العدد 1522 /3-8-2022
أواب ابراهبم
احتفلت السلطة الإثنين الماضي بالعيد
77 للجيش اللبناني. كما في كل عام شكل عيد الجيش مناسبة ليتجاوز أركان السلطة
خلافاتهم وحضور الحفل الذي تنظمه المؤسسة العسكرية في ثكنة شكري غانم بمنطقة
الفياضية ويتضمن تخريج دفعة من ضباطها، وترقية دفعات أخرى.
على
مسافة مئات الأمتار من الحفل الذي كانت تقيمه قيادة الجيش بحضور أركان السلطة كانت
آلاف السيارات متكدسة على طول الطريق الدولية التي تربط العاصمة بيروت بمحافظتي
جبل لبنان والبقاع. فالإجراءات الأمنية لتأمين وصول المسؤولين تطلبت قطع طريق يعدّ
شرياناً رئيسياً لتنقّل عشرات آلاف اللبنانيين لمدة زادت عن ست ساعات، علماً أن
مدة الحفل لم تتجاوز ساعتين. توقيت الإقفال جاء صبيحة يوم الإثنين الذي يشهد في
الأصل اختناقاً مرورياً بسبب كثافة السيارات المتوجّهة من البقاع وجبل لبنان إلى
بيروت للعمل وقضاء الحاجيات بعد عطلة نهاية الأسبوع، وهو الذي يعتبر ذروة الازدحام
لهذا الأوتوستراد الدولي.
ككل
ازدحام مروري خانق، تبدأ الأعطال تتكشف في السيارات، فصار الرصيف مكاناً مخصصاً
لركن السيارات التي ارتفعت حرارتها أو أصابها عطل، وصارت هذه السيارات "رزقة"
لمحلات تصليح السيارات في المنطقة. كما أن الاختناق المروري وعجز السيارات عن
الحركة، كان سبباً لاندلاع شجارات بين السائقين، فتبادلوا الشتائم والتهديدات،
لعجزهم عن توجيه الشتائم لمن كان سبباً فيما يعانونه. خاصة أن القوى الأمنية ترأفت
بالعالقين في سياراتهم تحت أشعة الشمس، ففتحت مسرباً سعة سيارة واحدة يؤدي إلى
أحياء داخلية وأزقة فرعية، فامتد الاختناق من الأوتوستراد الرئيسي إلى الأحياء
المحيطة التي استاء أهلها من اقتحام السيارات لأزقتهم.
من
بين العالقين عشرات العناصر من أفراد الجيش اللبناني الذين كانوا متوجهين لأماكن
عملهم التي لاعلاقة لها بالحفل القائم إما بسياراتهم الخاصة أو ركاباً في باصات
وفانات. هؤلاء العناصر اشتعلوا غضباً كما الآخرين، لكنهم خافوا من الإفصاح عنه، وكانوا
مضطرين لتحمّل نظرات الغضب والاستياء التي رماهم بها الآخرون فقط لأنهم يلبسون
البذلة العسكرية، وكأنهم السبب بالأزمة التي يعانون منها.
إقفال
الطريق أمام السيارات أبرز جانباً من الطبقية بين اللبنانيين. فبعض القابعين
بسياراتهم الفارهة شغّلوا مكيّف الهواء وأقفلوا على أنفسهم شبابيك سياراتهم، وانشغلوا
بإجراء اتصالات هاتفية الغاية الوحيدة منها، هو إضاعة الوقت بانتظار فتح الطريق،
أو استمعوا لموسيقى هادئة. في حين أن الغالبية العظمى من سائقي السيارات، تجنّبوا تشغيل
المكيّف إماً لأنه "عطلان" لايعمل، أو لأنه غير فعّال، وإما -وهذا
الأرجح- لتجنّب استهلاك المزيد من الوقود. الحرص على الوقود اضطر بعض السائقين
لدفع سياراتهم بأيديهم تجنّبا لتشغليها.
من
الظلم القول بأن إقفال الطرق أمر يتفرد به لبنان. فكل دول العالم يتمّ إقفال الطرق
فيها لحاجات أمنية أو لتأمين مرور مسؤولين. لكن الفارق هو أن الإقفال يكون لشوارع
يتوفّر لها بدائل وليس شرياناً رئيسياً لمئات آلاف اللبنانيين في وقت الذروة. ثم
إن الإقفال يكون لدقائق هي وقت مرور الموكب أو المواكب، وليس لساعات طوال، يكون
فيها المسؤولون متربعون على كراسيهم يشاهدون العرض العسكري، في الوقت الذي يغرق آلاف
اللبنانيين بعرقهم في سياراتهم ينتظرون انتهاء الحفل. خاصة أن مكان انعقاد الحفل
يبعد مئات الأمتار عن الشارع، وبالتالي لا خطر أمني على الحفل. ثم إنّ إغلاق
الطريق يجب أن يسبقه إعلان في وسائل الإعلام بوقت كاف حتى يتسنّى لمن يسلك هذه
الطريق معرفة وقت إقفال الطريق فيتجنّب سلوكه. لا كما حصل، حيث أن السؤال الذي
تردد على ألسنة العالقين في الطريق كان "خير شو في؟"، معتقدين أن
الازدحام سببه حادث مروري أو انقلاب شاحنة.
لعلّ
السبب الأبرز الذي ساهم في اشتعال نفوس العالقين في سياراتهم وانفجار غضبهم هو
بغضهم لرجال السلطة التي قُطعت الطريق من أجل تأمين مرورهم، وعدم ثقتهم بهم، ورغبتهم
برحيلهم.
أوّاب
إبراهيم