العدد 1651 /12-2-2025
شهدت الفترة الأخيرة العديد من الاستحقاقات
المحلية والعربية والدولية غير العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وجنوب لبنان،
ورافقت هذه الاستحقاقات "سابقات" على المستويين المحلي والدولي.
على المستوى المحلي شهدت بداية العام 2025
انتخاب رئيس جديد للجمهورية بعد فترة شغور في منصب الرئاسة امتدّ لقرابة عامين
وبضعة أشهر؛ كما جرى تشكيل حكومة جديدة اختلفت عن الحكومات السابقة لناحية الآليات
والمضمون، وهو ما وجد فيه البعض فرصة للبنان لبداية الخروج من الأزمة، فيما رأى
فيه البعض الآخر امتداداً للفترات السابقة على مستوى المنهج والسياسات والسياقات.
غير أنّ الشيء المهمّ أنّ آلية تشكيل الحكومة
هذه المرّة اعتمدت سابقة لم تكن من قبل، وهي سابقة سلبية أكثر منها إيجابية؛ فرئيس
الحكومة الذي تعهّد بتشكيل حكومة من أصحاب الاختصاص والكفاءة السياسية وخارج إطار
المحاصصة الحزبية وبعيداً عن أيّ اعتبار آخر، كما تعهّد باعتماد المداورة في
الوزارات حتى لا تكون أيّة وزارة حكراً على أيّ مكوّن طائفي أو مذهبي، وقع في غير
ما تعهّد به، فالحكومة فيها أصحاب اختصاص وكفاءة، ولكنّ على المستوى السياسي تعكس
رغبة القوى السياسية والحزبية، في حين أنّ العديد من وزرائها لم يُؤثر عنهم أنّهم
مارسوا عملاً سياساً في يوم من الأيام؛ كما خضع رئيس الحكومة لمنطق المحاصصة في
توزيع المقاعد الوزارية بين القوى السياسية والحزبية ونسف معيار توزيع المقاعد بين
الكتل النيابية، فنجد أنّ كتلاً نيابية تمثّلت بعدد من الوزراء، بينما لم تتمثّل كتل
نيابية أخرى بأي مقعد وزاري، في وقت لم يكن هناك معيار واحد لتوزيع الوزراء على
الكتل النيابية؛ ثم تعهّد الرئيس بالمداورة وعمل عكس ذلك حيث ثبّت توزيع الوزارات
كما لو أنّه تكريس لهذا التثبيت.
الأنكى من كلّ ذلك هو أنّ رئيس الحكومة اعتمد
سابقة لم تكن من قبل، فقد احتكر المقاعد الوزارية المخصّصة للسُنّة في الحكومة،
ولم يعطِ أيّ مقاعد وزاري لأيّة كتلة نيابية سُنيّة، حتى أنّ بعض هذه الكتل
والنوّاب السُنّة ممّن سمّى رئيس الحكومة لهذا المنصب، جاهر بعدم منح الحكومة
الثقّة حتى قبل أن تعلن الحكومة بيانها الوزاري.
السابقة الأخرى هو توزير شخصية في موقع
يُفترض أن يمثّل المكوّن السُنّي في الحكومة في وقت يدور جدل كبير حول انتماء هذه
الشخصية للمكوّن السُنّي على أقل تقدير، حيث يؤكّد البعض أنّ هذه الشخصية تحوّلت
إلى مكوّن آخر، فيما يقول البعض إنّ هذه الشخصية ما زالت على مكوّنها وإن كانت
تزوّجت من مكوّن آخر. وهي سابقة خطيرة في نظام سياسي يقوم على التوازن بين مكوّنات
البلد، وحتى لا تُفهم الأمور على غير حقيقتها فإنّ السُنّة في لبنان كانوا وما
زالوا مع إلغاء الطائفية السياسية التي جاءت في وثيقة اتفاق الطائف.
على المستوى الدولي سجّل الرئيس الأمريكي
الجديد دونالد ترامب سابقة غير معهودة أيضاً، فقد أعلن أنّه يريد أن يسيطر على
قطاع غزة، أو يريد أن يتملّكه، بموافقة أهله وأصحابه أو من دون موافقتهم، ثم يريد
أن يهجّر أهل القطاع إلى سيناء والأردن وبلدان أخرى حتى يعيشوا بهدوء وسلام
وطمأنينة بعيداً عن رضا وقبول أهل غزة أو عدم قبولهم، وهذا شيء عجيب من ترامب
وسابقة خطيرة تُضاف إلى سابقاته في قرار ضم قناة "بناما" وتغيير اسم
خليج المكسيك إلى خليج أميركا، والإعلان عن العمل لضمّ كندا لتكون الولاية
الأمريكية 51.
عجيب غريب هذا الأمر وأميركا تقف اليوم في
قيادة العالم، تكريس سابقات بحيث أنّ من لا يملك يعطي لمن لا يستحق، ويخلط كلّ
الأوراق والحقوق تحت عناوين جذّابة وبريئة وإنسانية في حين أنّها في جوهرها تعكس
سياسة الهيمنة والسيطرة والنفوذ والإقصاء وسلب الشعوب خيراتها ومواردها والإبقاء
على سياسة التفرّد والسلب بالقوة.
لا يمكن للعالم أن يعيش أو حتى يتعايش مع هذه
السابقات، لا على المستوى العالمي ولا على المستوى المحلي، وبالتالي فإنّ هذه
السابقات تزيد التوتر والمخاطر ولا تؤدّي إلى الاستقرار والعدالة وبالتالي فإنّ
العالم والمجتمعات قد تكون مقبلة على مزيد من الهشاشة والتوترات.
د. وائل نجم