العدد 1679 /3-9-2025

معن البياري

حسناً صنع نقيب الصحافيين المصريين، خالد البلشي، في رميه المبعوث الأميركي إلى سورية ولبنان، توم برّاك، بالوقاحة والجلافة، بعد أن خاطب هذا الرجل بفوقيةٍ، وبلغةٍ مدرسيةٍ مهينةٍ وبالغة الإساءة، صحافيين لبنانيين في القصر الجمهوري في بيروت، كانوا يؤدّون عملهم الطبيعي عندما "أمطروه" (بالتعبير الذائع) بأسئلةٍ عن نتائج مباحثاته. وإذ عَدَّ بيان نقابة محرّري الصحافة اللبنانية فعلتَه أمراً غير مقبول، بل مستنكراً جدّاً، عندما "وصف تصرّف رجال وسيدات الإعلام في القصر الجمهوري بالحيواني"، فإن هذا البيان لزمَه أن يكون أكثر تعييناً في نعت ما تفوّه به برّاك، وإن طالب الأخيرَ ببيان اعتذارٍ علنيٍّ من الجسم الإعلامي، ولوّح بمقاطعة زياراته واجتماعاته، خطوةً أولى إذا لم يفعل. ولسائلٍ أن يستفهم عن عدم سماع رجل الرئيس الأميركي من أيٍّ ممن بلغَهم منه كلامُه الرديء ما يستحقّ أن يسمعَه في باحة القصر الرئاسي. والبيّن أن هذا الشخص ليس في وارد أن يُبادر إلى الاعتذار، فلا تتوطّن لدى المسؤولين الأميركيين هذه الثقافة، بل إنك يحدُث أن تراهم، في عواصم العرب وغير العرب، يشرّقون ويغرّبون، في تصريحاتهم، بخفّةٍ ومن دون أي اكتراثٍ بأي اعتباراتٍ أو لياقاتٍ أو بروتوكولات. وتلك زميلة برّاك، السيدة مورغان أورتاغوس، (مثالاً) تعطي نفسها حقّاً في أن تُحدّث اللبنانيين، أمام الإعلام في بيروت، بعدم وجوب أن يكون حزب الله في حكومتهم (بأي شكل، كما شدّدت القول)، بل وتُشهر امتنانَها لإسرائيل على هزيمتها الحزب عسكرياً.

وبصراحة، قليلاً ما تُصادَف من الصحافيين العرب تلك الأسئلة الواجبة منهم إلى المسؤولين الأميركيين (وغيرهم؟) في المناسبات الإعلامية، ولا نقع منهم على ردودٍ ضروريةٍ على هؤلاء عندما يلزم أن تكون ردود. ومعلومٌ أن الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي (مثالاً)، يُسأل من صحافي فرنسي في باريس عن أحوال حقوق الإنسان في بلاده، ولا تلقاه يسمَع عن شيءٍ كهذا في القاهرة أو أي عاصمةٍ عربية. ولئن وجب التنديد بالذي فعله توم برّاك في بيروت، ولزَم أن يقاطعه عموم الصحافيين العرب في أي بلدٍ يزورُه، فإننا، نحن أهل الإعلام العرب، يحسُن بنا أن نسلك السلوك اللازم مع أمثال هذا الرجل، ومع كل صاحب مسؤوليةٍ ومهمّةٍ يزاول مثل التعالي الاستشراقي الذي اقترفه في بيروت، سيّما وأنه تحدّث عن تحضّرٍ غائبٍ في المنطقة العربية. ويحسُن أن نتّصف بالمهنيّة العالية التي تلزمنا بطرح كل سؤال في موضعه، من دون تلعثُمٍ أو تردّد أمام المسؤول العربي، المطالَب بأن يُجيب ويوضح.

أكثر من مسألةٍ تثيرها زوبعة الموفد الأميركي، بخصوص علاقتنا، نحن أهل الإعلام العرب، بمهنتنا، أولاً، وبالتعاطي مع "النموذج" الذي يجسّده هذا الزائر الدوري لدمشق وبيروت (وعمّان)، ليخوض في الشؤون اللبنانية والسورية بمنطق الوصي. ولا يجد حرجاً في نفسه، وهو يلحّ على المسؤولين اللبنانيين بمطالبه، وعنوانها إنهاء سلاح حزب الله، من دون أن يُبلغهم بأي التزامٍ من إسرائيل بوقف اعتداءاتها اليومية على الأراضي اللبنانية. وفي دمشق، لا يجد حاجةً لمُطالبة نفسه وهو يسترسل عن سورية الموعودة، ومشاركة الجميع في السلطة والإدارة، بقول شيءٍ عن تمادي دولة الاحتلال في غاراتها وضرباتها في أرياف دمشق والقنيطرة وأراضٍ سورية تتّسع لشهوة العدوان. وليس بعيداً عن الصحّة رجحان أن انفعال (وتوتّر؟) الدبلوماسي الأميركي، رفيع المنزلة لدى ترامب، الثلاثاء الماضي في بيروت، يعودان إلى عدم سماعه من مراجع الدولة اللبنانية ما أراد أن يسمع، أي الامتثال المطلق لجداوله الزمنية وترتيباته بشأن حزب الله وسلاحه، من دون أي مقابلٍ إسرائيلي، فتلقّى الزملاء الصحافيون ما فاض منه، وقد توهّم أن ثمّة سطوةً لحضوره الشخصي، مرفوقاً بالموظفة أورتاغوس، التي تقيم على جهل واضح بلبنان وشؤونه وتفاصيله.

إنها فرصةٌ للزملاء في الإعلام اللبناني لأن يصعّدوا رفضهم سلوك المستشرق الأميركي، الزحلاوي المنبت، فلا يتساهلوا بشأن قرارهم مقاطعته. كما أن ما جرى مناسبةٌ لإعادة تفكّرنا، نحن العاملين في الصحافات العربية، في كثيرٍ من شؤون مهنتنا، سيّما على صعيد السؤال والجواب في المؤتمرات والمناسبات الإعلامية...