العدد 1622 /24-7-2024
حسان قطب

بقلم مدير المركز اللبناني للابحاث والاستشارات..حسان القطب..

التعريف الذي قدمه قادة الكيان الاسرائيلي لمختلف شعوب دول العالم عقب الاعلان عن الكيان عام 1948، هو ان اسرائيل دولة ديموقراطية، تعددية، علمانية، تحترم القيم والمباديء الانسانية، وانخرطت من خلال حزب العمل في مجموعة الاشتراكية الدولية..لتأكيد علمانيتها وانها دولة غير دينية.. رغم ان مبرر قيامها هو ديني بامتياز.. والتفسيرالذي تم تقديمه للعالم باسره حول مبرر الاعلان عن قيام هذا الكيان، هو ان اليهود في العالم كانوا عرضة لظلم كبير واضطهاد تاريخي، في دول اوروبا وغيرها من دول العالم وبرز هذا الاضطهاد بوضوح من خلال الممارسات النازية الهتلرية بحق الشعب اليهودي.. فهذا الكيان هو تعويض دولي واوروبي بشكلٍ خاص عن كافة المآسي التي تعرض لها اليهود من قبل الشعوب الاوروبية..

فادعاء المظلومية كان عنوان قيام دولة اسرائيل..وبالتالي، كانت نظرة معظم الشعوب غير معنية بمعاناة الشعب الفلسطيني وطرده من ارضه، واغتصاب ارضه وممتلكاته واجباره على النزوح واللجوء والعيش في مخيمات.. الشعوب هذه كانت ترى ان من حق اسرائيل في انشاء دولة تمسح اخطاء الماضي، ولو على حساب آخرين... وضياع المفاهيم بين ان مأساة التهجير واللجوء تخص الشعب الفلسطيني حصراً او الامة العربية بشكل عام، او الامة الاسلامية بشكلٍ اعم.. ادى الى خللٍ كبير في طريقة التعاطي مع هذه المأساة الانسانية التاريخية التي صنعها الاستعمار واعتنى بها من اكثر من قرن..

تجاوز العالم او معظمه عن الارتكابات الاسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني والشعوب العربية في الدول المجاورة .. لبنان وسوريا والاردن ومصر.. وغيرها.. وعتبراً ان حق اسرائيل في الدفاع عن النفس يعطيها صلاحية التصرف وفق ما تراه مناسباً دون ضوابط او حتى احترام للقوانين الانسانية ومفاهيم حقوق الانسان والعدالة الدولية.. واعتبر المجتمع الدولي.. ان منظمة الاونروا من خلال المساعدات والرعاية التي تقدمها لللاجئين الفلسطينيين حل مناسب بل وكافي ايضاً.. والهيمنة على الوسائل الاعلامية والمحافل السياسية الدولية والمؤسسات والتنظيمات الدولية من قبل اسرائيل وحلفائها وخاصة الولايات المتحدة.. ساهم كثيرا في حماية هذا الكيان واخفاء ارتكاباته بل تجاهلها في معظم الاحيان..

اليوم الامور تبدو مختلفة.. التضحيات الفلسطينية غير مسبوقة.. والاعلام العفوي هو الذي يقدم لنا الصورة والفيديو والمعلومة دون اعادة انتاج او ترتيب او تغيير وتبديل.. والصحافي غير المحترف هو كل مواطن فلسطيني قدم لنا وللعالم هذه الصور والمشاهد الحقيقية لحجم المعانة التي يعيشها الشعب الفلسطيني كما الاضاءة على حجم الوحشية الاسرائيلية التي لا تحترم انساناً او قانوناً او تلتزم بمواثيق وعهود..وهنا نتوقف عند:

مشهد الاطفال والنساء والشيوخ من الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية وهو يسقطون شهداء نتيجة الحرب الاسرائيلية غير المعلنة على هذا الشعب المظلوم..

صور التدمير المنهجي للمؤسسات التربوية والصحية والبنية التحتية في مختلف قطاع غزة كما الضفة الغربية

الاعتفالات العشوائية والتعذيب الرسمي على يد الجيش الاسرائيلي لابناء الشعب الفلسطيني

التوقيف دون محاكمات ولمدة طويلة دون مبرر او محاكمة

القتل المتواصل بواسطة الاسلحة التدميرية العالية القدرة دون سابق انذار او المطالبة باخلاء منازل او مجمعات سكنية

استهداف الصحافيين والمؤسسات الاعلامية

اغلاق المعابر الحدودية ومنع مرور المواد الغذائية وكافة المساعدات الانسانية وخاصة الطبية

العمل على تجويع سكان القطاع وحصار الضفة الغربية واحراق المحاصيل الزراعية وتدمير المنازل

تسليح الصهاينة المستعمرين والسماح لهم باطلاق النار والقتل دون محاسبة

اعتراض المستعمرين لشاحنات المساعدات بحماية الشرطة ومنع وصولها لمن هم بحاجة ماسة لها..

المطالبة شبه الرسسمية من قبل وزراء ومسؤولين اسرائيليين بتهجير سكان قطاع غزة الى مصر او افريقيا او اي مكان آخر

المطالبة باحتلال اراضٍ في غزة وبناء مستعمرات صهيونية بديلة كما يجري في قطاع غزة تماماً..

الخلاصة

كل هذا ادى تغير حقيقي في مزاج الجمهور الغربي وباقي الدول التي تحظى باعلام حر.. لذلك شاهدنا المظاهرات والمسيرات والاعتصامات والمطالبة بقطع العلاقات مع هذا الكيان وسحب السفراء ومنع بيع الاسلحة والذخيرة لهذا الكيان..

كما تحركت المحكمة الجنائية الدولية ولو بخجل تحت ضغط المشاهد المروعة والصور الصادمة، وبطلب من دولة جنوب افريقيا التي تعرف معنى التمييز العنصري والتعذيب والقتل والاعتقال على اساس العرق.. وما يجري في اسرائيل مشابه تماماً انما على اسس دينية وثقافة حاقدة تقوم على احتقار الآخر كل الآخرين دون استثناء الا من هو من اصل يهودي..

هذا الواقع الجديد وغير المسبوق كانت كلفته عالية جداً آلاف من الشهداء وأكثر من مئة الف من الجرحى والمفقودين ما يوازي عشرة بالمئة من سكان قطاع غزة.. ونتيجة تضحيات قام بها كل من تحمل الجرح والالم والخسارة ويبقى ناشطاً بهاتفه او بكاميرته ليرى العالم الصورة الحقيقية لهذا الكيان..

هذا الكيان اليوم تغيرت صورته ... لم يعد كيان يستقبل المظلومين والمضطهدين من اليهود..

هذا الكيان اليوم بمسؤولية الدينيين والسياسيين وجيشه وقادته.. يمثل مشهد ومفهوم الظلم في اقسى صوره الذي يمارسه بحق الشعب الفلسطيني وهذا ما شاهده العالم.. وهذه الصورة يجب ان نعمل جميعاً على ان تبقى راسخة في اذهان شعوب كل الدول.. وخاصة الشباب منهم.. لان شباب اليوم وخاصة الجامعيين منهم هم قادة المستقبل في الولايات المتحدة كما في اوروبا وغيرها من الدول والتي لم نكن نتصور يوماً انه قد تغير نظرتها او ترى الامور بوضوح اكبر..

المستقبل للامة العربية والقضية الفلسطينية قضية امة وقضية حق وسوف تنتصر..