العدد 1429 / 23-9-2020
قاسم قصير
تعيش الساحة المسيحية
في لبنان حالة من الغليان والتحدي والقلق في ظل التطورات الداخلية والخارجية
الصعبة ، وقد ادى ذلك الى اطلاق نقاشات مصيرية بين البيئات المسيحية المتنوعة حول مستقبل
المسيحيين في لبنان ودورهم في المرحلة المقبلة وعلاقاتهم مع بقية القوى والمكونات
اللبنانية السياسية والحزبية والطائفية.
فماهي ابرز الطروحات
التي تناقش في البيئات المسيحية ؟ والى اين تتجه الاوضاع في المرحلة المقبلة في ظل
ازدياد المخاطر والمخاوف داخليا وخارجيا؟
ابرز الطروحات المسيحية
من ابرز الطروحات
الجديدة – القديمة في البيئة المسيحية ما يدعو اليه البطريرك بشارة الراعي من الدعوة
للحياد الايجابي او الناشط ورفض اي حوار حول مستقبل لبنان في ظل السلاح ورفضه
تخصيص اي طائفة بحقيبة وزارية محددة ، وقد اصبح الراعي حاليا الصوت الاكثر وضوحا
وتحديا في التعبير عن الهواجس المسيحية والمخاوف من الاوضاع المستقبلية.
واما رئيس الجمهورية العماد
ميشال عون و التيار الوطني الحر فقد تبنيا مؤخرا الدولة المدنية وصولا الى الدولة
العلمانية الشاملة ، وابدى عون تخوفه من
مصير البلد عندما قال مؤخرا : اذا لم تتشكل الحكومة فنحن ذاهبون الى جهنم ، ويعيش
عون والتيار الوطني حالة من الحصار والتراجع في الساحة المسيحية ويتعرضان الى ضغوط
قوية خارجية مما ادى الى تمايزهم عن حليفهم حزب الله والسعي لبلورة خطاب مسيحي
جديد في مواجهة مختلف التحديات.
أما رئيس القوات اللبنانية الدكتور سميرجعجع ورئيس
حزب الكتائب سامي الجميل فقد تبنيا الدعوة الى اللامركزية الموسعة كرد على
الطروحات لعقد مؤتمر وطني وطرح ميثاق او عقد سياسي جديد ، وتنشط القوات اللبنانية
في تعزيز دورها الشعبي والسياسي والتنظيمي وقد برزت مؤخرا بعض التشكيلات شبه
النظامية في عروض كشفية او شبابية لدى عناصر القوات مما وجّه رسائل خطيرة للرأي
العام اللبناني، في حين ان رئيس حزب الكتائب يحاول انتهاج سياسات جديدة لاعادة
تفعيل دور الحزب شعبيا والانفتاح على مؤسسات المتجمع المدني والقوى الشعبية
الجديدة.
كما انتشرت الدعوات
الى الفيدرالية والهجرة والتقسيم في بعض البيئات المسيحية الفكرية والشعبية ،
وبدأت تنتشرالدراسات و المقالات والاراء التي تدعو الى اعتماد التقسيم بين
اللبنانيين كخيار افضل لمعالجة مختلف المشكلات ، كما تبنت ذلك احدى الدراسات
الهامة في مجلة فورين بوليسي الاميركية مما يشكل اشارة خطيرة للواقع المسيحي
اليوم.
بين
الحوار وافاق المستقبل
لكن هل هذه الخيارات
والنقاشات السائدة في الساحة المسيحية ستؤدي الى اوضاع صعبة في المرحلة المقبلة،
ام ان هناك امكانية للعودة الى طاولة الحوار واعادة ترتيب الوضع اللبناني على اساس
اتفاق الطائف والعمل من اجل تطوير النظام السياسي الحالي؟
مصادر مطلعة على
الاجواء المسيحية المتنوعة تؤكد : ان هذه النقاشات والحوارات والمواقف الصادرة عن
مختلف القيادات والاحزاب المسيحية تشير الى خطورة الاوضاع في لبنان في هذه المرحلة
، وانه لم يعد بالامكان ان تستمر الامور على ما هي عليه في ظل الاوضاع الاقتصادية
والمعيشية والامنية والاجتماعية الصعبة. وبعض هذه الاوساط المسيحية تحمّل حزب الله
المسؤولية الاساسية عما وصلنا اليه ، في حين ان اوساطا اخرى تعتبر ان ما يعانيه
لبنان هو حصيلة تطورات سياسية واقتصادية عانى منها لبنان طيلة الثلاثين سنة
الماضية وان النظام اللبناني وصل الى الحائط المسدود وهذا يستدعي نقاشا وحوارا
وطنيا شاملا لبحث كل الملفات الساخنة والعمل لانقاذ البلد قبل الانهيار الشامل
والكامل.
في مواجهة هذه الطروحات
والنقاشات الحادة والحامية في البيئات المسيحية، تنشط بعض القيادات اللبنانية
والمؤسسات الفكرية والحوارية لاطلاق حوار لبناني شامل بين جميع الاطراف اللبنانية
، وتوضح هذه القيادات : ان الازمة الحالية ليست ازمة مسيحية ولا تخص المسيحيين فقط
بل هي ازمة لبنانية ووطنية شاملة وهي تطال جميع اللبنانيين وليس طرفا دون اخر ،
ولذا فان المطلوب ليس تبني بعض الخيارات القاتلة وغير الواقعية كالتقسيم
والفيدرالية ، بل المطلوب اجراء حوار وطني شامل يشمل كل القضايا والملفات الساخة ،
وان الجميع معنيون في البحث عن افاق المستقبل .
واضافة الى كل هذه
الاجواء القلقة والخطيرة التي يعيشها المسيحيون خاصة واللبنانيون عامة ، فان تأخير
تشكيل الحكومة وعدم الوصول الى اتفاق سريع للازمة الحكومية يهدد بأن البلد ذاهب
الى الانهيار ولن يبقى هناك اي مجال للحوار او للبحث عن مستقبل البلد ، وسنذهب جميعا
الى جهنم كما قال رئيس الجمهورية العماد ميشال عون.
قاسم قصير