العدد 1661 /30-4-2025
د. وائل نجم
ما يجري في هذه المرحلة من أحداث
وما يُطلق من مواقف هو استباحة واضحة للمنطقة العربية دون أيّ اعتبار لاتفاقات
مبرمة، ولا لسيادة دول، ولا لقانون دولي، ولا لحقوق إنسان؛ ما يجري هو تكريس لمنطق
القوّة والبلطجة، وفرض الهيمنة على الدول والحكومات، والتحكّم بمصير الشعوب
وخيراتها وثرواتها وليس أكثر من ذلك ولا أقلّ.
خلال الأيّام الماضية أغار الطيران
الحربي الإسرائيلي على منشأة مدنية خالية ومفتوحة (هنكار) في الضاحية الجنوبية
لبيروت فدمّرها ودمّر ما حولها وأحال الحياة في جوارها إلى جحيم تحت حجّة وذريعة
أنّها منشأة عسكرية لحزب الله تهدّد الأمن الإسرائيلي، والجميع يعلم أنّ هذا الزعم
ليس سوى الحجّة لتوجيه رسالة سياسية للبنان لإرغامه على الخضوع للشروط الإسرائيلية
التي تريد أن تكتسب "الحقّ" بالتصرّف الحرّ في لبنان. والحقيقية أنّ هذه
الغارة العدوانية الجبانة ليست سوى استباحة لسيادة لبنان وحقّه وأمنه واستقراره
وحياة أهله، في ظلّ صمت وسكوت حتى من الذين رعوا اتفاق وقف إطلاق النار الأخير بين
لبنان والاحتلال الإسرائيلي.
خلال الأسابيع الأخيرة أيضاً أغار
الطيران الإسرائيلي على العديد من القرى والبلدات الجنوبية وصولاً إلى مشارف بيروت
حيث اغتال الأستاذ الجامعي الدكتور حسين عطوي، ومن قبله اغتال أحد الشخصيات
الفلسطينية في وسط مدينة صيدا ليلاً، في استباحات لا تُعدّ ولا تُحصى دون أيّ
اعتبار لشيء!
ولم تقف حدود الاستباحة عند لبنان
بل امتدت أيضاً إلى سورية حيث شنّ الطيران الإسرائيلي العديد من الغارات على مناطق
متفرقة في سورية فضلاً عن الخروقات والاستباحات الحدودية في منطقتي القنيطرة وجبل
الشيخ وحتى في أطراف محافظة درعا، وجرت هذه الاستباحات منذ اللحظة الأولى لإسقاط
النظام السابق واستلام السلطة من قبل الحكومة السورية الجديدة، المنهمكة أصلاً في
ترتيب الوضع السوري وفرض الاستقرار واستعادة النظام العام وهيبة الدولة. لقد حصلت
هذه الاستباحات من دون إقامة أيّ اعتبار للقوانين الدولية ولا الشرائع ولا
المواثيق ولا المعاهدات ولا غيره من الأمور.
ناهيك عن استباحات غزة وقطاعها
المدمّر حيث لم تعد الطائرات الحربية الإسرائيلية تجد ما تدمّره، فراحت تقصف بالصواريخ
الكبيرة حتى الخيام التي تأوي النازحين.
خلال الأيام الأخيرة خرج الرئيس
الأمريكي، دونالد ترامب، بموقف يتماهى مع استباحات كيان الاحتلال للمنطقة، فصرّح
ترامب وطالب بعدم دفع رسوم عبور للسفن الأمريكية، التجارية والحربية، خلال مرورها
في قناة السويس في مصر، زاعماً أنّ الأمريكيين ساهموا في شق وبناء هذه القناة؛
وكان ترامب من قبل أعلن عن بيع غزة، وضم كندا وغرينلاند، وقناة بنما، وربما يعلن
غداً ويطالب بضمّ شرق الجزيرة العربية وجنوب العراق وغرب إيران، هذه المناطق
الغنيّة بالنفط والغاز؛ أو ربما يعلن عن المطالبة بأرز لبنان ومرجان البحر الأحمر
وغيرها وغيرها من الأمور. إنّها استباحة كاملة وواضحة لكل شيء كما لو أنّ هذا
العالم ليس له قانون وليست فيه مبادئ ولا مواثيق تنظّم شؤونه وتحفظ حقوق الشعوب
والدول. إنّها شريعة الغاب التي يأكل فيها القوّي الضعيف، ولكن إلى متى هذه
الاستباحة والتسلّط على حقوق الناس وأمنها واستقرارها؟!
إنّ هذا النهج لا يقود إلّا إلى
مزيد من الغضب والاحتقان الذي يمكن أن ينفجر بوجه أصحابه في أيّ وقت. إنّ هذا
النهج لن يسهم في صناعة السلام المزعوم الذي يدّعيه صنّاع القرار في عواصم العالم،
بل سيفضي إلى ثورة واصطفافات دولية ستقود العالم إلى حروب جديدة هو بالغنى عنها.
آن لشعوب المنطقة وحكوماتها أن تدرك
أنّ هذا القادم من خارجها يستهدفها جميعاً. هذه الاستباحة لا تفرّق بين شعب وشعب
ولا بين حكومة وحكومة ولا بين حكومة وشعب؛ إنّها استباحة تريد أن تلتهم الجميع دون
استثناء، ولذلك فإنّ المنطق يقول إنّها يجب أن تضع خلافاتها جانباً لمواجهة هذه
الهجمة الشرسة وهذا التغوّل الذي لا حدود لها، وإلاّ فإنّ الجميع سيكونون ضحيته
وعندها لا ينفع الوقوف على الأطلال لأنّه لن تبقى أطلال.
د. وائل نجم