العدد 1678 /27-8-2025
د. وائل نجم
ينتظر لبنان في القريب القادم
أيّاماً فارقة ستحدّد مصيره ومستقبله ربما لعقود قادمة من الزمن. فالضغوط
الأمريكية عليه متواصلة ومستمرة على أكثر من مستوى وبأكثر من طريقة وأسلوب،
والاعتداءات الإسرائيلية لم تتوقف يوماً على الرغم من اتفاق وقف الأعمال الحربية
أو العدائية في تشرين الثاني من العام 2024، والحكومة والدولة باتت بين فكّي كماشة
لإنقاذ الوضع، ضغوط أمريكية وشروط إسرائيلية لوقف الاعتداءات تتمثّل بشكل رئيسي
وأساسي بمطلب نزع السلاح، خاصة سلاح الصواريخ والمسيّرات والتخلّص منه عبر تفجيره،
ورفض من قبل حزب الله لهذا المطلب حتى لو كان ذلك سيؤدي إلى فتنة وحرب داخلية بين
الدولة والحزب أو بين مكوّنات لبنانية مختلفة! وحجّة رفض تسليم السلاح في الحقيقة
قويّة، فهي نقطة ومصدر قوّة بيد المفاوض اللبناني، وبالتالي يمكن استخدام هذه
القوّة لتحسين شروط التفاوض ورفع المكتسبات!
الحكومة كانت قد اتخذت قراراً
بحصرية السلاح بيد الدولة، وكلّفت الجيش إعداد خطّة لتنفيذ هذا القرار وتقديمها
قبل بداية أيلول المقبل على أن تأخذ الخطة بالاعتبار تنفيذ هذا القرار والانتهاء
منه قبل نهاية العام الجاري؛ وحزب الله رفض بشكل قاطع تسليم سلاحه، ولكنه أبدى
استعداده لنقاش ذلك في طار اعتماد لبنان خطة دفاعية تأخذ بعين الاعتبار المخاطر
والأطماع والتهديدات الإسرائيلية، كما طالب بأن يكون ذلك في إطار اتفاق يأخذ بعين
الاعتبار تنفيذ خطوات متزامنة أو خطوة مقابل خطوة من الطرف الآخر بعد انسحابه من
الأراضي التي احتلها في الحرب الأخيرة، وهذا يعني أنّ القرار ليس مقفلاً بشكل محكم
وكامل على رفض حصرية السلاح إنّما هناك مطالب وشروط لا بدّ من أخذها بالحسبان،
وهذا بحدّ ذاته يشكّل فرصة جدّية وحقيقية يُبنى عليها للوصول إلى أرضية مشتركة
يمكن أن تكون فرصة تمكّن لبنان من مواجهة الضغوط من ناحية والتهديدات والأطماع من
ناحية ثانية.
اليوم، الحقيقة لا يمكن القول إنّ
شيئاً لم يتغيّر في المنطقة، فنتائج الحرب الأخيرة واضحة، وإن لم تكن حاسمة لناحية
انتصار جهة أو فريق على جهة وفريق آخر؛ لقد نشأ عنها واقع جديد، وموازين جديدة،
وقواعد جديدة يستلزم التعاطي معها آليات جديدة، وبناءً عليه فإنّ لبنان اليوم
يختلف عن لبنان الأمس من دون أن يعني ذلك الاستسلام والانصياع لإرادة القوى
الجديدة التي برزت وظهرت في المشهد اللبناني الجديد، وعليه لا بدّ من الأخذ بعين
الاعتبار كلّ هذا المتغيّر الذي حصل.
لبنان اليوم بحاجة إلى تحصين الوضع
الداخلي فيه لتمكينه من مواجهة التحدّيات الجديدة، ويأتي في صدارة ذلك تمكين
الدولة من القيام بدورها وواجبها ومسؤوليتها، من دون أن يعني ذلك التخلّي عن أيّة
نقطة قوّة يمتلكها لبنان في مواجهة التحديّات الجديدة، وفي مقدمة ذلك سلاح وخبرة
المقاومة في مواجهة الأطماع الإسرائيلية.
غير أنّ ذلك يحتاج من طرفي المعادلة
اللبنانية، سواء الحكومة والقوى التي تنادي بالسيادة وحصرية السلاح، أو القوى التي
ترفض سحب السلاح وتريد الاحتفاظ به، هؤلاء جميعاً بحاجة إلى الوصول إلى الاقتناع
بضرورة وأهمية الوصول إلى معادلة مشتركة يشعر فيها الجميع أنّ الدولة للجميع وليست
لطرف دون غيره من الأطراف أو أنّها يمكن أن تنتقم من طرف من الأطراف لاحتكارها من
طرف أو أطراف أخرى؛ وأنّ السلاح للدولة أيضاً، أو يمكن أن يكون جزءاً من رؤية وخطة
أمن قومي ووطني يشارك في الدفاع عن الدولة ويواجه الأطماع أو التهديدات التي يمكن
أن تأتي من أيّة جهة، هو سلاح لكلّ اللبنانيين ويعنيهم جميعاً، وليس سلاحاً لحزب
دون غيره من القوى السياسية، أو لطائفة أو مذهب دون غيره من الطوائف والمذاهب،
وهنا تحتاج المسألة إلى تشكيل قناعة مشتركة بضرورة الانكفاء قليلاً في الطروحات
عند كلّ الأطراف، فلا الحديث عن التخوين ينفع، ولا الاتهام بالعمل لحساب دول في
الإقليم ينفع، ولا التهديد بالدولة للانتقام من طرف لبناني ينفع، ولا التلويح
باستخدام السلاح في الداخل ينفع، ولا أيّة مواجهة داخلية بين اللبنانيين تنفع، بل
على العكس لا يستفيد منها إلا الاحتلال، وعليه فإنّنا نحن في لبنان بحاجة إلى
اعتماد سياسة الخطوات المتزامنة فيما بيننا أيضاً وصولاً إلى تشكيل قناعة مشتركة
أنّه بإمكاننا أن نؤسس دولة تكون ضامنة وراعية للجميع وليس فيها امتيازات لأحد على
حساب أحد، ولعلّ التجارب أثبتت أهمية ذلك، وأثبتت أيضاً فشل الرهان على الخارج
بعيداً كان أم قريباً.
لكلّ ذلك فإنّ لبنان ينتظر أيّاماً
فارقة في القريب القادم، وعلى اللبنانيين أن يحدّدوا المسارات التي سيسلكونها فإمّا
أن يؤسّسوا دولة لهم جميعاً وضامنة للجميع، وإمّا أن يبقوا على لبنان ساحة لتصفية
الحسابات بين المتصارعين في الإقليم وعليه.
د. وائل نجم