العدد 1523 /10-8-2022
أواب ابراهبم


تجاوز غياب حركة حماس وكتائب القسام التابعة لها عن مسرح العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة حدود الهمز واللمز، فالكثير من المهتمين بالشأن الفلسطيني -من مؤيدي حماس وخصومها- تساءلوا عن غياب الحركة التي لطالما كانت اللاعب الرئيسي في أي مواجهة مع العدو الإسرائيلي، خاصة في قطاع غزة. واستغلّ بعض الناقمين على حماس موقفها الصامت إزاء تحييدها من العدوان الإسرائيلي واستهدافه قيادات ومراكز حركة الجهاد حصراً، بالمقارنة بين موقف الحركة اليوم وموقف السلطة الفلسطينية في السابق، حين كانت السلطة لاتحرك ساكناً إزاء ما كانت تتعرض له قوى المقاومة وفي مقدمها حماس من اعتداءات.

غياب حماس عن المشهد خلال العدوان الإٍسرائيلي على غزة أراح كذلك حزب الله، وجعله هذه المرة بعيداً عن سهام النقد واللوم لغيابه عن مساندة المقاومة الفلسطينية في مواجهة العدوان الإٍسرائيلي، وإبقاء الجبهة اللبنانية الجنوبية هادئة، وهو الذي يهدد في كل مناسبة أن باستطاعته القضاء على "إسرائيل" ويسعى لنصرة الشعب الفلسطيني. فإذا كانت حماس أقوى حركات المقاومة المتواجدة في قطاع غزة لم تحرك ساكناً، فلا عتب على حزب الله لعدم تدخله، بل إن بعض مناصري الحزب تساءل بخبث على وسائل التواصل الاجتماعي عن غياب حماس للتعمية على غياب الحزب.

تبرير غياب حركة حماس عن المشهد الإعلامي لإسكات الألسن المنتقدة والمتشفّية لم يأتِ ببيان رسمي عن الحركة، ولا بتصريح عن أحد قادتها، بل صدر عن الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي زياد نخالة الذي اعتبر أن حركة حماس هي العمود الفقري لحاضنة المقاومة و"نحن في تحالف مستمر معهم لمواجهة العدو، وسنبقى موحدين مع كل قوى المقاومة، لذلك عندما تحمل بندقية أو تكون ظهيراً وسنداً للمقاومة أنت تفعل الفعل نفسه".

بعيداً عن وحدة موقف المقاومة وتضامنها في مواجهة العدو الإٍسرائيلي، فإن ما قاله نخالة لايعفي من البحث والنقاش حول أسباب غياب حركة حماس عن مسرح المواجهة في قطاع غزة، واستغلال "إسرائيل" تحييد حماس، في مسعى لدقّ "إسفين" بين حركتي حماس والجهاد الأمر الذي من الواضح أنها لم تنجح به.

ما بات واضحاً هو أن حسابات حركة حماس بعد تسلمها إدارة قطاع غزة، جعلها في موقع مسؤولية ليس عن حركتها ومقاومتها ومناصريها، بل عن جميع أبناء القطاع، مؤيّدين لها أو معارضين. هي ليست مسؤولة فقط عن توفير رواتب عناصرها وتأمين صواريخ لمقاومتها، بل مسؤولة عن توفر التيار الكهربائي، والمحروقات، والمواد الغذائية، وحركة الصيادين، والمعابر. مسؤولة عن المدارس والمستشفيات والوزارات والإدارات.. وقد أدركت حماس بعد تسلّمها إدارة قطاع غزة أن الوصول الى الحكم ليس نزهة. وقد كشف رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل في تصريحات له قبل سنوات أن حركته استسهلت الوصول للحكم، وظنّت أن ذلك أمر ميسور، لكنها اكتشفت أن ذلك ليس سهلا. لذلك فإنّ ضريبة خوض حماس مواجهة مع العدو الإسرائيلي يعني أن القطاع كله بات في المواجهة، وهذا أمر حين يحصل ينبغي أن يكون مدروساً، أو على الأقل يستحق خوض المواجهة من أجله.

الأمر الآخر الذي يجب أخذه بالاعتبار، هو أن أحد أهم دوافع العدوان الإسرائيلي على غزة هي حسابات داخلية ترتبط بمسعى رئيس الوزراء لتعزيز موقعه قبل انتخابات الكنيست المقبلة. وهذا يتطلب من الطرف الفلسطيني عدم الانجرار لتنفيذ أجندات إسرائيلية، والحؤول دون أن يتحول قطاع غزة لورقة انتخابية إسرائيلية.

هذا لايعني أنه على حماس أن تخضع وتركن للاحتلال. فحين تفرض المعركة نفسها على الجميع ، سواء كانوا في سدة المسؤولية أو خارجها، فان الأمر يتطلب بعض التأنّي، فلا يمكن الانخراط بمواجهة مع الاحتلال مما قد يؤدي لتدمير البنية التحتية واستشهاد المئات وجرح الآلاف، في الوقت الذي يمكن تجنّب المواجهة وتبعاتها.

هو موقف محرج استجد على حركة حماس التي طالما اعتادت الشعوب العربية والإسلامية أن تكون في الصفوف الأولى للمواجهة وصدّ العدوان الإسرائيلي. لكنها ضريبة عليها أن تدفعها بعدما باتت في سدة المسؤولية.

أوّاب إبراهيم