العدد 1625 /14-8-2024
دخلت قضية فض اعتصامي
رابعة العدوية والنهضة المعروفة باسم "مذبحة رابعة"، عامها الثاني عشر،
دون تحقيق العدالة لمئات الضحايا الذين سقطوا في العملية العسكرية التي حدثت في 14
أغسطس/آب 2013، حيث قامت قوات الشرطة والجيش بالهجوم على ميداني رابعة العدوية
والنهضة لفض اعتصامات المعارضين لانقلاب الثالث من يوليو/تموز 2013 في مصر، ودون
تقديم أي من المسؤولين عن هذه المجزرة إلى المحاكمة الجنائية، رغم تكليف
"لجنة قومية لتقصي الحقائق" في الأحداث، لم تنشر حتى الآن تفاصيل
تقريرها التي قدمته لرئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي في 23 نوفمبر/تشرين الثاني
2014، ولم تكشف إلا عن ملخص تنفيذي له في مؤتمر صحافي روجت وسائل الإعلام المقربة
من الحكومة المصرية بعضَ تفاصيله التي تدين المعتصمين.
وصرح السفير علاء
يوسف، المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية، وقتها، بأن الرئيس تسلم التقرير
النهائي للجنة، ووجه بإحالته إلى مجلس الوزراء لدراسته وإرساله إلى كافة الجهات
المعنية والقضائية المختصة لاتخاذ اللازم في ما جاء بالتقرير من وقائع، دون اتخاذ
مزيد من الإجراءات، حتى توفي رئيس اللجنة فؤاد رياض في يناير/كانون الثاني 2020،
وكان آخر ما كتبه على حسابه في موقع فيسبوك أن تقرير اللجنة "لا يزال طي
الكتمان".
وعلى الرغم من عدم نشر
تفاصيل تقرير اللجنة التي تشكلت بقرار جمهوري وبمشاركة وزير العدل السابق ومدير
مكتب السيسي الحالي المستشار عمر مروان، وتسلمها الرئيس السيسي منذ 2014، إلا أن
ما تسرب من ذلك التقرير يؤكد على خمس حقائق رئيسية، وفق المبادرة المصرية للحقوق
الشخصية، وهي: استخدام الذخيرة الحية بشكل عشوائي وغير متناسب، واستبعاد بدائل
الفض بخسائر بشرية أقل على أساس حجج واهية، ورغم وجود بدائل أخرى، وأن غالبية
القتلى من المعتصمين السلميين ومن المدنيين الأبرياء، وأن "الممر الآمن"
لم يكن ممراً ولا آمناً، وضرورة تشكيل لجنة قضائية للتحقيق واستدعاء الشهود ممن
عاصروا هذه الأحداث ومن المسؤولين عنها، وهو ما لم يحدث حتى اليوم.
ولم تكن "اللجنة
القومية لتقصي الحقائق في أحداث 30 يونيو/حزيران" الجهة الرسمية الوحيدة التي
تناولت بالتقصي أحداث فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة، حيث أصدر المجلس القومي
لحقوق الإنسان (حكومي) في السادس من مارس/آذار 2014 تقريره الكامل عن أحداث الفض
أيضاً. وجاء في تقرير المجلس أن "بعض المتظاهرين كانوا مسلحين وقاوموا قوات
الأمن، ما اضطرها إلى استخدام القوة القاتلة"، لكنه أكد أن هناك ما وصفه
بـ"انعدام التناسبية" واستخدام مفرط للقوة من قبل الأمن.
وذكر التقرير أن عدد
الضحايا هو 632 قتيلا، منهم 624 مدنيا وثمانية أفراد من الشرطة، مؤكدا أن قوات
الأمن لم تقم بتأمين "ممر آمن" لخروج المتظاهرين الراغبين في المغادرة،
ولم تسعف الجرحى. ودعا المجلس إلى إجراء تحقيق قضائي مستقل، لم يجر أيضاً حتى الآن.
وبينما وصفت منظمة
هيومن رايتس ووتش ما حدث في "مذبحة رابعة" بأنه على الأرجح "جرائم
ضد الإنسانية وأخطر حوادث القتل الجماعي غير المشروع في التاريخ المصري
الحديث"، ووثقت مقتل ما بين 904 و1000 شخص، منهم 817 في ميدان رابعة، و87 في
ميدان النهضة، نفت الحكومة المصرية ومنظمات حقوق الإنسان المصرية هذا التقرير
ووصفته بأنه مسيس، وقدم محمد البرادعي، نائب الرئيس المؤقت عدلي منصور، استقالته
احتجاجا على الأحداث.
وبحسب المنظمة، فقد
فتحت الشرطة وقوات الجيش النار بشكل ممنهج باستخدام الذخيرة الحية على المحتجين
المعارضين لعزل القوات المسلحة للرئيس السابق محمد مرسي، مضيفة أن الأدلة تشير
أيضا إلى قيام المحتجين في مناسبات محدودة باستخدام الأسلحة النارية، وإن كان ذلك
قد حصل بشكل لا يبرر الرد بالهجمات القاتلة على المحتجين السلميين بمعظمهم.
وبعد مرور 11 عاماً
على "مذبحة رابعة"، لم يتم تقديم أي مسؤول حكومي سواء عسكري أو مدني إلى
المحاكمة، بل على العكس فقد حوكم المئات من المعتصمين في محاكمات غابت عنها معايير
النزاهة القضائية بشهادة العديد من المنظمات الحقوقية، التي رأت أن محاكمة هؤلاء
جاءت إمعاناً من الحكومة المصرية في الهروب إلى الأمام والتنصل من المسؤولية، حيث
أصرت على اعتبار المعتصمين كأنهم جناة تسببوا في سقوط مئات القتلى والمصابين.
ويرى حقوقيون ومحامون
أنه على الرغم من تعمد الحكومة المصرية إخفاء الجرائم التي وقعت في "مذبحة
رابعة"، وعدم تقديم جندي واحد للمحاكمة، إلا أن هذه الجرائم تعتبر
"جرائم ضد الإنسانية" ولا تسقط بالتقادم، ولذلك تستخدم الحكومة كل السبل
القمعية لمنع تحقيق العدالة ومنع أي تحرك من القوى المعارضة لها، حتى لا تتم
المحاسبة عن هذه الجرائم. وتعدد المنظمات الحقوقية القضايا التي تعتبرها لا تسقط
بالتقادم، مثل قضايا "مجزرة اعتصام رابعة"، و"مذبحة الحرس
الجمهوري"، و"مذبحة مسجد القائد إبراهيم".
ورغم آلاف الشكاوى
التي وصلت للنائب العام وللقضاء من ذوي ضحايا رابعة العدوية والنهضة وغيرها، إلا
أن الجهاز القضائي المصري تجاهلها جميعاً. وتعتقد بعض منظمات حقوق الإنسان التي
وثقت مختلف تلك الجرائم، أنه مع تجاهل الحكومة المصرية التحقيق في هذه الجرائم
ومحاسبة المسؤولين عنها، ومع عدم وجود أي فرصة لأن تحاكم السلطات نفسها، فإنه لا
بد من رفع قضايا دولية سعياً لمحاكمة السلطة المصرية المسؤولة عن سقوط هذا العدد
الكبير من الضحايا.