العدد 1586 /1-11-2023
ريتا الجمّال
تتصاعد حدّة الهجمات الصاروخية والمدفعية
المتبادلة بين "حزب الله" وجيش الاحتلال الإسرائيلي على طول الحدود
اللبنانية الجنوبية مع فلسطين المحتلة، بعد مرور أكثر من 3 أسابيع على بدء
المناوشات النارية التي تزامنت مع عملية "طوفان الأقصى" التي نفّذتها
حركة "حماس" في مستوطنات غلاف قطاع غزة، والرد الإسرائيلي عليها بحرب
جديدة على القطاع، في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي. ويدفع ذلك إلى التساؤل حول مدى
التزام الطرفين، "حزب الله" وجيش الاحتلال، بقواعد الاشتباك التي أرساها
القرار الدولي 1701 الصادر في عام 2006 عن مجلس الأمن الدولي، علماً أن إطلالة
الأمين العام للحزب، حسن نصر الله، بعد غد الجمعة، قد تجيب عن علامات استفهام عدة
في هذا الإطار وتحدد مسار المرحلة المقبلة.
"حزب الله" وإسرائيل... اشتباكات
متصاعدة
وتوسّعت رقعة الاشتباكات بين "حزب الله"
وقوات الاحتلال، منذ بدء حرب غزة، وأخذت منحى تصاعدياً. وارتفع عدد عناصر
"حزب الله" الذين نعاهم جرّاء الاشتباكات والاستهداف لنحو 50، كما سُجّل
استشهاد مدنيين لبنانيين والصحافي المصوّر في وكالة "رويترز" عصام العبد
الله. مقابل ذلك، أعلنت إسرائيل عن مقتل عدد من جنودها، وإصابة آخرين في معرض ردّ
الحزب على الاعتداءات الإسرائيلية.
كذلك، تصاعد القصف الإسرائيلي على نقاط من الحدود
الجنوبية اللبنانية، أبرزها، الضهيرة، كفرشوبا اللبنانية، علما الشعب، عيتا الشعب،
عيترون، يارون، رميش، حولا، ميس الجبل، سهل المجيدية، مركبا، بيت ليف، الماري،
وبلدات حدودية أخرى. واستخدم جيش الاحتلال ضمن عملياته القنابل الفوسفورية، ما
أدّى إلى احتراق مساحات حرجية زراعية واسعة.
ووجّه "حزب الله" ضربات مباشرة للعديد
من المواقع العسكرية الإسرائيلية، والثكنات والدبابات، وقوات المشاة، وتجمعات
للجنود، مستهدفاً تجهيزات فنية وتقنية وكاميرات مراقبة ذات أهمية للعدو، منها
التجهيزات الفنية لموقع رأس الناقورة البحري، وثكنة برانيت وأفيفيم، ومواقع بياض
بليدا، المالكية، مسكاف عام، العبّاد والمرج، رويسات العلم، السماقة، وزبدين. وركز
"حزب الله" على الاستهداف المباشر لكاميرات الرصد والتجهيزات الحربية في
عدد من المواقع.
كما استهدف "حزب الله" مسيّرة إسرائيلية
في منطقة شرق الخيام بصاروخ أرض جو وأعلن عن إصابتها إصابة مباشرة بينما شوهدت
تسقط داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة.
كذلك برز في الأسبوع الأخير، استهداف "قوات
الفجر – الجناح العسكري للجماعة الإسلامية"، لمستوطنة كريات شمونة، وذلك
بصليات صاروخية موجهة ومركزة، مهددة بتوسعة دائرة الرد على كل عدوان على أهالي
الجنوب اللبناني وقطاع غزة.
كما تبنت حركة حماس تنفيذ أكثر من عملية من جنوب
لبنان باتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة، ما جعل الحدود مفتوحة أمام العمليات من
أكثر من فصيل على نحو غير مسبوق منذ عقود.
في موازاة ذلك، تتكثف الاتصالات الخارجية
الدبلوماسية التي يقوم بها رئيس حكومة تصريف الأعمال في لبنان، نجيب ميقاتي، لطلب
وقف الاستفزازات الإسرائيلية التي تحصل على الحدود، كما إجراء الاتصالات محلياً في
محاولة لتجنيب البلاد الدخول في الحرب، معتبراً أن قرار الحرب هو في يد إسرائيل،
وذلك في وقت ترتفع فيه وتيرة الجلسات لبحث خطط الطوارئ لمواجهة أي عدوان، على
الرغم من إعلان المسؤولين أن لبنان لا يحتمل الدخول في أي حرب بظلّ الانهيار
الاقتصادي الذي يعاني منه.
