ياسر الزعاترة
هناك الكثير من الأصوات التي تخرج علينا من دول عديدة تبشر بردة عن المفاهيم القومية والإسلامية؛ في أبعادها السياسية (حتى لا يتهمنا بعضهم بالتكفير)، وذلك بالحديث عن الدولة القُطرية كنقيض لمصالح الأمة، ومن ثم تجريم الأصوات التي تتحدث بمنطق الأمة، واتهامها بالخيانة؛ وأقله اللاوطنية.
لا يمكن وضع تلك الأصوات في سياق واحد، فلكل منها هواه، ولكلّ منها وجهة هو موليها، وما يلفت الانتباه هو أن ذلك اللون من الردة لا تعثر عليه إلا في أوساط النخب، مع قليل من الناس الذين يجري تضليلهم بهذه الطريقة أو تلك.
هل من عاقل يرى أن هناك تناقضاً بين مواجهة المشروع الصهيوني الذي يستهدف إعادة تشكيل المنطقة على هواه ووفق مصالحه، وبين المصالح القُطرية في أبعادها الاستراتيجية، وليس في أبعادها الآنية على المدى القريب؟ وهل من عاقل يرى أن مواجهة عدوان إيراني يستهدف تغيير حقائق التاريخ والجغرافيا في المنطقة، وبين المصالح القُطرية، فيما كثير من الدول العربية مُهدد بالجنون الإيراني بشكل مباشر في حال مرّ مشروعه؟!
دعك هنا من قضية ملحة تتمثل في التعاون والتكامل على الصعيد الاقتصادي في زمن التكتلات الكبرى وحاجة الأمة إلى التعاون على مختلف الأصعدة، بدل بث الروح الإقليمية التي يجري ضخها في كل أدوات التثقيف والتعليم والتوجيه.
نعود إلى القول إن هذه الروح التي تسود في أوساط النخب لا تجد لها الكثير من الصدى في الأوساط الشعبية التي لا زالت تعلي من شأن الأمة، وتنتمي إلى ضميرها الجمعي.
بوسع أي أحد أن يلمس ذلك في المجالس الشعبية والفعاليات المختلفة في طول العالم العربي، بل حتى الإسلامي، وتتجلى بشكل أوضح في مواقع التواصل، حيث تكون قضية من قضايا الأمة هي الأهم في هذه اللحظة، وغيرها في لحظة أخرى؛ ما يؤكد أن مساعي بعض النخب لبث هذه الروح القُطرية الضيقة لا تجد صداها إلا في أوساط القلة.
في زمن سابق كانت مثل هذه الأصوات تُواجَه بالكثير من الإنكار والتجريم، لكنها في زمن حاضر باتت تجد لها حضوراً؛ بدفع من بعض الجهات، والمصيبة الكبرى أن تجد من بين تلك الأصوات من يدّعي أنه ينتمي إلى الرؤية الإسلامية، ومن ثم يذهب بعيداً في تكييف الدين على مقاس تجاهل الأمة، والركون إلى الروح القُطرية الضيقة.
بقي القول إن المنتمين إلى روح الأمة هم أكثر الناس حرصاً على أوطانهم الأصغر، وحين يجدّ الجد، يكونون في مقدمة الصفوف، بينما قد تجد الآخرين في الصف الأخير، لأن الضمير النظيف يكون نابضاً بالحياة في كل الأحوال، خلافاً للآخر اللاهث خلف مصالحه وهواه، ومن يُنكر أمته، لن ينفع وطنه الأصغر حتى لو زعم ذلك.