العدد 1660 /23-4-2025
لا أدري أأجزع لرحيلك أم أستبشر
لنيلك الشهادة؟!
الحقيقة يا أبا البراء مُرّة،
والفراق صعب، ولكن لا أقول إلّا ما يُرضي ربّنا، وقد اتخذك الله واصطفاك شهيداً
إنْ شاء الله في علّيين مع الأنبياء والشهداء والصدّيقين.
في طفولتنا مع أبناء العمومة والخؤولة
(عبدالله وقاسم وحسين) وفي حارات قريتنا وحقولها وبساتينها وجبالها كنت
مميّزاً بيننا في عنفوانك وفي تمرّدك حتى
في ألعابنا الطفولية حيث كنت دائماً تجسّد شخصية البطل الذي يأبى الخضوع ويرفض
الاستسلام ويقف شامخاً بوجه الظلم والاستبداد ويمدّ يده لمساعدة كلّ مظلوم أو
مقهور.
قتل الاحتلال الغادر والدتك (عمّتي
رشيدة) الصابرة، المجاهدة، المرابطة، المحتسبة، بقذيفة جبانة عمياء استهدفت قريتنا
الهبّارية، وأنت ما زلت دون العاشرة من العمر، فأشعل فيك ذلك حماسة أكبر للوقوف
بوجه العتاة والظالمين والمحتلين، وولّد داخلك شعوراً لا يعرفه كثير من الناس،
شعوراً يعرف بجدّ معاناة أطفال فلسطين وهم الذين يفقدون أمهاتهم وآباءهم كلّ يوم
دون أن يرفّ للعالم الظالم جفن.
وعندما اشتدّ عودك اخترت مسارك في
الحياة عاقداً العزم والنيّة على العمل لرفع الظلم حيث أمكن ذلك، ومواجهة الاحتلال
حيث سمحت الفرصة والقدرة، ومساندة كلّ مقهور حيث توفّرت الإمكانية، وخلال كلّ هذه
المراحل ظللت متمرّداً ثائراً مميّزاً كما في طفولتك لا تخضع لقواعد أرادوا تكبيل
شعوبنا وأمّتنا بها.
خضت ميادين الجهاد في بداية شبابك
وأنت دون العشرين من العمر، وتمرّست في فنون القتال حتى أضحيت قائداً فذّاً لا
يأبه ولا يخاف، وبقيت قبضتك على الزناد حتى لحظة الشهادة.
آمنت أنّ العلم سلاح ميدانه لا يقلّ
عن ميادين الجهاد، فامتشقت قلمك مدافعاً عن لغتنا العربية الأصيلة في مؤتمرات
عقدتها وأشرفت عليها في لبنان والخارج لإيمانك بأنّ اللغة تحصّن المجتمع من
الاختراق، وليقينك، وأنت الخبير في الحرب النفسية، أنّ الهزيمة تبدأ من هزيمة
الأنفس، والنصر يولد من عنفوانها.
كانت القدس ومسجدها الأقصى يراودان
تفكيرك على الدوام، وأنت المسكون بحبّ فلسطين، وبوجع أهلها وأطفالها، فخطّ قلمك
رواية "حارسها الأخير" وكأنك أردت أن تقول للجميع حرّاس القدس والأقصى
لا ينتهون، بل يتوارثون الراية حتى تحريرها وزوال الاحتلال.
أمس غدر بك الاحتلال الجبان، وأخذك
على حين غرّة ظنّاً منه أنّه قد نال منك، ومن عنفوانك وعزيمتك، لكن راح عن باله
أنّ الله اصطفاك إلى جواره مع الشهداء والأنبياء والصدّيقين فهنئاً لك الشهادة
التي تليق بك أخي "أبو البراء".
رحمك الله وتقبّلك عنده في علّيين.
وائل نجم