وتبعاً لهذه التطورات، يقول الخبير العسكري،
العميد المتقاعد ناجي ملاعب، لـ"العربي الجديد"، إن "المناوشات
النارية على الحدود اللبنانية الجنوبية مع فلسطين المحتلة بين حزب الله وإسرائيل
لا تزال ضمن قواعد الاشتباك، لكن منذ حوالي أسبوع حتى اليوم، تطوّر الوضع أكثر،
بمعنى أن إسرائيل بدأت توسّع هجماتها لأنها تمتلك في الجو طائرات من دون طيّار
دقيقة الإصابة وهي قتالية، وقد استهدفت السبت الماضي منطقة مفتوحة في جبل صافي، في
إقليم التفاح، في نقطة تبعد 20 كيلومتراً عن الحدود اللبنانية الجنوبية مع فلسطين
المحتلة".
ويضيف ملاعب: "صباح الاثنين الماضي، استهدفت
إسرائيل قرى ضمن قضاء صور، مثل الشعيتية والقليلة بالقصف المدفعي وهي تبعد أقل من
12 كيلومتراً عن الحدود، وبالتالي، رأينا توسيعاً للمدى وغزارة للقذائف من الجانب
الإسرائيلي، في حين جرى قصف كريات شمونة ومنزل فيها من الجانب اللبناني، فكان
الردّ الإسرائيلي بقصف منزل في عيتا الشعب". وبرأيه، فإنه "تبعاً لذلك،
لا يزال الفريقان ضمن الرد والردّ المماثل، الأمر الذي لا يمكن اعتباره تغييراً
لقواعد الاشتباك إنما تفعيلاً أكثر للعمليات في النقاط الحدودية وتوسعة المدى بعض
الشيء".
ويلفت ملاعب إلى أن "هناك تعدداً للأطراف في
لبنان التي توجه ضربات نحو إسرائيل، منها الفصائل الفلسطينية بأجنحتها العسكرية،
التي ردّت بصواريخ باتجاه كريات شمونة، وأبعد مثل مستعمرة ياميت، وهناك كتائب
القسّام، وقوات الفجر الجناح العسكري للجماعة الإسلامية، إضافة إلى سرايا القدس،
كذلك، هناك تطور باستخدام أسلحة أو صواريخ من قبل الجانب اللبناني".
كما يشير ملاعب إلى أنه "عندما قصف حزب الله
المراصد العسكرية والكاميرات وأماكن الرصد والثكنات والآليات الإسرائيلية التي
تتحرك أمامه إلى جانب تجمّعات الجنود، استبدلت إسرائيل هذه المراصد بطائرات
مسيّرة، ويبدو أن من ضمن التعزيزات الأميركية، هناك أقمار اصطناعية جديدة استُحضرت
إلى شمال إسرائيل، بالتالي، هي من تحرك وتستفيد منها الطائرات المسيّرة لرصد
التحركات في الجبهة اللبنانية، مع الإشارة إلى أن هذا الدخول ليس جديداً لكنه أصبح
أكثر كثافة بوجود المسيّرات وطائرات "أم كا"، وهو ما يعيق حزب الله بعض
الشيء".
ويرى الخبير العسكري اللبناني أن "حزب الله
لم يدخل المعركة بل هو مستنفر وموجود ويطلق الصواريخ على الأماكن العسكرية
الإسرائيلية كنوعٍ من الردّ، وقد أطلق صاروخاً باتجاه مسيّرة إسرائيلية سقطت في
الأراضي المحتلة، لكنه لن يستخدم أسلحة جديدة استراتيجية له ما لم يكن هناك تدخل
أكبر، وبالتالي لن يكشف عن مستوى صواريخه وأسلحته الدفاعية والهجومية، طالما أن
الموضوع لا يزال يقتصر على التراشق المدفعي والصاروخي إلا إذا اضطرّ للدفاع أمام
أي هجوم إسرائيلي". كما يشير ملاعب إلى أن "حزب الله وجّه ضربات لجدار
عليه كاميرات مراقبة هو بمثابة خرسانة مسلحة للإسرائيلي عمّره على طول الجبهة في
مناطق معينة لمنع التسلل إلا عبر مراكز مراقبة من قبل العدو".
وبحسب ملاعب، فإن "إسرائيل تتابع بواسطة
طيرانها المسيّر كل التحركات ضمن عمق الخمسة كيلومترات على طول الشريط الحدودي من
الناقورة إلى مزارع شبعا، وفي هذه النقطة لا يوجد مدنيون، من هنا تعتقد إسرائيل أن
كل من يتحرك فيها هو تابع لحزب الله حتى لو بآليات مدنية، فتقوم بضربه، وإن كان
تجمعاً لحزب الله فسيكون بالتالي مستهدفاً"، مشيراً إلى أن في هذه القرى لا
توجد ثكنات عسكرية أو مواقع عسكرية لحزب الله، الذي يملك أسلحة وصواريخ يتنقل بها
من مكان إلى آخر، تقوم بالقصف لناحية إسرائيل".
