العدد 1662 /7-5-2025
منذ انطلاق الحديث عن الانتخابات البلدية، تركزت
الأنظار على بيروت، حيث تسجّل هذه الدورة غياب الرئيس سعد الحريري عن المشهد
البلدي للمرة الأولى. هذا الغياب أثار تساؤلات حول من سيكون الممثل الجديد لبيروت
وضمان المناصفة فيها، لكنه في الوقت ذاته حجب سؤالًا أكثر عمقًا حول واقع الساحة
السنية بعد التحولات الكبرى التي شهدها لبنان.
الأنظار اتجهت أولاً إلى إقليم الخروب في جبل لبنان، الذي افتتح
الأسبوع الأول من الانتخابات، حيث برزت الجماعة الإسلامية كأبرز الرابحين، وإن لم
تكن الوحيدة. فقد أظهرت الجماعة فهماً دقيقاً لطبيعة المرحلة ولخصوصيات الأرض
والناس، وأحسنت الترشيحات وبناء تحالفاتها بما يتناسب مع هذا الاستحقاق تحديدًا.
في برجا، وبعد سنوات من قيادة البلدية منذ عام 1998، وبشكل
شبه متواصل، اختارت الجماعة التراجع خطوة إلى الخلف، مفضّلة تشكيل لائحة جامعة
تمثّل كل أطياف البلدة، برئاسة رجل الأعمال ماجد ترو، شقيق النائب والوزير
السابق عن الحزب التقدمي الاشتراكي علاء ترو. وقد فازت هذه اللائحة بـ18
مقعدًا من أصل 21 وسط راحة من أبناء البلدة التي تجنبت المعركة القاسية للمرة
الأولى.
أما في كترمايا، فقد فرضت على الجماعة خوض معركة لوحدها في وجه تحالف
بين تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي فأحسنت الجماعة اختيار مرشحين قريبين
من الناس ومنهم امرأة وهي سابقة للجماعة في الإقليم خاصة في ظل وجود معركة قاسية
كان النجاح فيها للائحتها وللأستاذة ملاك يونس في معركة "على المنخار"
فازت فيها لائحة الجماعة ب8 مقاعد من أصل 15.
في داريا، أحسنت الجماعة صياغة تحالفاتها، ففازت اللائحة التي
دعمتها بجميع المقاعد، في معركة اتسمت بطابع عائلي أكثر من كونها حزبية.
وفي دلهون، اختارت الجماعة التركيز على منصب المختار، وهو
الوحيد في البلدة، وبالتالي ذو أهمية مضاعفة، فحسمته لصالحها.
أما شحيم، التي اعتُبرت "أم المعارك" والتي تضاعفت
أهميتها بعدما استأثرت بأبرز مناصب الدولة، من وزير الداخلية إلى مدير عام قوى
الأمن الداخلي إلى مدعي عام التمييز، حافظت على غلبة الطابع العائلي على السياسي،
فأحسنت الجماعة الإسلامية اختيار مرشحيها من مختلف العائلات، كما أحسنت بناء
تحالفاتها، حيث تحالفت مع تيار المستقبل والنائب السابق محمد الحجار.
ورغم إعلان تيار المستقبل عدم مشاركته في الانتخابات، وهو ما اعتُبر
تصويبًا غير مباشر على النائب محمد الحجار، فقد ثبت الحجار التحالف مع الجماعة،
وأثبت أنه ما زال يُمسك بمفاصل التيار في شحيم.
على الرغم من انسحاب النائب بلال عبد الله من التحالف في اللحظات
الأخيرة مفرّغا اللائحة من ثقل في أحياء نفوذ عبد الله، استطاعت اللائحة
حيازة الأغلبية حيث لم تخترق الا ب 6 مقاعد من أًصل 19 رشحتهم في بلدية من 21 عضو
وهو ما أفر عن نتائج هامة أبرزها: أن النائب محمد الحجار ما زال يتمتع بحضوره في
البلدة، وأن الجماعة الإسلامية، رغم كل الضغوط التي تعرضت لها وانشغالها بالحرب
السابقة، تحظى بتزايد في الالتفاف الشعبي حولها.
إذا، وفي محصلة اقليم الخروب السياسية، ربحت الجماعة بحضورها الشعبي،
وقراءتها الدقيقة للشارع، وصياغتها الجيدة للتحالفات. كما ربح النائب علاء ترو
بعودته إلى العمل العام من بوابة قيادة برجا، التي تتعطّش لتمثيل نيابي. وربح
النائب محمد الحجار برهاناته الصائبة، وإصراره على خوض المعركة واثباته حضوره رغم
حجم الضغوط من الداخل والخارج عليه، أما النائب الدكتور بلال عبد الله فقد حافظ
على قوته وحيّدها في هذه الانتخابات ليبقى راعياً لما يمثّله في شحيم والإقليم.
لكن المسؤول للجماعة
الاسلامية في جبل لبنان الشيخ أحمد فواز رفض ربط هذا الاستحقاق بالانتخابات
النيابية، معتبرًا أن حسابات الانتخابات البلدية تختلف جذريًا عن النيابية، وأن
هذه النتائج لا تعبّر إلا عن ثقة المجتمع بالجماعة الإسلامية وتقديره لوقوفها إلى
جانب الناس في كل الظروف، لا أكثر ولا أقل.
وسام حجار