العدد 1519 /6-7-2022
يبدو ان صيف لبنان سيكون
ساخنا على كل المستويات ، حيث تتوالى الازمات يوميا دون بروز اي امل بايجاد حل
لازمة من الازمات التي تعصف بلبنان واللبنانيين.
فقد تحولت مهمة تشكيل
الحكومة الجديدة برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي من فرصة لتجاوز وحل لبعض الازمات التي
تعصف بلبنان وخصوصا الازمة الاقتصادية ، الى ازمة سياسية كبرى بين الرئيسيين عون
وميقاتي على خلفية اعتبار التشكيلة الحكومية التي قدمها الرئيس ميقاتي الى الرئيس
عون محاولة مكشوفة من الرئيس المكلف لاقصاء التيار الوطني الحر من الحكومة ، وكل
ذلك بسبب تضمن التشكيلة الوزارية للرئيس ميقاتي تغييرا في وزارة الطاقة التي لا
تؤمن الكهرباء الا ساعتين في ال24 ساعة .
يحدث هذا كله والمياه
مقطوعة عن العاصمة بيروت وضواحيها بسبب تراكم الاعطال وانقطاع الكهرباء وفقدان
مادة المازوت اللازمة لتشغيل المولدات ، مما اوجد حالة من الغضب الشعبي تم التعبير
عنها ببعض التحركات في الشارع البيروتي.
وكأن لايكفي اللبنانيين
سيل الازمات التي يعيشونها يوميا حتى برزت ازمة حقل كاريش مجددا الى السطح بعد
قيام "حزب الله" بارسال ثلاث طائرات مسيرة الى حقل كاريش واصدر بيانا
قال فيه : " الرسالة وصلت" ، مما اوجد حالة من القلق على الصعيد الامني
خشية حدوث مواجهة مع العدو الصهيوني في فصل الصيف ، وكذلك اثار تساؤلات عن مغزى
قول بيان الحزب ان الرسالة وصلت ، هل المقصود به العدو الصهيوني فقط لاغير ام يقصد
به ايضا الدولة اللبنانية التي تتحدث عن ايجابية كبيرة في المباحثات القائمة حول
حقل كاريش والتي يقودها المفاوض الاميركي آموس هوكشتاين ؟
وهنا يطرح السؤال التالي
: الى اين تقود الطبقة السياسية الحاكمة لبنان الذي يغرق في ازماته ؟
على الصعيد السياسي
الداخلي تبدو الامور وكأنها متجهة الى مزيد من التصعيد خصوصا على جبهة تشكيل
الحكومة الجديدة حيث يؤكد اكثر من طرف سياسي ان تشكيل حكومة جديدة خلال الفترة
التي تسبق انتخابات رئاسة الجمهورية والتي تبدأ في شهر ايلول القادم مهمة مستحيلة
لعدة اسباب اهمها ان الرئيس عون يخوض آخر معارك تياره على حلبة آخر حكومات عهده، لعله
يبني فيها جدار حماية، يحصّن تياره السياسي، إلى ما بعد تشرين الاول المقبل، ويُبقيه
حاضراً في المعادلتين السياسية والحكومية.
ولذلك علق التيار الوطني
على موقف الرئيس ميقاتي الرافض الخضوع لضغوط وابتزازات النائب جبران باسيل بالقول
"يحاول رئيس الحكومة المكلف كما في كل مرة اثارة جدل دستوري حول الصلاحيات في
تشكيل الحكومة، كما يحاول منذ أيام تغطية جوهر المشكلة بافتعاله مسألة التسريب ليبرر
قراره الواضح بعدم المضي في التشكيل الفعلي، ويتقدم لديه الجدل حول التسريب فيما النقاش
الحقيقي يجب أن يكون حول مضمون التشكيلة التي تقدم بها ومدى جديتها، وهي تؤكد ان لا
نية له بتأليف حكومة"، وهذا الموقف من قضية تشكيل الحكومة يثيره التيار
الوطني الحر وكأن مشكلة المشاكل في لبنان هي صلاحيات رئيس الجمهورية وهذه الوزارة
او تلك وليس ازمات الكهرباء والماء والدواء والمحروقات والطبابة ...ألخ التي اوصلنا اليها هذا النوع
من الممارسات السياسية التي تقدم اولا مصالحها الشخصية والطائفية على حساب المواطن
والوطن حتى وصلنا الى جهنم التي تحدث عنها الرئيس ميشال عون.
