العدد 1602 /21-2-2024
د. وائل نجم
قرابة
خمسة أشهر من العدوان الصهيوني المستمر والهمجي استهدف كلّ شيء في غزة فألحق بها
دماراً كبيراً، ناهيك عن أعداد الشهداء من الأطفال والنساء والمدنيين. وقرابة خمسة
أشهر أيضاً من الاعتداءات والممارسات الصهيونية المجرمة والمستبدّة بحقّ أهالي
الضفة الغربية والقدس لا تماثل ما كان يجري سابقاً من ممارسات واعتداءات بل فاقتها
حجماً وبشاعة وإجراماً. ومثل ذلك من إجراءات وقوانين تعسّفية اتخذتها سلطات
الاحتلال الصهيوني بحقّ الفلسطينيين من أهالي أراضي 48 على الرغم من أنّ أغلبهم
يحمل الجنسية الإسرائيلية. وعدوان واضح ومستمر أيضاً على لبنان بالتزامن مع
العدوان على غزّة والضفة والقدس. ونوايا خبيثة وباتت واضحة في خطط الصهاينة لتهجير
الفلسطينيين من غزة نحو سيناء والشتات، ومن الضفة والقدس نحو الأردن، ومن أراضي 48
نحو لبنان. باختصار الحرب التي تجري على الأراضي الفلسطينية هي حرب كلّ المنطقة
وليست حرب فلسطين فحسب.
لقد بات
واضحاً أنّ الصهاينة يعملون بدعم غربي واسع ومفتوح على تغيير معالم المنطقة
برمتها. يعملون على إعادة رسم خريطة دول المنطقة تقسيماً وعبثاً بها وإعادة
تشكليها من جديد بحيث تنسجم مع تطلعاتهم وتخدم أهدافهم وتضمن سيطرتهم على المنطقة
وثرواتها لعقود جديدة إن لم نقل لقرون. لم يعد هناك ما هو خفي، كلّ شيء بات على
المكشوف، والمشروع الصهيوني الغربي يريد ضمان السيطرة والتحكّم بالمنطقة ودولها.
أمام ذلك
لم يعد هناك مكان للحياد، لأنّ المخطط يطال الجميع، وما هو غير واضح اليوم سيكون
واضحاً وبارزاً بشكل جلّي غداً، ولذلك لم يعد هناك مكان للحياد، ولا للتبرير
وإقناع الذات أنّ "إسرائيل" لا تعتدي عليها لا تعتدي عليك، وهي بالأساس
كيان قام على العدوان والاغتصاب والهيمنة!
في لبنان
حيث تدور الحرب على الجبهة الجنوبية منذ الثامن من تشرين الأول / أكتوبر الماضي
ضمن ما يُعرف بقواعد الاشتباك بدأت الأمور تتحوّل إلى منطق مختلف تماماً. فالعدو
الإسرائيلي بدأ يوسّع من دائرته اعتداءاته خارج هذه القواعد وم المتوقّع أن يصعّد
في هذا الاتجاه أكثر من قبل، وأن يجرّ المنطقة إلى حرب ومواجهة أكبر وأعمق وأوسع
وهذا في سياق تحقيق مشروعه للمنطقة. في مقابل ذلك فإنّ المقاومة في لبنان ما تزال
تعمل ضمن قواعد الاشتباك وتفضّل عدم الذهاب إلى الحرب المفتوحة والواسعة مراعية
بذلك قلق وخوف جزء من اللبنانيين الذين يطرحون فكرة الحياد والابتعاد عن الحرب
المندلعة في فلسطيين والاكتفاء وبالتأييد والدعم الإعلامي من دون أيّة ترجمة عملية
لذلك، بينما أطماع "إسرائيل" في لبنان كما ذكرت آنفاً في المنطقة لم يعد
خافية وبات الحديث فيها يجري على المكشوف، ولذلك فإنّه من الخطأ الفادح الإصرار
على التفكير الذي ساد خلال الفترة السابقة لناحية الحياد وعدم الانخراط في
المواجهة، لأنّنا حتى لو قرّرنا – نحن في لبنان ذلك – فإنّ الطرف الآخر (العدو)
قرّر شيئاً مختلفاً ومغايراً؛ قرّر إخطاع كلّ المنطقة لسيطرته وسطوته ومشروعه، ولن
يرحم أحداً إلا بمقدار تحوّله إلى "عبد" لدى الصهاينة.
آن لنا في
لبنان، وفي المنطقة أن ندرك ونعي أنّ حرب فلسطين هي حرب كلّ المنطقة وستطال إمّا بأدواتها
وإمّا بمفاعيلها ونتائجها كلّ المنطقة وسيدفع الجميع ثمن ذلك إذا بقي كلّ فريق في
المنطقة يتعاطى ويتعامل وكأنّ النار في دار جاره ولا علاقة له بها، في حين أنّ
النار التي بدار جراك ستنتقل عاجلاً أم آجلاً إلى دارك، وبالتالي من الخطأ تجاهل
هذه الحقيقة لأنّ تجاهلها وعدم رؤيتها لا يلغيها ولا يلغي خطرها.
آن لنا أن
ندرك أنّ الانخراط في هذه الحرب اليوم ربما تكون كلفته علينا وعلى مستقبل الأجيال
المقبلة أقلّ كلفة من تجاهل ذلك لأنّه في حال تمكّن الإسرائيلي من فرض معادلاته في
فلسطين سينتقل إلى فرضها في كلّ المنطقة وبالتالي سيكرّس هيمنته عليها بعد أن يكون
قد سرق خيراتها وثرواتها واستبدّ بشعوبها وأجيالها المقبلة.
د. وائل نجم