العدد 1616 /5-6-2024
د. وائل نجم

الأسبوع الماضي زار المبعوث الفرنسي، جان إيف لودريان، بيروت والتقى عدداً كبيراً من المعنيين بشأن انتخاب رئيس جديد للجمهورية ولكنّه - وكما أوحى - كان مستمعاً أكثر منه مقترحاً لأفكار تساعد على الخروج من الأزمة سوى ما تسرّب من حديث عن مقاربته لطرح خيار ثالث غير الخيارين المطروحين وهما : سليمان فرنجية أو جهاد أزعور.

وخلال اليومين الأخيرين زار وزير الخارجية الإيرانية بالوكالة علي باقر كنّي لبنان والتقى أيضاً عدداً من المسؤولين اللبنانيين، وليس من عادة الدبلوماسيين الإيرانيين الحديث عن شأن أو أمر داخلي لبناني وإن كانوا يقاربون الملفات الداخلية اللبنانية بحكم اهتمامهم بما يجري في المنطقة. لقد أكّد كنّي على وقوف إيران إلى جانب لبنان، وكأنّه أراد أن يقول في ظلّ الوضع المتطوّر على جبهة جنوب لبنان إنّ إيران ما زالت على موقفها الداعم للمقاومة والمدافع عنها، وإنّ أيّ توسيع للحرب تجاه لبنان يعني إيران بشكل أساسي.

وبالعودة إلى فرص انتخاب رئيس للجمهورية في المرحلة المقبلة فإنّه من الواضح تماماً أنّ الأفق لا يبشّر بالخير في هذا المجال. فالأمور ما تزال معقّدة، ومترابطة بإرادة من الفاعلين أو من غير إرادة منهم، والجميع بات ينتظر نتائج ما ستؤول إليه الأمور والأوضاع في فلسطين، بل ربما في المنطقة.

الأولوية الآن لدى الأطراف الأساسية الفاعلة هي في فلسطين وما سيتقرّر بعد الحرب والعدوان، وأمّا انتخابات الرئاسة في لبنان فهي بالنسبة لتلك القوى الفاعلة، محلية أم إقليمية أم دولية ليس لها أولوية، خاصة وأنّ الأمور تسير في لبنان بالحدّ الأدنى المقبول والمتعارف عليه. وبالتالي لا حاجة بنظر أولئك إلى أي تغيير في الشكل الحالي سوى إذا كان جزءاً من تغيير شامل في قواعد وأشكال كثيرة، وهذا حتى اللحظة غير مطروح لدى أيّ فريق أو طرف.

هل يمكن أنّ يؤثّر هذا المشهد بهذه الكيفية على لبنان. بالطبع يمكن أن يؤثّر غير أنّ تأثيره لن يكون كبيراً بحيث يغيّر مشهد لبنان كلّياً. أمّا الحديث عن تغيير في الهيكل والنظام والكيان فهذا لا يمكن أن يحدث إلاّ نتيجة تغييرات كبرى على مسرح المنطقة بشكل عام بل ربما على المسرح الدولي، وهذا إلى الآن غير قائم أو مطروح حالياً، وبالتالي إن حصل أيّتغيير فهو سيكون نتيجة التغييرات الكبرى التي ستشمل المنطقة بغض النظر عن المشهد الذي سيكون قائماً في أيّ مكان منها.

مشكلة لبنان الأساسية ليست في انتخاب رئيس من عدمها على أهمية ملء هذا الموقع الأول الشاغر. مشكلة لبنان أنّه ارتضى أن يكون جزءاً من الأدوات الفاعلة بأيدي اللاعبين الإقليميين والدوليين فيما رفض أبناؤه أن يكون لهم رؤيتهم الخاصة التي تجعلهم نظراء لكلّ الفاعلين من المنطقة، وهم يملكون الأدوات لذلك لكنّهم لا يريدون.

د. وائل نجم