العدد 1634 /16-10-2024
د.وائل
نجم
تحوّلت الجبهة الجنوبية للبنان
مع شمال فلسطين المحتلة بنظر الاحتلال الإسرائيلي إلى الجبهة الأساسية تدريجياً اعتباراً
من أواخر تموز الماضي وصولاً إلى حديث رئيس وزراء كيان الاحتلال، بنيامين نتنياهو،
بعد اغتيال أمين عام حزب الله بأنّه يريد تغيير النظام في لبنان، وتغيير الشرق الأوسط
بدءاً من لبنان، وقد انتشى نتنياهو ببعض الإنجازات التي حقّقها جيشه بعد تفجير أجهزة
"البايجر"، وكشف عن نواياه الدفينة والمتلخّصة بالسيطرة والهيمنة على المنطقة
العربية والإسلامية بشكل كامل إنفاذاً وتحقيقاً لمعتقدات صهيونية بإقامة مشروع
"إسرائيل الكبرى".
على أساس هذه التصريحات والكشف
عن هذه النوايا يتبيّن أنّ كيان الاحتلال كان يبيّت نيّة سيئة وخبيثة تجاه قطاع غزة،
وقد عاجلته المقاومة الفلسطينية بهجوم السابع من أكتوبر ضمن معركة "طوفان الأقصى"
وخلطت كلّ أوراقه في غير الوقت المنتظر بالنسبة له؛ كما كشفت نيّته تجاه لبنان حيث
كان قد أعدّ العدّة ليس للقضاء على حزب الله فحسب، وإنّ كان هذا الأمر شرطاً أساسياً
لمضي الاحتلال في مشروعه الأساسي في إقامة "إسرائيل الكبرى" وضمان الهيمنة
والسيطرة على منطقتنا العربية التي كشف نتنياهو عن خريطتها في الثالث والعشرين من أيلول
2023 في كلمة له أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وأعاد الكشف عنها أمام الجمعية
المذكورة في السابع والعشرين من أيلول من العام 2024 الجاري.
إذاً العدوان الذي يشنّه
الاحتلال الإسرائيلي على لبنان هدفه الحقيقي والأساسي هو السيطرة على لبنان وإخضاعه،
ومن ثم بناء نظام سياسي تابع له في لبنان، وبعد ذلك السيطرة على كل المنطقة المجاورة
بدءاً من لبنان إلى سوريا والأردن والعراق والكويت والسعودية والخليج بشكل عام وصولاً
إلى مصر والسودان، وتصفية القضية الفلسطينية بشكل نهائي، وبذلك تكتمل الهيمنة الإسرائيلية
على المنطقة، وتضع يدها على ثرواتها، وربما تتطلّع "إسرائيل" إلى الهيمنة
على العالم كلّه وليس على هذه المنطقة فحسب، خاصة وأنّ الجميع يدرك أنّ هذه المنطقة
تتمتّع بمقوّمات كبيرة وهائلة بدءاً من النفط والغاز والثروات الطبيعية الأخرى، مروراً
بالموقع الجغرافي الذي يتوسط العالم ويشكّل طريقاً للتجارة الدولية، وصولاً إلى الممرات
البحرية التي تشكّل حاجة لا يمكن الاستغناء عنها.
وبالعودة إلى لبنان فإنّ
العدوان الإسرائيلي الذي يريد تحقيق هدفه الأساسي في لبنان الذي ذكرناه آنفاً، يريد
أيضاَ تدمير كلّ ما يعيق ويمنع تحقيق هذا الهدف، وحزب الله يُعتبر أحد هذه الموانع
والمعوّقات، ولذلك شنّ الاحتلال حربه على الحزب بشكل تخطّى كل قواعد الاشتباك التي
كانت قائمة، واتبع سياسة التدمير والتهجير بشكل واسع، وكما قلنا ليس على قاعدة تصفية
حسابات قديمة بينهما، وإن كانت موجودة؛ ولا على قاعدة فك الارتباط مع غزة، وإن كان
هذا يساعد على تحقيق الهدف الأساسي؛ ولا على قاعدة إعادة المستوطنين إلى شمال فلسطين،
وإن كان هذا مطلوباً. إنّما على قاعدة إخضاع لبنان لاستكمال مشروع الهيمنة على المنطقة
كلّها.
مستقبل لبنان ومستقبل المنطقة
اليوم رهن بصمود المقاومة في لبنان، وتصاعد حرب الاستنزاف في غزة؛ فهاتان الجبهتان
اليوم لا تخوضان الحرب دفاعاً عن نفسيهما، وإن كان هذا جزءاً من المعركة القائمة؛ إنّما
يخوضانها لأنّها المعركة التي ستقرّر مستقبل لبنان والمنطقة معه، حتى وإن كان في خُلْد
أيّ منهما القتال لأجل البقاء فحسب.
انطلاقاً من ذلك فإنّ على
اللبنانيين والفلسطينيين كافّة أن يقرّروا إذا ما كانوا سيساهمون في رسم وتقرير مستقبل
لبنان وفلسطين وتالياً المنطقة عبر الوقوف بوجه الأهداف الإسرائيلية بغض النظر عن أيّ
موقف مسبق من القوى المقاومة في لبنان أو في فلسطين! أم أنّهم سيركنون إلى الوعود الغربية،
ويصدّقون الأكاذيب والأوهام، ويكتفون بإحصاء أعداد الضحايا والشهداء! ثم يستفيقون بعد
ذلك على احتلال يقرّر متى يأخذ بيوتهم وثرواتهم، ويقرّر إذا ما كانوا "غوييم"
(حيوانات تليق بخدمته) أم أنّهم بشر يستحقون الحياة.