العدد 1681 /17-9-2025

 

غضب مكتوم انتقلت سخونته من صدور الساسة إلى منصات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام المحلية، حول تفشي ظاهرة "النائب الباراشوت" التي انتشرت دخل أحزاب مصرية قبيل انتخابات مجلس النواب في مصر المقرر إجراؤها نهاية العام الحالي. ويطلق مصطلح "النائب الباراشوت" على المرشح الذي يختاره الحزب لتمثيله في الانتخابات عن دائرة لا ينتمي إليها، ولم يكن عضواً بالحزب قبيل اختياره للمهمة، حيث "يهبط" بشكل مفاجئ على المنصب الحزبي ومقعد الدائرة، من دون سابق معرفة مع الناخبين فيها وأعضاء الجمعية العمومية للحزب ذاته.

وعادةً ما يكون "النائب الباراشوت" مدعوماً من الأجهزة السيادية بالدولة، التي تهندس المشهد السياسي، وفقاً لآليات محكمة، وتوازنات تسعى إلى تحقيقها، تدفع به إلى الحزب كي يمثله في خوض الانتخابات النيابية. وأغلب هؤلاء من أصحاب المال والأعمال، القادرين على دفع ملايين الجنيهات مقابل الفوز بحصانة البرلمان لمدة خمس سنوات.

وأفاد مصدر نيابي مطلع على مشاورات تشكيل القوائم في الانتخابات المرتقبة، بأن اختيارات المرشحين في "القائمة الوطنية"، التي تضم 12 حزباً موالياً، مبنية على معايير محددة، منها تزكية المرشح من أحد الأجهزة الأمنية المشرفة على إدارة العملية الانتخابية، وقدرته على سداد مبلغ مالي كبير نظير الدعاية للقائمة، وتدبير المواد الغذائية الموزعة على الناخبين في محيط اللجان خلال أيام الانتخاب.

"النائب الباراشوت" ليست جديدة في مصر

وفي حديث خاص مع "العربي الجديد"، أوضح المصدر أن ظاهرة "النائب الباراشوت" ليست حديثة العهد في مصر، وتعود إلى فترة حكم الرئيس الراحل حسني مبارك، حيث دُفع بوزراء وقضاة لخوض الانتخابات وضمان فوزهم، في ظاهرة عادت بقوة منذ انتخابات عام 2020، ما ساهم في تمثيل عدد كبير من النواب في غير دوائرهم الأصلية، ومنهم وكيل مجلس النواب السابق سليمان وهدان، الذي شغل عضوية المجلس عن محافظة الشرقية، بعد أن كان نائباً عن محافظة بورسعيد. وأضاف أن رجل الأعمال، أحمد الباز، صاحب سلسلة مطاعم "قصر الكبابجي"، دفع 50 مليون جنيه تبرعاً لحزب "مستقبل وطن" من أجل الدفع به مرشحاً عن أحد المقاعد الفردية في انتخابات مجلس الشيوخ، في أغسطس/آب الحالي، التي أدت إلى فوزه في دائرة محافظة الغربية، رغم عدم ممارسته أي نشاط سياسي أو حزبي في السابق، وترشيحه على حساب قيادات معروفة للحزب في المحافظة.

حنان فايز شرشار: قيل لي ماذا ستدفعين مقابل الكرسي؟

وتابع المصدر، قائلاً إن طبيب الأسنان المعروف نور الدين مصطفى، دفع المبلغ نفسه لإدراج اسمه ضمن مرشحي حزب "الشعب الجمهوري" في القائمة الوطنية عن دائرة قطاع القاهرة وجنوب ووسط الدلتا، علماً بأن محل إقامته يعود إلى أحد منتجعات منطقة الشيخ زايد في محافظة الجيزة، ما اضطره إلى تعديل بيانات بطاقته الشخصية قبل الانتخابات للترشح عن دائرة القاهرة.

استقالة داخل "حماة وطن"

في هذه الأثناء، استقال عدد من أمناء حزب حماة الوطن وأعضائه، الذي حل ثانياً في ترتيب المقاعد وفق نتائج مجلس الشيوخ في مصر في أعقاب انتشار فيديو لأمينة الحزب عن قسم الوراق بمحافظة الجيزة، حنان فايز شرشار، كشفت فيه عن طلب بعض قيادات الحزب منها دفع مبلغ 25 مليون جنيه (الدولار يساوي نحو 48.6 جنيهاً) للترشح على قوائمه. وقالت شرشار، في الفيديو: "قيل لي: ماذا ستدفعين مقابل الكرسي؟ السعر يبدأ من 25 مليون جنيه، وصولاً إلى 50 مليوناً وأكثر. أنا امرأة مسيحية، ومن أحق الناس بالتمثيل في القائمة الوطنية، بعد ست سنوات من العمل الدؤوب داخل أروقة الحزب"، مستطردة بأن "معيار الترشح في الانتخابات البرلمانية هو مقدار ما يدفعه المرشح من أموال، وليس ما يقدمه من خدمات للمواطنين". وأشارت إلى طلب مسؤولي الحزب الأموال من المرشحين المحتملين بشكل صريح، وكأن هناك مزاداً للانتخابات.