في المقابل، يقول الباحث الاستراتيجي الدكتور علي
حمية، لـ"العربي الجديد"، "إننا في صراعٍ مفتوحٍ مع العدو
الإسرائيلي، صعوداً وهبوطاً، لكن الموضوع اختلف منذ 3 أسابيع حتى اليوم، إذ أصبحنا
أمام قواعد قتال قابلة للتوسّع لأن تكون حرباً"، مشيراً إلى أن الحرب
"تكون على مراحل، ونحن اليوم نعيش حالة حرب وليست حرباً بالمعنى الفعلي، وهنا
لا يمكن إغفال سقوط ما يزيد عن 50 شهيداً لدى الحزب، وأكثر من 25 قتيلاً
إسرائيلياً وما يزيد عن 65 جريحاً وفق الأرقام الإسرائيلية التي لا نعترف بدقتها،
عدا عن الدبابات وعربات القتال والمراكز العسكرية وغيرها من الكتائب التي تم ضربها
ونسفها".
ويعتبر حمية أن "الموضوع العسكري يتوسّع في
جنوب لبنان، وبدأ لرفع الثقل عن غزة، إذ حصلت مناوشات كي لا يصبّ جيش الاحتلال
غضبه كلّه على غزة، ولاحظنا كيف أن الإسرائيلي حرّك قواته الفعلية كلها باتجاه
الجبهة الشمالية، إذ أخرج 3 فرق، كل فرقة منها مؤلفة من 3 ألوية، أي 9 ألوية،
إضافة إلى نصف فيلق وضعه على الجبهة مع الجولان المحتل، كما أخلى مستوطنات في شمال
فلسطين، لذلك يمكن القول إننا نعيش حالة حرب والاستعدادات أصبحت كاملة".
ويشير حمية إلى أن "حزب الله يركز على ما
يعرف بجدار الاتصالات أو الجدار الذكي، إذ اصطاد ما يفوق الستين في المائة من
أبراج الرصد، وكاميرات المراقبة وتلك الحرارية والتلفزيونية والمكثفة للضوء وغيرها
من الأجهزة التقنية والفنية". ويلفت إلى أن "هذه كلّها تم تدميرها وكانت
تعمل على الرصد والاستطلاع والتقصّي والتجسّس، وذلك من شأنه أن يعطيه راحة في حال
حصول حرب، من هنا استعان الإسرائيلي بالأقمار الاصطناعية الأميركية والأوروبية،
ومسيّرات للاستعاضة عن الجدار والأجهزة التي دمرت، علماً أن هناك محاولة من جانب
الحزب أيضاً لضرب كل ما هو متصل بمراكز الاستشعار الأرضية التي تكتشف عمليات
الأنفاق".
وبرأي حمية كذلك، "من اللافت أن العدو يستخدم
قنابل مضيئة بالنهار وفقط لإحداث حرائق وفي أماكن معينة يستخدم الفوسفور الأبيض في
الجنوب اللبناني، وهذا ما يظهر أنه في حالة ضياع وعدم تركيز أو خلل عسكري
وعشوائية، حتى أنه يضرب أحياناً قنابل قريبة من جيشه، وفي ساعات النهار، وهذا قد
يدل أيضاً على أنه يريد إبقاء المعركة ضمن هذه الحدود".
كذلك يلفت حمية إلى أن "الأسلحة نفسها تستخدم
من طائرات مسيّرة أو مدفعية وصواريخ كورنيت وغيرها، وقد بدأ الإسرائيلي بتطوير
القبة الحديدية لكنه لم يستعمل تلك المحدثة بعد لعدم انتهائه منها، واللافت للنظر
قيام حزب الله باستهداف مسيّرة للعدو حاولت دخول الأراضي اللبنانية عبر إطلاق
صاروخ عليها، ما يعني أن الدفاعات الجوية التي يظهرها الحزب لم يظهر مثلها سابقاً
على صعيد السلاح الجوي الدفاعي القادر على ضرب هدف على بعد 40 كيلومتراً".
ويعتبر في المقابل، أن "الأسلحة الاستراتيجية، من أجهزة إنذار مبكر وتشويش
واختراق أمني سيبراني وغيره، قد لا تستخدم الآن في حالة التحمية للحرب بل في
مراحلها".