جبهة جنوب لبنان... متى ساعة الحسم؟
العدد 1604 /6-3-2024
د. وائل نجم
تسود حالة من المراوحة على مستوى
المواجهة الميدانية في جبهة جنوب لبنان؛ فالاحتلال الإسرائيلي يستهدف بغارات
الطائرات الحربية والمسيرة قرى ومنازل وسيارات وغيرها كل يوم تقريبا، فيما ترد
فصائل المقاومة باستهداف المواقع العسكرية على طول الشريط وأحيانا في العمق القريب
من الحدود. وتخرج قوات الاحتلال عن قواعد الاشتباك أحيانا فتتعمد قصفا أو الإغارة
على ما تسميه أهدافا في مناطق بعيدة كالنبطية وبعلبك وساحل الشوف والغازية
والضاحية الجنوبية وغيره، فترد فصائل المقاومة باستهداف صفد أو كريات شمونة أو
غيرها من "المستوطنات" في شمال فلسطين المحتلة، وتستخدم أحيانا أسلحة
جديدة بهدف ردع العدو عن الاستمرار في غيه وعدوانه. وتترافق هذه الحالة من
المراوحة مع تهديدات واستفزازات إسرائيلية متواصلة ومستمرة بهدف جر لبنان وفصائل
المقاومة إلى حرب مفتوحة وواسعة بهدف خلط الأوراق والخروج من عنق الزجاجة التي
وضعت حكومة الاحتلال برئاسة نتنياهو نفسها فيها، خاصة بعد إخفاقها في تحقيق أي
إنجاز عسكري حقيقي يذكر في قطاع غزة على مدى خمسة شهور من العدوان الهمجي الغاشم
والمستمر.
كثير يسألون متى تحين ساعة
الحقيقة؟ بمعنى ساعة الحسم في جبهة جنوب لبنان! بمعنى آخر، هل سيذهب الإسرائيلي
فعلا نحو تصعيد الموقف والدخول في مغامرة أو مقامرة جديدة وحرب مفتوحة ربما لا
تبقي ولا تذر شيئا؟! أم أن كل الموقف الإسرائيلي والتهديد بالقوة هو من أجل الداخل
الإسرائيلي إما لتهيئة الأرضية الحقيقية لشن عدوان جديد على لبنان، وفي هذا السياق
هناك مؤشر في غاية الخطوة إذ إن قرابة 70 % من الإسرائيليين يؤيدون شن عملية
عسكرية على لبنان بحسب استطلاعات الرأي الإسرائيلية التي جرت مؤخرا بخلاف 40 % فقط
يؤيدون استمرار العدوان على غزة فيما يدعو أكثر من 50 % إلى وقف إطلاق النار مع
القطاع. وبهذا المعنى أو المعطى، فإن الموقف الإسرائيلي قد يكون جادا في تهديداته
وقد يذهب فعلا نحو فتح الجبهة في لحظة من اللحظات خاصة إذا ما ختم عدوانه على غزة
بفشل ذريع وأجبر على وقف إطلاق النار هناك بفعل شراسة المواجهة مع المقاتلين
الفلسطينيين أو بفعل الضغوط الداخلية والخارجية عليه. في تلك اللحظة قد يندفع نحو
لبنان لخلط الأوراق وتوريط أطراف أخرى عل ذلك يشكل مخرج له من الأزمة.
في المقلب الآخر لا تريد فصائل
المقاومة في لبنان وفي طليعتها حزب الله الذهاب إلى حرب مفتوحة لإدراكها أن ذلك قد
يشكل المخرج المؤقت للاحتلال من أزمته، غير أنها تستعد كما لو أن هذه الحرب
المفتوحة والواسعة ستقع في اليوم التالي، ولذلك فإنها تلجأ إلى الرد والتصعيد
المدروس الذي يردع الاحتلال من ناحية ولا يعطيه الفرصة للتوسع من ناحية ثانية،
ولكن ذلك غير كاف لأن الاحتلال لا يحتاج إلى ذريعة حقيقية لتوسيع الحرب وهو يمكن
أن يقدم على هذه الخطوة طالما أنه يدرك أنه يتمتع بغطاء خارجي ودعم منقطع النظير.
بهذه المعاني فإن الأيام والأسابيع
المقبلة قد تكون حاسمة لناحية الانزلاق نحو الحرب المفتوحة إذا قرر الاحتلال
الذهاب بهذا الخيار، وقد تسبق هذه الحرب كل مساعي التهدئة المبذولة والوساطات التي
تعمل من أجل إنهاء الحرب في غزة وحتى في جنوب لبنان، وقد كشف رئيس حكومة تصريف
الأعمال نجيب ميقاتي في لقائه التلفزيوني الأخير عن مسألة في غاية الخطورة بعد
لقائه الموفد الخاص للرئيس الأمريكي، آموس هوكشتاين، عندما تحدث بثقة عن وقف
لإطلاق النار في غزة قبل شهر رمضان، أي خلال الأيام القليلة المقبلة، في حين أشار
إلى أن جبهة جنوب لبنان ستكون محل نقاش خلال شهر رمضان، بمعنى آخر إن هذا النقاش
قد يكون تحت النار كما كان في غزة، وهو ما يحمل مؤشر خطير على أن جبهة الجنوب قد
يحسم أمرها حربا أو سلما خلال شهر رمضان المبارك، فاستعدوا أيها اللبنانيون.
د. وائل نجم