العدد 1631 /25-9-2024
صلاح الدين
الجورشي
الحرب سجال
"يوم لنا ويوم علينا"؛ هذا ما ردده أبو سفيان مخاطبا الرسول صلى الله
عليه وسلم. وما حدث خلال الأيام الأخيرة يعكس ذلك بوضوح، فالضربات الموجعة التي
تلقاها حزب الله، بدأ من عمليتي تلغيم هواتف الاتصال، وصولا إلى اغتيال عدد من
قادته، تعد انتصارا مؤقتا لحكومة نتنياهو، رغم أن تل أبيب لم تتمتع طويلا بطعم هذا
الانتصار، بسبب الهجوم الصاروخي الذي تعرضت له مناطق الشمال والذي شمل لأول مرة
مدينة حيفا. وهو ما رأى فيها المراقبون دليلا على أن حزب الله لم يفقد القدرة على
المبادرة، ولا يزال يشكل تهديدا جديا للأمن القومي الاسرائيلي رغم حالة الارتباك
التي أصابته خلال الأيام الماضية.
هناك عوامل
عديدة شجعت إسرائيل على محاولة تحييد الجبهة الشمالية من خلال السعي لتحجيم القوة
العسكرية لحزب الله باستعمال كل الوسائل، ومن بين هذه العوامل القرار الإيراني
بعدم الرد على اغتيال إسماعيل هنية في طهران. فهذا القرار شجع الإسرائيليين على
استهداف حزب الله ومحاولة الانفراد به وإضعافه، من خلال استعمال مخابراتها
المغروسة داخل لبنان وخارجه. ويمكنها عامل ثان يفسر ما حدث هو رغبة جميع العواصم
في عدم توسيع دائرة الحرب، بما في ذلك القيادة الروحية والسياسية الإيرانية. هذا
الفيتو الجماعي يضغط بقوة على حزب الله، ويحد من حركته، ويعطي فرصة لحكومة نتنياهو
لإجبار الحزب على التخلي عن سياسة الإسناد التي يقدمها للمقاومة الفلسطينية. لكن
نتيجة الضربات القاسية التي تلقاها مؤخرا، جعلت حسن نصر الله أكثر إصرارا على رد
الفعل بشكل أقوىفي هذا السياق الاعتماد مرة أخرى على حليفتها الولايات المتحدة
التي تعتبر حزب الله "جماعة إرهابية"، لهذا السبب تم اتخاذ القرار ونفذ
على عجل، مما أثار دهشة الجميع وكاد أن يخلط الأوراق، وجعل البعض وفي مقدمتهم
نتنياهو يعتقدون بأن الحزب سيستوعب الدرس، وينكمش عسكريا ويتحول فقط إلى تنظيم
سياسي يتحرك داخل الدائرة اللبنانية.
هناك عامل ثان
يفسر ما حدث هو رغبة جميع العواصم في عدم توسيع دائرة الحرب، بما في ذلك القيادة
الروحية والسياسية الإيرانية. هذا الفيتو الجماعي يضغط بقوة على حزب الله، ويحد من
حركته، ويعطي فرصة لحكومة نتنياهو لإجبار الحزب على التخلي عن سياسة الإسناد التي
يقدمها للمقاومة الفلسطينية. لكن نتيجة الضربات القاسية التي تلقاها مؤخرا، جعلت
حسن نصر الله أكثر إصرارا على رد الفعل بشكل أقوى، واضعا شرطا وحيدا وعلنيا لوقف
الحرب هو إنهاء العدوان على غزة. وهي لعبة معقدة ودقيقة من شأنها أن تجعل الحرب
مستمرة دون أن تتوسع وتتحول إلى حرب إقليمية.
هكذا تستمر
سياسة عض الأصابع بين مختلف الأطراف الشريكة في المشهد الحربي الدائر حاليا. ولا
شك في أن الجميع ينتظرون النتيجة التي ستسفر عنها الانتخابات الأمريكية التي ستشهد
تغيير القيادة والإدارة، فإذا ما صمدت المقاومة، واستمرت على جميع الجبهات، وتمكن
الديمقراطيون من الاحتفاظ بالبيت الأبيض وتمكنت كامالا هاريس من هزيمة ترامب، فإن
ذلك من شأنه أن يشكل معطى هاما في المعادلة الدولية والإقليمية. صحيح السياسة
الأمريكية لن تشهد تغييرا جوهريا تجاه فلسطين والشرق الأوسط، لكن الإدارة الجديدة
مضطرة لإجراء بعض التعديلات، والأخذ بعين الاعتبار تضاريس المشهد الذي خلفته حرب
استمرت حتى الآن سنة كاملة دون توقف.
بناء على ما
سبق، يعتبر الصمود هو شعار المرحلة، ولكي يتحقق ذلك يجب أن تستمر المقاومة إلى
النهاية، وذلك رغم كثرة خسائرها واتساع دائرة شهدائها. وهو السيناريو الذي يحاول
نتنياهو إفشاله بكل الوسائل والطرق، فهو يعمل على الوصول إلى مشهد تكون فيها غزة
ركاما من الحجارة المبعثرة، وخالية تماما من مقاتليها ونخبها، عندها يعلن انتصاره
السياسي، ويعتبر نفسه "بطلا قوميا" لليهود.
لكن رغم ضخامة
الدوي الذي أحدثه الموساد بعد نجاحها في طهران وجنوب لبنان خلال الشهرين الأخيرين،
لا تزال صفة مجرم حرب تلاحق رئيس الحكومة الإسرائيلية، ولا يزال الاضطراب
والانقسام يخيمان داخل الكيان الصهيوني، ولا يزال جانب هام من الإسرائيليين يعيشون
بعيدا عن بيوتهم ويهرعون من حين إلى آخر نحو الملاجئ بحثا عن مكان آمن.
المعركة
مستمرة، والحرب مفتوحة على أكثر من سيناريو، والراية لم تسقط رغم الدسائس
والمناورات، والذين فرحوا بما حدث وعبّروا عن شماتة عليهم أن يصبروا قليلا حتى
يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود.