العدد 1653 /26-2-2025

المؤكد أن أمن مصر الاقتصادي بات يرتبط بشكل مباشر بدولة الاحتلال في السنوات الأخيرة، خاصة ما يتعلق بملف أمن الطاقة وتلبية احتياجات الدولة من الغاز الطبيعي، وهو ما حذرت منه في مقالات سبق أن نشرتها منذ سنوات. والمؤكد أيضاً أن هذا الارتباط يعد بالغ الخطورة، ليس على المديين المتوسط والبعيد، بل على المدى القريب، ذلك لأن حجم تأثيراته لا يتوقف فقط على الأبعاد الاقتصادية والمالية والصناعية، بل على الملفات السياسية والقضايا الاجتماعية، وربما ملف الأمن القومي أيضاً.

وعودة للوراء، فعندما أبرمت الحكومة المصرية اتفاقية ضخمة لاستيراد الغاز الطبيعي من دولة الاحتلال في شهر فبراير/ شباط 2018 وبقيمة 15 مليار دولار، تمت زيادتها في سنوات لاحقة إلى ما يزيد عن 21 مليار دولار، كان المبرر وقتها هو أن الصفقة تدعم خطة تحول مصر إلى مركز إقليمي لتصدير الطاقة، وأن الغاز المستورد من إسرائيل سيعاد تصديره لدول العالم. أي أن مصر ستكون مجرد وسيط، تستورد الغاز من حقول دولة الاحتلال التي سطت عليها في منطقة شرق البحر المتوسط والواقعة قبالة سواحل مصر ولبنان وقطاع غزة، لتعيد تصديرها عقب معالجتها، سواء بمحطتي الإسالة في دمياط وأدكو الواقعتين على سواحل البحر المتوسط.

ساهم في ترويج ذلك المبرر وقتها الإعلان عن امتلاك مصر حقل "ظهر" العملاق، والذي صنفته الحكومة على أنه أكبر حقل لإنتاج الغاز الطبيعي في منطقة شرق البحر المتوسط، ومؤكدة أن الحقل يكفي تغطية الاستهلاك المحلي لسنوات طويلة، وسيتم تصدير الفائض لأسواق العالم المتعطشة للطاقة مثل دول أوروبا.

لكن تثبت الأيام أن هذا المبرر كان غير دقيق إلى حد كبير، وأن الغاز الإسرائيلي لم يأت لسد الفجوة التصديرية كما تردد وقتها، بل بات يتدفق ومنذ العام 2020 إلى بيوت ومطاعم المصريين والمحال التجارية، وكذا للمصانع المصرية، بل إن غاز الاحتلال أصبح مصدراً مهماً لتغذية شركات ومحطات توليد الكهرباء بالطاقة في مصر، وأن الحكومة استنجدت بغاز الاحتلال أكثر من مرة، عندما واجهت أزمة عتمة وانقطاعات واسعة في الكهرباء كما جرى في الصيف الماضي، وسط تراجع ملحوظ في الإنتاج المحلي من الغاز.

وبنظرة لأحدث الأرقام نلحظ حدوث قفزة في كميات الغاز الإسرائيلي المستورد من قبل الحكومة المصرية، ففي العام 2024 ارتفعت واردات مصر من غاز الاحتلال، بنسبة 18.54%، ما يعادل 1.59 مليار متر مكعب، لتصل إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق. والملفت أن تلك الزيادة الكبيرة جرت في ذروة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.

وبالأرقام، استوردت مصر نحو 10.16 مليارات متر مكعب خلال 2024، مقابل 8.57 مليارات متر مكعب في عام 2023. بل إن شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي سجل أعلى معدل لواردات الحكومة المصرية من الغاز الإسرائيلي في 2024، مع تسرب أنباء وقتها عن إبرام اتفاق بين القاهرة وتل أبيب لزيادة الواردات بنسبة 21%، بدءاً من شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لتلبية الطلب المحلي المتزايد.

لا يتوقف الأمر عند هذا الحد، فهناك خطة لدى الحكومة المصرية لزيادة الاعتماد على الغاز الإسرائيلي في الفترة المقبلة، وهناك مفاوضات جارية تسعى تلك الحكومة من خلالها إلى التوصل لاتفاق مع إسرائيل على زيادة واردات الغاز الطبيعي بنحو 58% من مستواها الحالي البالغ 950 مليون قدم مكعب يومياً اعتباراً من النصف الثاني من العام الجاري، ضمن ما تسميه السلطات المسؤولة بتأمين احتياجات الدولة المصرية من الوقود خلال أشهر الصيف، ومواجهة أي انقطاعات متوقعة في الكهرباء، وتلبية أي زيادة في الطلب على الغاز من قبل شركات توليد الكهرباء والمصانع كثيفة استهلاك الطاقة مثل شركات الحديد والأسمدة والألمونيوم وصناعة السيارات.

السؤال المطروح هنا هو: هل الدولة المصرية مجبرة على استيراد الغاز الإسرائيلي المسروق أصلاً من حقول عربية رغم مخاطر ذلك، واحتلال إسرائيل محور "صلاح الدين"، المتاخم للحدود المصرية مع قطاع غزة والاخلال باتفاقية السلام؟، ولماذا التركيز على هذا الغاز تحديداً في تلبية احتياجات مصر من الطاقة رغم مخاطره الشديدة على الأمن الاقتصادي والاجتماعي للدولة المصرية؟

ولماذا تخرج أكثر من 21 مليار دولار من إيرادات الدولة المصرية التي تعاني فجوة تمويلية ضخمة وعطشاً للنقد الأجنبي لتضاف لموازنة دولة الاحتلال التي تعاني عجزاً بسبب كلفة الحرب، علما بأن هذا المبلغ يوجه لتحقيق الرفاهية للإسرائيليين وشراء الأسلحة التي تقتل أهالي فلسطين؟ ولماذا التطبيع الاقتصادي مع دولة الاحتلال في هذا الوقت تحديداً؟

وأين عشرات حقول الغاز المصرية التي تم الإعلان عن اكتشافها ودخولها حيز الإنتاج في السنوات الأخيرة؟ وأين الحديث عن الاكتفاء الذاتي من الغاز والذي شاع بقوة في العام 2018 وما بعدها؟ وإذا كانت هناك ضرورة قصوى لاستيراد الغاز من الخارج، فلماذا لا يتم اللجوء للدول العربية الشقيقة ومنها الجزائر وقطر وسلطنة عمان، أو حتى الدول الصديقة لمصر وأبرزها روسيا؟