الميدان هو الذي يحسم وسيظل لأهل الأرض، لا تخطئوا التقدير وتُوقِعوا بأهلكم في الهلاك، فالمنطقة ما زالت تتسع للجميع، ودوركم وحقّكم محفوظ فلا تتخلّوا عنه وكونوا شركاء في بناء سورية ولبنان والمنطقة لتكون لكلّ أبنائها، والكيّس من اتعظ بغيره.

د. وائل نجم