العدد 1427 / 9-9-2020
أواب إبراهيم
بدأت الحكاية بغضب لطيف عبّر عنه أحد المغرّدين في تغريدة، طالب فيها بحصته
من السمك الذي وصل مساعدة إلى لبنان. فدولة موريتانيا في أعقاب تفجير مرفأ بيروت،
وأسوة بالكثير من الدول الأخرى، قدمت للبنان ما تستطيع من مساعدات ودعم لمساندته
في الأزمة التي حلّت به. وبما أن موريتانيا بلد ذو قدرات متواضعة، ولا يملك ثروات
نفطية وفوائض مالية، واستشعاراً منها بالواجب الأخلاقي والإنساني، فإنها قدّمت 12
طناً من السمك، وكان من المنطقي أن تصل المساعدة الموريتانية على بساطتها إلى
الأهالي المتضررين من تفجير مرفأ بيروت، الذين باتوا في الشارع، لايجدون قوت
يومهم، بعدما تتولى منظمات المجتمع المدني أو أي جهة معنية استلام السمك وطهوه لهم.
خاصة أننا نتحدث عن أسماك لا تحتمل التخزين والتأجيل، ولا منطق في التخزين
والتأجيل في ظل حاجة وعوز المتضررين من الانفجار. لكن المفارقة أن الأسماك
الموريتانية اختفى أثرها ولم تصل لأحد. وبما أن اللبنانيين يعيشون كل يوم أزمة
جديدة ومأساة جديدة ومعاناة جديدة، فإنهم نسوا أمر الأسماك ولم يخطر ببالهم السؤال
عن مصيرها، وفي أي معدة استقرت.
لكن مغرّداً محبّاً للسمك بصفته مواطناً لبنانياً
متضرراً من انفجار مرفأ بيروت سأل عن حصته من السمك، وطالب أقلّه بمعرفة مصير 12
طن من الأسماك لم يظهر لها أثر، واحتل هاشتاغ "أريد سمكتي" الذي أطلقه
المغرّد مراكز متقدمة على وسائل التواصل الاجتماعي، وتناولته وسائل الإعلام
اللبنانية والدولية، خاصة بعد تفاعل وانضمام كثير من الشخصيات والمؤثرين للحملة،
الذين طالبوا السلطة اللبنانية بالكشف عن مصير الأسماك المقدمة من موريتانيا. هذا
الضغط الإعلامي والشعبي اضطر قيادة الجيش لإصدار بيان رسمي أعلنت فيه أنها تسلمت
شحنة الأسماك الموريتانية وقامت بتخزينها، وأنها "تتواصل مع الجمعيات التي
تقوم بطهي الطعام لطهو السمك وتوزيعه على متضرري انفجار مرفأ بيروت". بالطبع
لم يكن البيان مقنعاً لأحد، بل كان محاولة للخروج من الحرج الذي تسببت به إثارة
الموضوع للمطالبة بمعرفة مصير السمك. فلا منطق في تخزين السمك وتأجيل الاستفادة
منه، بل في المسارعة بطهوه وتوزيعه.
النجاح الذي تحقق في معرفة مصير السمك الموريتاني شجّع اللبنانيين على خوض
غمار تحد جديد، وهو معرفة مصير 1675 طن من الشاي السيلاني تبرعت به دولة سريلانكا
ولم يظهر أثر له في المساعدات المقدمة للفقراء المُعدمين المتضررين من انفجار مرفأ
بيروت، فانطلق هاشتاغ "أين السيلاني" ليحتلّ بدوره مراكز متقدمة على
وسائل التواصل الاجتماعي، ويلقى تضامناً وتفاعلاً كبيراً كما حصل مع هاشتاغ
"أريد سمكتي". السلطة هذه المرة تجنّبت تحميل وزر اختفاء المساعدة
السريلانكية للجيش منفرداً، فتعاون في حمل العبء رئيس الجمهورية، وتذكر فخامته بعد
أسابيع من وصول الشاي السيلاني المقدم من سريلانكا، وبعد الضغط الذي أحدثه السؤال
عن مصير الشاي، تذكر أن يتقدم بالشكر لدولة سريلانكا على ما قدمته، وأن يعلن القصر
الرئاسي بأن الشاي موضوع المساعدة تمّ توزيعه على عائلات العسكريين في لواء الحرس
الجمهوري. لم يفهم اللبنانيون من سمح للقصر الجمهوري التصرف بمساعدة مقدمة للتخفيف
عن المتضررين من تفجير مرفأ بيروت، ولم يفهموا بأي حق يقوم القصر الرئاسي بحرمان
الفقراء المتضررين من تفجير المرفأ من المساعدة السريلانكية على بساطتها، ويقرر من
تلقاء نفسه توزيعها على ضباط يعملون في القصر الجمهوري.
أهمية حملة المطالبة بمعرفة مصير السمك الموريتاني والشاي السيلاني لاترتبط
بقيمة هذه المساعدات وفائدتها، بل بكشفها وفضحها وجه السلطة الجشع الذي لم يملّ من
سرقة ونهب اللبنانيين. فانكشاف الاستيلاء على السمك والشاي هو مؤشر على ما تقوم به
هذه السلطة من استيلاء على كل ما تستطيع ولو كان غير ذي قيمة.
أزمة السلطة مع السمك والشاي أنها مساعدات كان متعذراً عليها إخفاء أثرها
وصادفت مطالبة مغرد بحصته منها، لكنه يكشف جانباً آخر يتعلق باستيلاء هذه السلطة
على كل ما تستطيع، خاصة إذا كان من السهل إخفاء آثاره.