اما على الصعيد الامني
فما حدث يوم السبت الماضي من قيام "حزب الله" بارسال ثلاث طائرات مسيرة
الى مسافة قريبة من حقل كاريش وقيام العدو الاسرائيلي باسقاط هذه الطائرات ، و
واصدار "حزب الله" بيانا حول الحادثة جاء فيه : " بعد ظهرِ اليوم السبت
في ٢/٧/٢٠٢٢ قامت مجموعة الشهيدين جميل سكاف ومهدي ياغي باطلاق ثلاثِ مسيراتٍ غير
مسلحةٍ ومن أحجامٍ مختلفة باتجاه المنطقة المتنازع عليها عند حقل كاريش للقيام بمهامٍ
استطلاعية، وقد انجزت المهمة المطلوبة وكذلك وصلت الرسالة، وما النصر الا من عند الله
العزيز الجبار".
واللافت في هذا التطور
الامني هو انه جاء بعد الحديث عن ان المفاوضات بين لبنان والعدو الصهيوني حول
تحديد الحدود البحرية والتي يقودها المفاوض الاميركي آموس هوكشتاين تسير نحو
الايجابية ، وهو ما اكده وزير الخارجية اللبناني عبد الله بوحبيب الذي صرح بعد
لقاء مع السفيرة الاميركية في لبنان دوروثي شيا بالقول : انّ «التفاوض في شأن ترسيم
الحدود البحرية في مرحلة متقدّمة جدًا وآخذ في التفاؤل، ومن الآن حتى شهرين تتضح مساراته».
وهنا يطرح السؤال عن
اسباب قيام "حزب الله" بهذا التحرك الامني وقوله في بيانه " وصلت الرسالة"،
هل المقصود بذلك العدو الصهيوني حتى لا يتمادى بعدوانه على حقوق لبنان النفطية ،
ام المقصود الدولة اللبنانية والمفاوض اللبناني الذي يبدي تفاؤلا بقرب الوصول الى
حل للخلاف حول حدود لبنان البحرية ؟
في كلتا الحالتين يجب ان
يكون تصرف "حزب الله" وهو الممثل بالحكومة والذي اعلن اكثر من مرة على
لسان مسؤوليه انه ملتزم بما تقرره الحكومة اللبنانية فيما يتعلق بحقل كاريش وغيره
، منسقا مع الحكومة اللبنانية التي على ما يبدو لم تكن على علم بما جرى ، وهو ما
اكده وزير الخارجية عبد الله بوحبيب الذي قال بعد لقائه الرئيس ميقاتي "لبنان
يعتبر أن اي عمل خارج إطار مسؤولية الدولة والسياق الديبلوماسي الذي تجري المفاوضات
في إطاره غير مقبول ويعرّضه لمخاطر هو في غنى عنها". الا اذا كان هذا التصرف
مرتبط بتوقف وتعثر المفاوضات الاميركية الايرانية التي جرت في الدوحة قبل يومين من
ارسال "حزب الله" الطائرات المسيرة الى حقل كاريش ، حيث ذكرت صحيفة
الاخبار المقربة من "حزب الله" انه "لم تفضِ المحادثات الإيرانية -
الأميركية غير المباشرة، إلى ما كان يتأمّله الوسيط الأوروبي من خرقٍ يعيد رسمَ أفق
واضح لإحياء الاتفاق النووي، جرّاء استمرار إصرار الجانبَين المعنيَّين على موقفهما...
وينبئ فشل محادثات الدوحة باحتمالات تصعيد على أكثر من مستوى، في ما لو ظلّ الانسداد
على حاله".
ختاماً يمكن القول لبنان
الغارق في ازماته المختلفة اصبح اسيرا للطبقة السياسية الحاكمة التي تقدم مصالحها
على مصالح لبنان واللبنانيين ، وهذا يعني ان الخراب الذي يعم لبنان لا قعر له
طالما استمرت هذه الطبقة الحاكمة في ممارساتها.
بسام غنوم