العدد 1641 /4-12-2024
د. وائل نجم

د. وائل نجم

مفاجئاً كان هجوم فصائل المعارضة السورية على مدينة حلب والسطيرة عليها في وقت قياسي حتى أنّ بعض المراقبين والمحلّلين أطلقوا على معركة "ردع العدوان" بـ "طوفان حلب" تيمناً وتشبّهاً بمعركة "طوفان الأقصى" التي فاجأت بها فصائل المقاومة الفلسطينية الاحتلال الإسرائيلي.

بالطبع لم يَرُق هذا الإنجاز السريع لفصائل المعارضة السورية لكثيرين، سواء في سوريا أو خارجها. أولاً لأنّه كشف هشاشة النظام السوري في مواجهة قوى المعاضة و"الثورة" وأنّه لا يمكنه البقاء والصمود من دون الدعم الروسي، وبالمناسبة فإنّ الروس لم يكترثوا كثيراً للمعركة ولم يتدّخلوا بشكل مباشر وقوي كما كان في العام 2016 بل اكتفوا بضربات موضعية وغارات خجولة، ولا ندري إذا كان ذلك يعود لموقف سياسي أم لقدرة ميدانية تتصل بسحب العديد من القوة الروسية من سوريا إلى أوكرانيا.

كما كشف الهجوم المفاجىء للفصائل أنّ النظام لا يمكنه حتى الاعتماد على المجموعات المسلّحة المرتبطة بإيران، فقد وقعت هذه المجموعات في المصيدة السورية وخسرت الكثير من عتادها وعديدها وقوّتها، وأجبرت على الانسحاب من مواقعها، بل أكثر من ذلك خلّفت خسارة استراتيجية لإيران في شمال سوريا قد تمتدّ أيضاً إلى بقية المدن والمحافظات السورية.

ثانياً: لقد خلطت هذه المعركة المفاجئة بنتائجها الأوراق في سوريا والمنطقة، ووضعت النظام وداعميه أمام خيار المضي بالتصعيد العسكري، ولن يتمكّن النظام وداعموه هذه المرّة من استعادة حلب لاختلاف كل شيء عن العام 2016، السياسة والأرض والمقاتلين والتوجهات وموازين القوى والاستراتجية والتكتيك والبشر وكل شيء. ولذلك فإنّ النظام وداعميه اليوم أمام خيارين كما يبدو: إمّا مواصلة القتال وفي ذلك استنزاف للجميع وإراقة المزيد من الدماء وإزهاق المزيد من الأرواح؛ وإمّا الحلّ السياسي الحقيقي الذي يفضي إلى استقرار حقيقي ينعم فيه السوريون، كلّ السوريين بالأمن والاستقرار والحريّة والحياة الكريمة، وهذا الآن ما يقرّره النظام في دمشق وداعموه إذا أرادوا ذلك.

ثمّ إنّ كلّ حديث عن ارتباط بين فصائل المعارضة السورية ومشاريع أميركا والعدو الإسرائيلي للمنطقة، فإنّه حديث لا يساوي الحبر الذي يُكتب فيه ولا قيمة له على الإطلاق. المعارضة السورية استفادت من اللحظة التاريخية لاستعادة قرى ومدن وبلدات هُجّر منها أبناؤها، وقامت بما يجب القيام به لأنّها رأت أنّ من حقّها استعادة حقّها المهدور.

أمّا فيما خصّ خروقات وقف النار في لبنان حيث أنّ الاحتلال الإسرائيلي ما يزال يعربد ويخرق اتفاق وقف إطلاق النار فإنّ ذلك متوقّع لأنّ الاحتلال ينظر إلى نفسه على أنّه خرج منتصراً من هذه المعركة وأنّ لبنان خضع لشروطه ووقّع على الهزيمة، ولذلك يعربد العدو في قرى الجنوب وفي سماء لبنان غير آبه ولا سائل عن أيّ شيء.

أراد الاحتلال أن يكرّس في مخيّلة الاسرائيليين واللبنانيين على السواء أنّه قد انتصر في هذه المعركة ولذلك فإنّ كلّ تصرفاته يريد منها تكريس هذه الصورة النمطية وقواعد جديدة في تفسير بنود اتفاق وقف إطلاق النار، ومنح الحقّ لنفسه في القيام بما يراه ويفسّره من بنود الاتفاق.

في المقابل كانت هناك محاولة قامت بها المقاومة لقلب هذه الصورة النمطية من خلال إطلاق صاروخين نحو موقع رويسة العلم في مزارع شبعا المحتلة لتأكيد الحق في الدفاع عن النفس والمقاومة، خاصة وأنّ هذا الموقع المستهدف يقع في منطقة ما تزال محتلة منذ ما قبل العام 2000م ، غير أنّ الإسرائيلي أراد أيضاً أن يطيح بهذه المحاولة من خلال الخرق الواسع الذي استهدف محيط عشرات البلدات في الجنوب، وحتى في البقاع وصولاً إلى الطيران الحربي المنخفض فوق الضاحية في رسالة لتكريس معنى واحد وتفسير واحد لاتفاق وقف إطلاق النار، هو التفسير الإسرائيلي للأسف.

بيروت في 4/12/2024