العدد 1653 /26-2-2025
وسام حجار

على مدى عشرين عامًا، عانى لبنان من سلسلة من الأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي شكّلت واقعًا معقدًا ومليئًا بالتحديات. فمنذ تشييع رفيق الحريري عام 2005، الذي مثل نقطة تحول تاريخية وأشعل فتيل مطالب التغيير في النظام السياسي، وحتى تشييع نصرالله في عام 2025، عاش اللبنانيون حقبة من الحزن والألم تجسدت في صراعات داخلية وتدخلات خارجية تركت أثرها العميق في الذاكرة الجماعية.

التحول بعد تشييع الحريري

كان اغتيال الحريري بمثابة الصدمة التي قلبت موازين السياسة اللبنانية؛ إذ لم يكن مجرد فقدان شخصية سياسية بارزة، بل رمزًا لنهاية حقبة السيطرة الخارجية وبداية مرحلة جديدة اتسمت بالثورات الشعبية والمطالبة بالكرامة والاستقلال. وسرعان ما أدت هذه الفاجعة إلى انسحاب القوات السورية بعد عقود من التواجد، غير أن الفراغ الذي خلفه الحريري فتح المجال لتفجر النزاعات الطائفية والانقسامات السياسية التي ظلت تؤرق البلاد.

آثار الحروب والصراعات الإقليمية

لم يكن الألم محصورًا داخل حدود لبنان، إذ لعبت الأحداث الإقليمية دورًا كبيرًا في تفاقم الوضع. فقد خلفت الحرب الإسرائيلية عام 2006 واشتباكات الحدود خسائر بشرية ومادية جسيمة، وأسهمت في تعميق الانقسامات الطائفية. كما حوّلت الثورة السورية لبنان إلى ملجأ كبير للاجئين السوريين الفارين من بطش النظام ، مما زاد من الضغوط الاجتماعية والاقتصادية وأضاف تحديات جديدة إلى البنية التحتية الضعيفة للبلاد.

أزمة اقتصادية واجتماعية عميقة

على مدار السنوات الماضية، واجه لبنان أزمة اقتصادية غير مسبوقة تميزت بانخفاض قيمة العملة وارتفاع معدلات البطالة والفقر، إلى جانب تفشي الفساد الحكومي. هذه المعطيات أدت إلى تفشي شعور بالإحباط والظلم بين المواطنين، ما أثر سلبًا على ثقتهم بالمؤسسات السياسية وقدرة الدولة على توفير الخدمات الأساسية. وفي ظل الركود الاقتصادي والتوتر الاجتماعي، تحولت الشوارع إلى مسرح لاحتجاجات تطالب بتغيير حقيقي.

تحولات مؤلمة ومآسي متلاحقة

لم تمر السنوات الأخيرة مرور الكرام، إذ بلغت حدة الأزمات مع كارثة مرفأ بيروت عام 2020، التي كشفت عن حجم الفساد وسوء الإدارة في النظام. وفي خضم هذه التراكمات، شهد لبنان حربًا إسرائيلية همجية أحدثت دمارًا واسع النطاق، وأسفرت عن مقتل الأمين العام التاريخي لحزب الله، إضافة إلى خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات وتشريد الآلاف من أبناء الجنوب. هذه الحرب لم تقتصر آثارها على الجانب العسكري فحسب، بل أدت أيضًا إلى تقويض القدرة الاستراتيجية للحزب وحصار عسكري ومالي بإيعاز مباشر من قوى إقليمية كبرى.

تشييع نصرالله: فصل جديد أم استمرار للوضع الراهن؟

تشييع نصرالله في عام 2025 يمثل فصلًا آخر في مسيرة أزمات لبنان، إذ لم يكن مجرد وداع لزعيم سياسي وديني، بل جاء ليمثل نهاية حقبة شهدت تغييرات جذرية في الهيكل السياسي وتحولات في التحالفات الإقليمية. فبينما رآها البعض فرصة لبداية إصلاح شاملة، اعتبرها آخرون استمرارًا لنفس النهج ومبايعة لقيادة الحزب الجديدة.

خاتمة: أمل في غدٍ مشرق

على مدار عشرين عاماً، عاش لبنان أياماً سوداءً من الألم والحزن، وواجه تحديات تجاوزت حدود السياسة لتطال النسيج الاجتماعي والاقتصادي. ورغم الظروف القاسية والتحديات المتراكمة، يظل الشعب اللبناني رمزاً للصمود والإصرار على إعادة بناء وطنه. قد يكون المستقبل غامضاً، لكن مع انتخاب الرئيس الجديد للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة يراهن الكثيرين عليها في إصلاح المنظومة السياسية ،الاقتصادية والقضائية، يبقى الأمل قائماً في أن ينهض لبنان من بين الرماد ويبدأ فصلًا جديدًا يحمل وعداً بالسلام والاستقرار.