العدد 1526 /31-8-2022
أواب ابراهيم
كنّا قد زغردنا وهلّلنا الأسبوع
المنصرم لوصول الغواصة المنتظرة لانتشال المركب الغارق قبالة شواطئ مدينة طرابلس، ومعها
ما تبقى من جثث قرابة ثلاثين شخصاً. الذي حصل بعد ذلك، ينطبق عليه المثل المصري
"جت الحزينة تفرح ما لقت لها مطرح". فلم يكد يمر يومان على المؤتمر الصحفي
المشترك الذي عقده المسؤولون عن تشغيل الغواصة مع قيادة الجيش لإعلان ما توصلت إليه
من معطيات وأدلة، حتى انتشر في وسائل الاعلام خبر انتهاء مهمة الغواصة ومغادرتها لبنان.
السبب حسب المعنيين "عدم توفر التجهيزات المطلوبة لانتشال المركب الغارق في البحر"
على عمق قرابة 500 متر، ومعها جثامين الغرقى.
المغادرة السريعة والملتبسة
للغواصة دفعت أهالي الضحايا والناجين من الغرق لقراءة ما حصل بريبة، وساهمت بطرح أسئلة
وعلامات استفهام كثيرة ينتظر أهالي الغارقين والمتابعين للملف أجوبة عليها. فبعد ترقب
دام 4 أشهر لوصول الغواصة لإنهاء هذا الملف الإنساني، قضت الغواصة أياماً قليلة، عقدت
بعدها مؤتمراً صحفياً يتيماً، قسم كبير منه تولاه قائد القوات البحرية في الجيش اللبناني
والنائب أشرف ريفي (الذي سعى لتأمين وصول الغواصة)، وما تبقى من وقت تحدث فيه المسؤول
عن الغواصة باللغة الانكليزية.
من علامات الاستفهام الكثيرة
التي تحتاج لإيضاح، هو ماكشفه فريق الغواصة في المؤتمر الصحفي من أن القارب الغارق
مليء بالرمال وعالق في مكان صخري يصعّب من عملية انتشاله. هنا يُطرح السؤال: ألم يكن
فريق الغواصة يضع هذا الاحتمال بحسبانه وتجهّز لذلك بإحضار المعدات اللازمة. ألم يسأل
عن حجم المركب وطبيعة المياه التي استقر في أعماقها. هل انتظار الغواصة كل هذه المدة
يهدف فقط لمعرفة مكان القارب، أم أن الهدف كان انتشالها وانتشال جثث الغارقين؟.
خلال المؤتمر الصحفي أعلن
طاقم الغواصة أنه تم العثور على عدد من الجثث عالقة داخل القارب، وحين حاول انتشال
إحدى الجثث تفتتت وتلاشت. في حين أن خبراء في الطب الشرعي، مع تأييدهم لاستحالة انتشال
جثث كاملة من عمق البحر بعد مرور هذه المدة، إلا أنهم أكدوا إمكانية انتشال الهياكل
العظمية لاسيما الجماجم، والتي يمكن من خلالها التعرف على أصحابها بعد إجراء فحص الحمض
النووي على الأضراس، وذلك كون العظام تستغرق سنوات طويلة كي تتحلل، فلماذا لم يحصل
ذلك؟ ثم إذا كان من المتعذر انتشال الجثث المتحلّلة، فلماذا لم يتم انتشال الملابس
والمتعلقات الأخرى كالأحذية وغيرها من الحاجيات التي يمكن من خلالها التعرف على أصحابها،
والتي يستحيل تحللها خلال هذه المدة.
في المؤتمر الصحفي الذي عقده
طاقم الغواصة مع قيادة الجيش أكد قائد القوات البحرية أنه تمّت إحالة ما تمّ التوصل إليه من أدلة جديدة للقضاء
لاستكمال التحقيقات. هنا يبرز سؤال قديم جديد، ما الضمانة بأن الجيش اللبناني سيسلم
القضاء الأدلة التي تمّ التوصل إليها، والتي ربما ستدينه. وما الضمانة بأن القضاء العسكري
الخاضع لسلطة الجيش سيتعامل مع هذه الأدلة -في حال تسليمها- بحيادية إذا كانت خلاصتها
إدانة ضباط وعناصر الجيش.
إذا كان جلّ ما قدمته الغواصة
وطاقمها الإعلان في مؤتمر صحفي عمّا توصلت إليه، فلماذا مُنع أهالي الضحايا من حضور
المؤتمر، ولماذا لم يتم توفير ترجمة لتمكين الإعلام غير المتحدث بالإنكليزية من طرح
أسئلته مباشرة على ربان الغواصة، الذي أدلى بمعلومات تشكل أدلة وقرائن جنائية مهمة
لمسار القضية.
استغرب فريق الغواصة في المؤتمر
الصحفي الصور الرديئة التي انتشرت في وسائل الإعلام للمركب الغارق، مؤكداً بأن الصور
التي حصل عليها خلال عملية البحث موثقة وبجودة عالية جداً، في حين أن الصور المعروضة
مختلفة وغير دقيقة، فأين هي هذه الصور ولماذا تمّ إخفاؤها أو تشويهها؟.
الأهم من كل ذلك، كيف لطاقم
الغواصة أن يختم مهمته ويغادردون إعلان، ودون تقديم تقرير رسمي للجهات المعنية وللأهالي
المكلومين.
كان مأمولاً أن يُنهي وصول
الغواصة مأساة إنسانية عمرها أربعة أشهر، وأن تتكشف الحقيقة بالأدلة القاطعة حول المسؤولين
عن إغراق المركب، لكن يبدو أن هذا الجرح لن يندمل، خاصة أن مغادرة الغواصة بهذا الشكل
زاد من الريبة التي تحيط بهذا الملف.
أوّاب إبراهيم