وبالتزامن، استقال رئيس قطاع جنوب الجيزة بالحزب محمد سعودي، وجميع أعضاء أمانة مركز البدرشين، بعد الوصول إلى قناعة راسخة بأن "الاستمرار في الحزب لم يعد ممكناً، ولا يخدم العمل السياسي، إثر تجاهل إرادة القواعد الحزبية في اختيار المرشحين، واعتماد معايير المال والنفوذ عند الاختيار، بعيداً عن الكفاءة والالتزام".

وقال سعودي، في نص الاستقالة الجماعية التي وجهها إلى القائم بأعمال رئيس حزب حماة الوطن، اللواء أحمد العوضي، إن "ما جرى من فرض مرشح غريب على دائرة البدرشين بالباراشوت، من دون دراسة صحيحة للواقع الانتخابي، أو احترام التوازن الجغرافي، إنما يهدم ما بُني طوال سنوات من جهد، ويفتح الباب أمام قوى وأحزاب أخرى للفوز بمقاعد كان الحزب أحق بها". كذلك، استقال جميع أعضاء أمانة حزب حماة الوطن في مركز بلقاس بمحافظة الدقهلية، برئاسة محمد سراج الدين، بسبب ما اعتبروه "غياباً للشفافية والديمقراطية في اتخاذ القرارات، وانحراف الحزب عن أهدافه". وتأسس حزب حماة الوطن بمعرفة مجموعة من العسكريين السابقين، كان من أبرزهم عضو مجلس الشيوخ الراحل جلال الهريدي، الذي شغل منصب رئيس الحزب منذ تدشينه في عام 2013، وأقيمت له جنازة عسكرية في يناير/ كانون الثاني الماضي بمنطقة المراسم العسكرية في ضاحية التجمع الخامس، شرقي القاهرة، بحضور عدد من قادة القوات المسلحة والشخصيات العامة.

وفي السياق ذاته، قال عضو الهيئة العليا لحزب "الوفد الجديد"، النائب أيمن محسب، إن تراجع دور الحزب التاريخي لمصلحة أحزاب أخرى في مصر يعود إلى أسباب عديدة، من بينها حجم الإنفاق الضخم لبعض الأحزاب في الانتخابات، وتوظيف استخدام "المال السياسي" في الدوائر على نطاق واسع، بما يحدّ من فرص المرشحين الذين لا يمتلكون ملايين الجنيهات للإنفاق على الدعاية. وأضاف محسب، لـ"العربي الجديد"، أن الهيئة الوطنية للانتخابات هي المنوط بها توفير ضمانات النزاهة والشفافية للعملية الانتخابية، ومراقبة أوجه إنفاق المرشحين ومصادر تمويل حملاتهم، مشدداً على أهمية توعية المواطنين بشأن المشاركة الشعبية في الانتخابات، واختيار من يرونه مناسباً من المرشحين كي يعبّر عن مصالحهم تحت قبة البرلمان.

وبينما حددت هيئة الانتخابات في مصر سقفاً للدعاية بواقع مليون جنيه للمرشح على النظام الفردي، وأقل من 250 ألف جنيه للمرشح على نظام القوائم، ينفق أغلب المرشحين في مصر أضعاف هذه المبالغ على الدعاية من دون رادع أو عقاب من الهيئة. وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2020، اعتقلت أجهزة الأمن المحامي البارز طارق جميل سعيد لمدة تسعة أيام قبل إطلاق سراحه، على خلفية نشره فيديو يتهم فيه أجهزة الدولة بـ"بيع مقاعد مجلسي الشيوخ والنواب لمن يدفع أموالاً أكثر". ورافق ذلك إعلان رئيس نادي الزمالك السابق، مرتضى منصور، رفضه طلب القائمين على إدارة قائمة "من أجل مصر" المحسوبة على النظام بسداد مبلغ 50 مليون جنيه مقابل وضع اسمه على القائمة.

المشكلة بظاهرة شراء المقاعد بشكل منظم

من جهته، قال النائب المستقل، أحمد الشرقاوي، إنه لا توجد انتخابات من دون توظيف للمال السياسي، لكن المشكلة تكمن في ظاهرة شراء المقاعد بشكل مؤسسي ومنظم. وأضاف، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الإصرار على تطبيق نظام القائمة المغلقة بدلاً من القائمة النسبية يستهدف التحكم في أحزاب الأغلبية، وعدم إتاحة المجال لممثلي المعارضة في التواجد بشكل حقيقي وفعال داخل البرلمان.

وبيّن الشرقاوي أن أحد أهداف الانتخابات البرلمانية ألا تفقد الناس الأمل في التغيير، وأن تشعر بأن هناك من يمثلهم من النواب، ويتحدث بصوتهم في مواجهة أي تشريعات من شأنها التأثير سلباً بحياتهم ومستقبلهم.

وأبقت تعديلات قوانين مجلسي النواب والشيوخ على النظام الانتخابي من دون تغيير، بواقع 50% من المقاعد للانتخاب بنظام القوائم المغلقة، و50% للانتخاب بالنظام الفردي. وفازت أحزاب القائمة الوطنية بنسبة 100% من مقاعد مجلس الشيوخ في الانتخابات الأخيرة، ولم يحظَ حزب منافس للقائمة أو مرشح مستقل بأي مقعد.