العدد 1426 / 2-9-2020
أواب إبراهيم
صورة
لعشرات المسعفات في الهيئة الصحية الإسلامية (التابعة لحزب الله) يقمن بإجراءات
فحوص الكورونا في مطار بيروت،أثارت زوبعة من الاستهجان والانتقاد. مشكلة الثائرين أن صورة المتطوعات المحجبات
المجلببات المتشحات باللون الأسود لا تعكس
صورة لبنان الحضارية، وخرجت أصوات منددة بهيمنة حزب الله على مطار بيروت، وانطلقت
على وسائل التواصل الاجتماعي حملة شرسة تتهم حزب الله بتحويل مطار "رفيق
الحريري الدولي" إلى مطار إيران. كل ذلك فقط لأن وزارة الصحة استعانت
بمتطوعات من الهيئة الصحية ليساهمن في إجراء الفحوصات للمسافرين القادمين عبر مطار
بيروت.
بعدها
بيوم واحد انتشر خبر انسحاب رئيس كتلة حزب الله النائب محمد رعد من غداء القصر
الجمهوري الذي أقيم على شرف الرئيس الفرنسي، وذلك بسبب وجود زجاجات من النبيذ على
المائدة. أثار الخبر موجة مشابهة من الاستهجان والانتقاد، وهذه المرة من السخرية
أيضاً.
يمكن
فهم استياء النخب العلمانية واليسارية واللا دينية من ظهور محجبات في مطار بيروت،
ومن انسحاب نائب بسبب وجود زجاجة خمر على المائدة، فهؤلاء يكرهون كل ما يرتبط
بالدين(الإسلامي تحديداً)، وهم جهدوا وتعبوا وبذلوا جهوداً كبيرة على مدى العقود
الماضية لتكريس صورة نمطية في السياسة والإعلام والسياحة مبنية على أن لبنان بلد
الانحلال الأخلاقي والإباحية والبعد عن الدين. فبالنسبة لهؤلاء ليس مسموحاً
للالتزام الإسلامي أن يكون له وجود في أي من مناحي الحياة العامة، ومازال هذا
الحُرُم سارياً حتى اليوم. تربية اللحية ممنوعة على عناصر الأجهزة الأمنية، الحجاب
محظور على الراغبات بدخول سلك القضاء، حتى المسابح يتم منع المحجبات من دخولها،
ويُنظر لكل ملتزم يريد المحافظة على واجباته الدينية على أنه متشدد متزمت. كل هذا
مفهوم، لكن من غير المفهوم مطلقاً أن يكون من جملة المستائين والمنتقدين والساخرين
من وجود المحجبات ومقاطعة مائدة الخمر ملتزمون دينياً يؤمنون بأن مجالسة الخمر
كبيرة من الكبائر وأن الحجاب فرض على النساء يجب احترامه وتقديره لا الإساءة إليه
والسخرية منه. الذي حصل أن خصومة هؤلاء مع حزب الله جعلتهم في خصومة مع كل سَمْت
إسلامي يلتزم به الحزب. وعوض أن يكون الملتزمون من المتضامنين مع مشهد المحجبات في
مطار بيروت والمؤيدين لانسحاب نائب بسبب وجود الخمر، انضموا إلى جوقة المنتقدين
والمستائين ، فقط لأن ما قام بذلك هو حزب الله.
الاختلاف
مع حزب الله كبير وحول الكثير من القضايا المبدئية والأساسية، خاصة أنه يواصل
الإيغال في مساندة نظام يقتل شعبه، لكن هذا الاختلاف لايجب أن ينكر حقيقة أن الحزب
هو الذي أدخل الالتزام الإسلامي على الحياة العامة في لبنان، وفرض احترام هذا
الالتزام على الآخرين، ليس بسبب تسامح الآخرين وسعة صدرهم بل بسبب قوة حزب الله في
الحياة اللبنانية، بحيث صار رقماً صعباً لايمكن لأحد تخطيه.
اليوم
لم يعد مستهجناً أن تكون المحجبة مذيعة على الشاشة أو مراسلة ميدانية، لم يعد
مستغرباً اطلاق اللحية دون اتهام صاحبها بالتزمت، لم يعد يستدعي الدهشة وفتح الفم
حين يتم الاكتفاء بوضع اليد على الصدر تجنباً للسلام على الجنس الآخر. يسجل لحزب
الله أنه سلط الضوء على شريحة واسعة من اللبنانيين الذين لاينتمون للصورة النمطية
السائدة عن اللبنانيين واللبنانيات. شريحة المحافظين الذين يحرصون على التزام
أوامر دينهم وتجنب ما نهى الله عنه دون أن يتم وسم صاحبه باتهامات باطلة.
يجب
التفريق بين الاختلاف مع حزب الله وبين المظهر والسَمْت الإسلامي الذي يلتزم أبناء
الحزب به. فإذا كانت هناك مشكلة مع بعض أفعال حزب الله، فمن الخطير أن تمتد هذه
المشكلة إلى سَمْت الحزب الإسلامي.
أوّاب
إبراهيم