العدد 1560 /26-4-2023
عاد ملف النازحين السوريين إلى
الواجهة من جديد. هو ملف لم يغب يوماً عن تصريحات المسؤولين في لبنان، ولا عن
الحياة اليومية للبنانيين، لكنه اليوم بات يشكل عبئاً ثقيلاً على الجميع بمن فيهم
النازحون السوريون أنفسهم.
عند
أي حديث حول الأزمات التي يسببها التزايد الكبير للاجئين السوريين في لبنان تخرج
على اللبنانيين أصوات تذكّرهم بالفضل والجود والكرم السوري الذي لقيه النازحون
اللبنانيون الذين جرى استقبالهم في سوريا أثناء العدوان الإسرائيلي على لبنان عام
2006. فبمناسبة وبدون مناسبة، يستسيغ كثير من السوريين تذكير اللبنانيين بأنهم بأنهم
فتحوا بيوتهم لإيواء النازحين اللبنانيين الهاربين من العدوان الإسرائيلي الذي
استمر 33 يوماً.
ليسمح
لنا إخوتنا وأهلنا السريون بالتوقف قليلاً لإيضاح بعض الأمور والاتفاق عليها: قبل
ذلك، لايسعنا إلا توجيه جزيل الشكر والامتنان والعرفان بالجميل لأهلنا وإخوتنا
ونور عيوننا السوريون الذين استضافوا نازحين لبنانيين قبل أكثر من 15 عاماً. لكن إلى
جانب الشكر والامتنان لا بد من الإشارة إلى أمور أخرى. أولاً: إن الغالبية الساحقة
من النازحين اللبنانيين الذين تمّت استضافتهم في سوريا خلال العدوان الإسرائيلي عام
2006 هم من البيئة المرتبطة بحزب الله الذي يشارك النظام اليوم في قمع الشعب وقتله
واعتقاله وتهجيره. وبالتالي فإن "تربيح الجميلة" الذي نسمعه كل يوم من
سوريين يجب توجيهه إلى حزب الله ومؤيديه الذين يعيثون اليوم في سوريا فساداً وليس
اللبنانيون الذي يعارضون تدخل حزب الله في سوريا ومساندة نظامه.
الأمر
الآخر، هو أن استقبال النازحين اللبنانيين في سوريا لم يكن بمبادرة فردية أو شعبية،
أو حميّة من أهل النخوة والشهامة من السوريين-رغم عدم الشك بوجودها-، بل كانت
نتيجة التعاون والتنسيق بين النظام السوري -الذي يقتل شعبه اليوم- وبين حزب الله.
وعليه فإن العاطفة الجياشة التي يذكّرنا البعض بها اليوم كانت تنفيذاً لأوامر
النظام، ولو لم يرد النظام السوري استقبال اللبنانيين في سوريا لما تجرأ مواطن
سوري واحد على استضافة أي لبناني. وبالتالي فإن كان لأحد أن "يربّح"
اللبنانيين جميلة استقبالهم خلال العدوان الإسرائيلي فهو النظام الذي يتحكّم بكلّ
صغيرة وكبيرة، وليس لمن نسمع أصواتهم.
الأمر
الثالث وهو الأهم. استقبال سوريا لنازحين لبنانيين لم يدم أكثر من أسابيع قليلة، وحالما
أوقف العدو الإسرائيلي عدوانه، عاد النازحون إلى مناطقهم وبلداتهم وقراهم المدمرة
وأعادوا بناءها واستقروا فيها. ومن الملفت أن كلّ "تربيح الجميلة" الذي
نسمعه يتعلق باستضافة لم تتعد شهرين. في حين أن الأزمة في سوريا تجاوزت عشر سنوات،
ومنذ الأيام الأولى للأزمة مدّ كثير من اللبنانيين أيديهم ترحيباً بالنازحين
السوريين، وخاضوا معارك للدفاع عنهم، ورفضوا تشييد مخيمات لهم، وعاملوهم إخوة لهم
بعدما استقبلوهم في بيوتهم وفتحوا لهم مناطقهم. لكن هذا الواقع مرّ عليه أكثر من
عشر سنوات، تغيّرت خلالها ظروف اللبنانيين، الذين يعانون من انهيار في كل مقوّمات الحياة،
كما تغيرت أيضاً ظروف السوريين النازحين، الذين بات بإمكان الكثير منهم العودة إلى
مدنهم وبلداتهم وقراهم بعدما انتهت الحرب فيها، لاسيما أن الكثير منهم لا مشكلة له
مع النظام، وقد شاهد العالم أجمع مئات آلاف السوريين الذي احتشدوا أمام مبنى
السفارة السورية في بيروت للتصويت لصالح بشار الأسد في الانتخابات الرئاسية
الأخيرة.
خلاصة
ما سبق: استقبال النازحين اللبنانيين عام 2006 كان تنفيذاً لأوامر النظام السوري
وليس عاطفة جياشة من أحد، ومعظم النازحين كانوا من بيئة حزب الله الذي يساند
النظام السوري اليوم، وأزمة النزوح اللبناني إلى سوريا لم تتعد شهرين، في حين أن
أزمة النزوح السوري إلى لبنان تعدت عشر سنوات. فرجاء "خفّوا علينا شوي"،
ولا يستحق الأمر "تربيح جميلة".
أوّاب
إبراهيم