العدد 1627 /28-8-2024
حسان قطب

حسان القطب

منذ الاعلان عن دولة اسرائيل، عام 1948، والسجال قائم بين الكثير من القوى السياسية، حول ما اذا كانت هذه الدولة او الكيان، دولة دينية، او علمانية، وقد حرص بن غوريون مؤسس الكيان، ومن جاء بعده من القيادات اليهودية على التأكيد بأن اسرائيل دولة علمانية، ديموقراطية، وان وجود اليهود على ارض فلسطين، انما هو حق تاريخي، وحل لازمة الوجود اليهودي المنتشر في اوروبا ومختلف دول العالم.. وانخرط حزب العمال الاسرائيلي، في منظومة الاشتراكية الدولية، والى جانبه بعض الاحزاب الاشتراكية العربية باعتبار ان العالم الاشتراكي منظومة واحدة في الرؤية والاهداف والنهج..

ولكن مع حكومات نتنياهو الاخيرة والمتعددة، بدا الحديث عن يهودية الدولة.. وبحسب موقع الجزيرة...في 19/7/2018.... فقد (أقر الكنيست الإسرائيلي مشروع قانون الدولة القومية، بتصويت 62 عضوا لصالحه ومعارضة 55. وقد طُرد النواب العرب من الجلسة بعد أن مزقوا مشروع القانون الذي وصفوه بأنه قانون فصل عنصري. وينص القانون على أن إسرائيل هي الوطن التاريخي للشعب اليهودي، وأن حق تقرير المصير يخص اليهود فقط. وقد اعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو التصويت على القانون لحظة فارقة في تاريخ الصهيونية وتاريخ دولة إسرائيل. وينزع القانون أيضا عن اللغة العربية صفة اللغة الرسمية إلى جانب العبرية، ويجعلها لغة "لها مكانة خاصة" فقط، مما يعني أن من الممكن مواصلة استخدامها في المؤسسات الإسرائيلية. وينص القانون أيضا على أن "القدس عاصمة إسرائيل"، وأن "الدولة مفتوحة أمام الهجرة اليهودية إليها"، كما يعتبر أن الدولة ملزمة بتطوير الاستيطان اليهودي (في الضفة الغربية) وجعله من القيم الوطنية...)....

هذا القرار الواضح والصريح، يعمل على ترجمة بنوده وتطبيق نصوصه، وزير الامن القومي، إيتمار بن غفير، بدعوته السماح لليهود بالصلاة في المسجد الأقصى، معلناً أنه يريد بناء كنيس هناك، وبينما خرج مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ومسؤولون وقادة أمنيون، بتصريحات ضد بن غفير، كتبت «يديعوت أحرونوت» أنه لم يخترع العجلة، وأن مدرسة عسكرية للصلاة بُنيت هناك بالفعل بعد حرب الأيام الستة، قبل أن تسلّم إسرائيل المكان للأوقاف الإسلامية ضمن تفاهمات مع المملكة الأردنية...وقال بن غفير في مقابلة مع إذاعة الجيش الإسرائيلي، إنه سيبني كنيساً في المسجد الأقصى لأنه لا يوجد أي قانون يمنع اليهود من الصلاة هناك. وعدّ بن غفير أنه يجب أن تكون هناك «مساواة» بين «الطرفين؛ اليهود والمسلمين»، موضحاً وجهة نظره: «يمكن لليهود أن يصلّوا في جبل الهيكل وأن يسجدوا أيضاً. أنا وزير الأمن القومي، وفي إطار ولايتي لن يكون هناك تمييز بين اليهود والمسلمين الذين يصلّون هم فقط هناك. السياسة تسمح بالصلاة في جبل الهيكل، هناك قانون متساوٍ بين اليهود والمسلمين - وسأبني كنيساً هناك»....

خطوة بن غفير، الاخير، وقرار يهودية الدولة الذي اقره الكنيست الاسرائيلي عام 2018.. يؤكدان ان الصراع في المنطقة ليس على الارض، ولا لتامين وطن ليهود الشتات، المنتشرين في اصقاع العالم، بل انه صراع ديني، يقوم على اعادة احياء وتطبيق نصوص دينية، وبالتالي يصبح كل حديث عن تسويات وتفاهمات سواء بالتطبيع او باعلان هدنة، والوعد باقامة دولة فلسطينية مستقلة كاملة الصلاحية او محدودة الحضور والدور والامكانات، انما كلام يهدف لشراء الوقت، ولتعزيز روح الاستيطان في الاراضي العربية..

هجمات المستوطنين الصهاينة على القرى العربية، في الضفة الغربية، وقتل المواطنين الفلسطينيين بحماية الشرطة والجيش الاسرائيلي، والاستيلاء على الاراضي الفلسطينية، وبناء المستوطنات وتشجيع الهجرة اليهودية الى فلسطين، واعتقال الآلاف من ابناء الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية، وقتل المئات بوتيرة يومية، وتدمير البيوت بذرائع مختلفة، انما الهدف منها هو دفع الفلسطينيين لمغادرة الضفة الغربية، وتأكيد هوية الدولة اليهودية، وما يجري في قطاع غزة من تدمير ومجازر يومية وتجويع للسكان ودفعهم للانتقال من منطقة الى اخرى داخل القطاع، هو امر مشابه، يجري برعاية دولية وبغض طرف لا يمكن تجاهله..ولكن بروح اجرامية مرتفعة وبالغة الخطورة..

لذلك فإن كل المفاوضات حول التطبيع وفتح آفاق الحل السياسي في منطقة الشرق الاوسط، سواء بحل الدولتين او بغيره، لا يمكن ان يصل الى نتيجة حقيقية لان الصراع في المنطقة ديني يستند الى نصوص توراتية وتلمودية تبيخ القتل والتهجير والاستيلاء والاستعلاء والتفرد بالارض والسلطة..

هذا الكيان لا يمكن التعايش معه، كما لا يمكن مواجهته الا بالسلاح الذي يستخدمه، وهو استنهاض هذه الامة، بتأكيد هوية الارض وقدسية المعركة، واهمية التحرير والخلاص من الظلم والقهر والعدوان.. وقضية فلسطين ليست قضية شعب وارض بل هي قضية ومسؤولية امة برمتها.. والمسجد الاقصى ليس بناءً تاريخياً يجب الحفاظ عليه بل هو مسرى النبي محمد عليه الصلاة والسلام وهو على الارض وليس في السماء.. لذا تحريره واجب...ولا تنازل ولا تراجع..ولن نرضخ لتهديدات نتنياهو وبن غفير الذي يجب ان نشكره على رسم المشهد الحقيقي للمشروع اليهودي الصهيوني في المنطقة..