العدد 1429 / 23-9-2020
د. وائل نجم
فاجأ
رئيس الجمهورية، ميشال عون الصحفيين والرأي العام اللبناني بقوله "رايحين على
جهنم" ردّاً على سؤال توجّهت به إحدى الصحفيات خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده
يوم الثلاثاء ( 21/9/2020).
الحقيقة
أن الجواب كان صادماً بقدر ما كان صريحاُ فانسداد أفق تشكيل حكومة جديدة، في ظل
وضع اقتصادي آخذ بالتفاقم، وضغوطات بل عقوبات أمريكية آخذة بالتصاعد، وتحوّل
التنافس أو الصراع إلى نوع من الصراع الطائفي بعيداً عن الأزمة المركّبة، يقود
فعلاً إذا لم يتمّ تدارك الأمر إلى كارثة كيبرة أو ربما انهيار البلد وهو ما أراد
الرئيس التعبير عنه بـ "جهنم".
والحقيقة
الأخرى أنّه ليس مألوفاً في عالم السياسة أن يصدر من أعلى هرم السلطة في أيّ دولة
مثل هذا التصريح حتى لو كان الوضع الذي بلغته بلاده حدّاً لا يطاق، إذ أنّ التصريح
بمثل ذلك يزيد من حالة الإحباط واليأس، وتالياً الانكماش، ولا يسهم بأيّة صورة في
طرح الحلول أو المساعدة على الخروج من الأزمات، وإن كان التصريح قد كشف حجم الأزمة
التي بلغها لبنان، والتي لم تجد طريقها للحلّ حتى الآن، فضلاً عن حالة الاحتقان
التي تعتمل صدر الرجل جراء انسداد أفق الحلّ السياسي، واستمرار الكباش القائم
محلياً والذي يعكس في أكثر من صورة من صوره التنافس أو الصراع الإقليمي الدولي،
وبالتالي فإنّه يعكس فشل العهد في إيجاد الحلول المطلوبة للبنان، ناهيك عن فشله في
إقناع الشريحية المسيحية التي وصل باسمها إلى رئاسة الجمهورية بتحقيق أي شيء لها،
وقد كان بطريرك الموارنة، بشارة الراعي، قال قبل يوم واحد إنّه يرفض أيّ تعديل
للدستور أو تكريس لأعراف جديدة تكرّس بدورها هيمنة أيّ مكوّن لبناني، طائفي أو
سياسي، على البلد.
ثم
إنّ هذه العبارة تكشف كم نحن بحاجة في لبنان إلى رجالات دولة فعليين وحقيقيين يبادرون
من مواقعهم الوطنية الكبرى إلى إيجاد الحلول والتصرّف بمنطق رجل الدولة بعيداً عن
منطق المحاصصة الذي تعتمده الطبقة السياسية الحاكمة والذي ما زال إلى اليوم يعيق
ويشلّ تشكيل أيّة حكومة وأية مبادرة إنقاذية. العبارة تكشف كم نحن بحاجة إلى أن
نبتعد عن منطق الاستقواء بالخارج الذي جعل أبواب لبنان مشرّعة أمام التدخلات
الخارجية على أنواعها وحوّل لبنان إلى ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية.
لقد
أثبتت التجارب والاختبارات فشل الطبقة السياسية في إيجاد الحلول لكل الأزمات التي
نعيشها، بل أثبتت أنها هي المسؤولة عن هذا الوضع الذي بلغه لبنان جرّاء استفرادها
بالسلطة وتقاسمها تحت عناوين طائفية ومذهبية وسياسية ومناطقية وتكريس زعامات لا
تعرف سوى المصالح الخاصة والضيّقة ولا تعرف شيئاً عن رجال الدولة ولا منطق الدولة
ولا ضرورة الدولة.
لقد
شكّلت انتفاضة السابع عشر من تشرين الأول من العام 2019 فرصة للبنانيين، الذين
خرجوا من أسوار الطائفية والمذهبية والانتماء السياسي والحزبي الأعمى، لإخراج
لبنان من أزماته والمحن التي يعيشها، غير أنّ الطبقة السياسية الحاكمة وبتواطؤ
دولي، أو ربما استغلال دولي، تمكّنت من قطع الطريق على تلك الانتفاضة الشعبية
وإجهاضها، بل إعادتها إلى مربع الانتماءات الضيّقة التي ستقود لبنان إلى
"جهنم" اقتصادية واجتماعية وربما أمنية إذا استمرّت.
إن
اللبنانيين، وعلى الرغم إلى افتقارهم، في هذه المرحلة، إلى رجالات الدولة الفعليين
والحقيقيين، غير أنّه بإمكانهم أن يتجنّبوا "الروحة" (الذهاب) إلى جهنم
التي تحدث عنها الرئيس، ولكنّ ذلك يحتاج منهم إنتاج انتفاضتهم من جديد على أسس
جديدة تطيح بكل هذه الطبقة التي لم تشعر بالمسؤولية الملقاة على عاتقها، لا في وقت
الأزمات ولا أثناء كارثة انفجار بيروت ولا الآن ولا حتى غداً. اللبنانيون يحتاجون
إلى إعادة "إحياء" شعار "كلن يعني كلن" فهل تراهم قادرون على
ذلك قبل رحلة الوصول إلى "جهنم" التي وعدهم بها الرئيس؟!