العدد 1424 / 12-8-2020
عصام تليمة
ظاهرة
خلع الحجاب من عدد من الفتيات اللائي تربين في بيوت متدينة، باتت ملفتة للنظر،
سواء عرفنا أسبابها أم لم نعرف، فبين الحين والآخر نفاجأ بصورة لفتاة من بيت متدين
تعلن خلعها للحجاب في صورة على الفيسبوك، أو تويتر، أو أي وسيلة أخرى من وسائل
التواصل الاجتماعي، وربما دون إعلان، لكنها فقط نشرت صورتها، والنشر وحده في حد
ذاته إعلان.
وبداية
فإن قرار لبس أو خلع الحجاب، هو قرار فردي، يخص الإنسان الذي يقوم به، فالله عز
وجل أمر المرأة بلباسه، وهو أمر في الدنيا الحساب عليه يوم القيامة، شأنه شأن كل
الأوامر والنواهي التي تطلب من الفرد، ولسنا مع فرضه بالإكراه على أحد، سواء كان
ذلك القرار من مؤسسة، أو من فرد، لأن من أهم أسباب خلع بعضهن له، هو: أنه فُرض
عليها من والدين، دون إقناعها به، ودون إجراء حوار ونقاش يمهد لها ذلك.
.والأسباب وراء خلع الحجاب متعددة، منها من أن البيئة المتشددة تصنع نفورا منه،
لأنها فرضته دون اختيار لمن ترتديه، وهؤلاء يخلطون للأسف بين أمر الله بالفروض،
وبين أمرنا نحن البشر بها، فالله حين يأمر، فهنا أمر من خالق لمخلوق، كقوله تعالى:
(وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم)،
لكن النفس البشرية، في موقفها من تنفيذ أمر الله هنا، تختلف من شخص لآخر، بحسب
عزيمته وإرداته، وقدرته على الفعل.
والله عز وجل بين أن الضعف البشري هي
صفة ملازمة لكل بني آدم، منذ أول الخليقة آدم عليه السلام، قال تعالى: (ولقد عهدنا
إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما)، وقال صلى الله عليه وسلم: "كل بني آدم
خطاء، وخير الخطائين التوابون"، فكلنا يدور في تنفيذ أوامر الله، واجتناب
نواهيه، بين العزم والضعف، ومن ذلك: من يخلعن الحجاب.
ومن
أسباب خلع الحجاب: ما حدث في بلاد الربيع العربي، حيث حدثت فيه انتكاسة لتولي
الإسلاميين الحكم فيها، سواء كان ذلك بمؤامرات إقليمية ودولية ومحلية، أم لإخفاق
الإسلاميين أنفسهم، فالنتيجة واحدة، أن هذا الفشل أحدث لونا من النقاش الديني، بدأ
بنقاش أسباب الفشل السياسي، مرورا بنقاش كل ما كان يقوله أنصار هذا التيار من
أفكار دينية، سواء تتعلق بالسياسة والحكم، أم تتعلق بالحجاب وغيره من القضايا.
وساهم
في ذلك سبب آخر، وهو: انتشار أفكار تشكك في فرضيته ووجوبه، وزادت هذه الموجة في
الآونة الأخيرة، من خلال كتاب دخلوا مجال الكتابة في الشريعة الإسلامية، دون تخصص
منهم، ولا تعمق في اللغة العربية ومفرداتها، ولا قواعد الأصول الفقهية التي
يمتلكها الفقيه حتى يفتي في شأن ديني، أو يبحث في شأن قرآني، ولكنهم قدموا أفكارهم
تحت دعاوى: التنوير، والتجديد، وإذا واجههم أحد بجهلهم بالنصوص وتأويلها، اتهموه
بأنه يريد أن يجعل من الإسلام كهنوتا دينيا، ويحصر فهمه له، والحديث فيه في رجال
دين، وشتان بين التخصص والكهنوت.
انطلت كتابات هؤلاء الذين يدعون التنوير
والتجديد الإسلامي ـ بغير علم ـ على كثيرات ممن خلعنه، وكان لديهن الاستعداد
النفسي لقبول هذه الأفكار عن الحجاب، لست هنا أتحدث عمن بحثت في الموضوع، بحثا
متجردا،بل أتحدث عمن ليس لديهن رصيد علمي من الشريعة، فقرأت لمن هاجموا الحجاب،
وشككوا في شرعيته، بأدلة وفهم للأدلة، ليست مستندة على تأصيل علمي صحيح.
هذه
أسباب مجملة، وهناك أسباب أخرى، لا يتسع المقام لتفصيلها، وتحتاج إلى نقاش هادئ
متزن، وأول هذه القضايا التي تحتاج إلى نقاش: هي مسألة فرضية الحجاب، هل هو فرض،
أم لا؟ وهل هذه المساحة من التفكير الفقهي تقبل الخلاف أم لا؟ هذا ما نفصله لاحقا
إن شاء الله.