العدد 1631 /25-9-2024
إسماعيل ياشا
يدور حاليا في
الأوساط السياسية والإعلامية التركية نقاش ساخن حول إمكانية تغيير المواد الأربع
الأولى في الدستور التركي، بالتوازي مع تصريحات الزعماء السياسيين عن حاجة البلاد
إلى صياغة دستور ديمقراطي مدني جديد يحفظ الحقوق والحريات، ويزيل التناقضات بين
مواد الدستور الحالي والنظام الرئاسي الذي بدأ تطبيقه في تموز/ يوليو 2018. وهو في
ذات الوقت نقاش ذو صلة في أحد أبعاده بالمناكفات السياسية بين التحالفين المؤيد
للحكومة والمعارض لها.
الدستور
المعمول به حاليا في تركيا، ينص في مادته الأولى على أن دولة تركيا جمهورية، وتشير
مادته الثانية إلى أن الجمهورية التركية دولة قانون ديمقراطية علمانية اجتماعية في
إطار فهم السلام الاجتماعي والتضامن الوطني ومفهوم العدالة، تحترم حقوق الإنسان
وتتمسك بقومية أتاتورك، والمبادئ المشار إليها في البداية. وتعني "قومية
أتاتورك" المذكورة في هذه المادة، مفهوم القومية الذي تبناه مؤسس الجمهورية،
مصطفى كمال أتاتورك، وهو أن "كل من يقول إنه تركي ويفتخر به فهو تركي".
وأما المادة الثالثة فتنص على أن الدولة التركية كل لا يتجزأ، ولغتها التركية،
وعلمها هو العلم الأحمر الذي فيه هلال أبيض ونجمة بيضاء كما ينص القانون على شكله،
ونشيدها الوطني هو نشيد الاستقلال، وعاصمتها أنقرة.
المادة الرابعة
للدستور التركي تؤكد أن شكل الدولة في المادة الأولى وخصائص الجمهورية في المادة
الثانية وأحكام المادة الثالثة، لا يمكن تغييرها أو اقتراح تغييرها. وهذه المادة
هي جوهر النقاش الذي تفجر بعد قول رئيس حزب الدعوة الحرة "هدى-بار"،
زكريا يابيجي أوغلو، إن هذه المادة ينبغي أن لا تكون في الدستور مبرِّرا اعتراضه
بأن "وجود مواد غير قابلة للتغيير في الدستور ليس صحيحا من الناحية القانونية
والسياسية والفلسفية".
المادة الرابعة
التي تجعل المواد الثلاث الأولى كأنها "نصوص إلهية لا يجوز المساس بها"،
أضافها الانقلابيون إلى الدستور بعد الانقلاب العسكري الذي قام به الجيش التركي في
12 أيلول/ سبتمبر 1980، وهي مادة تقيد إرادة الشعب وتتعارض مع مبدأ الاحترام لها.
إلا أن المدافعين عنها يرون أنها ضرورية لحماية النظام الجمهوري العلماني، كما
تعتبر القوى العلمانية، على رأسها حزب الشعب الجمهوري، أن طرح فكرة تغييرها للنقاش
يستهدف بالدرجة الأولى مبدأ العلمانية.
حزب الحركة
القومية المتحالف مع حزب العدالة والتنمية، يرى ضرورة صياغة دستور جديد، إلا أنه
يطالب بالحفاظ على المواد الأربع الأولى في الدستور الحالي، ويرفض المساس بها، كما
يرى أن تلك المواد تحمي البلاد من التعرض لمخاطر التمهيد للانفصال وتسد الأبواب
أمام المطالبة بالانتقال إلى النظام الفيدرالي الذي يعتبره نظاما يؤدي في نهاية
المطاف إلى تفكك وحدة تراب البلاد. وفي تعليقه على النقاش الدائر، وصف نائب رئيس
حزب الحركة القومية، إسماعيل أوزدمير، تصريحات رئيس "هدى-بار" بـ"الانشغال
بأمور فارغة وغير مفيدة".
الإسلاميون في
تركيا ينتقدون المادة الرابعة في الدستور منذ زمن بعيد، كما أن حزب العدالة
والتنمية لا مانع لديه في التخلي عن تلك المادة، إلا أنه من المستبعد في الظروف
الراهنة أن يطالب به أو أن يطرحه للنقاش، كيلا يحول ذلك دون النقاش حول مواد أهم
ويعرقل الاتفاق على صياغة دستور ديمقراطي جديد، كما يرى أن طرح فكرة الانتقال إلى
النظام الفيدرالي ليس لصالح البلاد. وذكر المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية، عمر
تشليك، أن النقاش حول المواد الأربع الأولى في الدستور ليس في أجندة الحزب.
تصريحات يابيجي
أوغلو واضحة للغاية وما ذكره فيها عين الصواب، ويطالب الرجل بعدم إدراج مادة في
الدستور الجديد مثل المادة الرابعة الموجودة في الدستور الحالي. ولا يعني ذلك دعوة
إلى التخلي عن النظام الجمهوري أو أي شيء من مضمون المواد الثلاث الأولى، إلا أن
حزب الشعب الجمهوري يتعمد لتحريف تلك التصريحات ليصور رئيس "هدى-بار"
وكأنه يطالب بتغيير النظام الجمهوري والعلم والنشيد والعاصمة.
رئيس حزب الشعب
الجمهوري، أوزغور أوزل، دعا رئيس حزب الحركة القومية دولت باهتشلي إلى تحديد موقفه
من "هدى-بار" وتصريحات رئيسه، في محاولة للإيقاع بين الحزبين وإثارة
مشاعر القوميين الأتراك وتحريضهم ضد "هدى-بار" من أجل ضرب تحالف الجمهور
المؤيد للحكومة. ولكن لا يُتوقع أن تنجح مثل هذه المحاولات لأسباب عديدة، أولها أن
حزب الشعب الجمهوري هو ذاته يتحالف مع أكراد انفصاليين ينزعجون من العلم التركي
والنشيد الوطني ويوالون حزب العمال الكردستاني.
تأجيج النقاش
من قبل المعارضة حول تصريحات يابيجي أوغلو من خلال تحريف مضمونها، يهدف أيضا إلى
شيطنة "هدى-بار" بسبب جذوره الإسلامية وموقفه الداعم للمقاومة
الفلسطينية والرافض لحرب الإبادة التي يشنها جيش الاحتلال الإسرائيلي على قطاع
غزة، بالإضافة إلى تصديه لحزب العمال الكردستاني ومشروعه الانفصالي في المناطق ذات
الكثافة السكانية الكردية.