العدد 1681 /17-9-2025

أثارت مشاركة الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود في افتتاح مشروع سد النهضة الإثيوبي في 9 سبتمبر/أيلول الحالي في إقليم بني شنغول جنوب غربي إثيوبيا، جدلاً واسعاً في الرأي العام الصومالي. وبينما ذهب البعض إلى أن المشاركة تثير قلق مصر، التي تعيد تموضعها الاستراتيجي في منطقة القرن الأفريقي، أكد آخرون أن مشاركة مقديشو في هذا الحدث هي بمنزلة موازنة للنفوذ الإثيوبي والمصري في الصومال، وذلك بعد تزايد الاهتمام الإقليمي بمقديشو.

وقال شيخ محمود، في حفل افتتاح السد، إنّ مشروع سد النهضة لا يمثل نجاحاً لإثيوبيا فحسب، بل يعبر عن مسؤولية جماعية لدول المنطقة، في ظل ترابط المصالح وتداخل الموارد الطبيعية، خصوصاً المياه. ودعا إلى تجاوز النظرة التنافسية بين الدول، والتعامل مع قضايا التنمية بروح الشراكة، مؤكداً حق إثيوبيا في السعي نحو الازدهار. وعبّر عن استعداد بلاده للعمل مع دول الجوار لتعزيز الحوار الإقليمي وبناء توافق يخدم استقرار المنطقة. وأشار إلى أن تحقيق التنمية المستدامة في المنطقة يتطلب تجاوز عقلية المكاسب الأحادية، والتوجه نحو نماذج تعاونية تسمح بالازدهار المشترك بين دول المنبع والمصب. وأجرى رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، الأربعاء الماضي، محادثات مع شيخ محمود تناولت القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك. وأكد أبي أحمد، في بيان، "التزام البلدين بضمان السلام والاستقرار والتنمية في منطقتنا".

وقال النائب في البرلمان الصومالي عبد الرحمن عبد الشكور في تعليق على حسابه في موقع "فايسبوك"، أخيراً، إنّ "الصومال يجد نفسه في قلب التنافس المحتدم بين مصر وإثيوبيا، فمشاركة شيخ محمود في مناسبة افتتاح سد النهضة تثير قلق القاهرة التي تنظر إليها تهديداً لأمنها القومي، وترى في الخطوة الصومالية نوعاً من نكران الجميل، خاصة بعد وقوفها القوي إلى جانب مقديشو عندما حاولت أديس أبابا التوسع على حساب السواحل الصومالية"، وأوضح أن الصومال اليوم أمام خيارات صعبة، والدبلوماسية هي السلاح الوحيد الذي يملك لتوظيف ما لديه من وقت ومساحة للمناورة، حتى يتمكّن من تجاوز هذا الامتحان الذي يختبر قدرته على الصمود في وجه الضغوط والتجاذبات الإقليمية، وهذا لا يعني الاستسلام أو الانكفاء، بل يستدعي استراتيجية مدروسة، قائمة على الحنكة والخبرة، لحماية المصلحة الوطنية وسط صراع دولي تتعارض فيه المصالح.

وقال الباحث في مركز الصومال للدراسات عدنان عبدي، لـ"العربي الجديد"، إن "مشاركة شيخ محمود في مراسم افتتاح سد النهضة قد تُفهم على أنها دعم ضمني للموقف الإثيوبي، في وقت شهدت فيه العلاقات بين الصومال ومصر تقارباً ملحوظاً خلال العام الماضي، من بينها إعلان مشاركة مصر في بعثة حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي لدعم الاستقرار في الصومال"، لكنه أشار إلى أنه "لا توجد مؤشرات قوية على أن الصومال بصدد إعادة تموضع استراتيجي على حساب العلاقة مع مصر، فالقاهرة كانت داعماً رئيسياً لمقديشو في مواجهة المحاولات الإثيوبية للحصول على منفذ بحري من السواحل الصومالية بطرق اعتبرتها الأخيرة غير مشروعة. وقد أدت مصر دوراً نشطاً في هذا الملف، ما ساهم في تعزيز الموقف الصومالي، ودفع أطرافاً دولية وإقليمية إلى اتخاذ موقف متحفظ تجاه أديس أبابا، قبل أن تهدأ الأزمة عبر مسار وساطة قادته تركيا أواخر العام 2024".

وأشار عدنان إلى أن "الموقف الصومالي الراهن يعتمد على نهج متوازن يسعى إلى الحفاظ على علاقات جيّدة مع الطرفين، دون الاصطفاف الكامل مع أيٍّ منهما. وتُعدّ هذه السياسة مفيدة في الوقت الحالي، إذ تُمكّن مقديشو من حماية استقلالية قرارها السياسي، وتوسيع خياراتها الدبلوماسية، كما تسهم في تقليل احتمالات تدخل أيّ طرف إقليمي في شؤونها الداخلية، خاصة من جانب إثيوبيا. وفي الوقت نفسه، يستمر الصومال في دعم القضايا العربية والأفريقية الكبرى، إلى جانب مصر، بما في ذلك في المحافل الدولية مثل مجلس الأمن".

خيارات الصومال إذا استفحلت أزمة سد النهضة

ووفق عدنان، فإنّ أمام الصومال خيارات عدّة، في حال استفحلت الأزمة بين مصر وإثيوبيا، بخصوص النزاع على سد النهضة، "تتمثل في الاصطفاف مع أحد الطرفَين، وهو خيار وارد، ويُرجّح أن تميل مقديشو إلى الجانب المصري في ظل العلاقات التاريخية والدعم المتبادل في قضايا الأمن والسيادة"، وأشار إلى إمكانية "لعب دور الوسيط. ورغم أن هذا الخيار قد يُظهر الصومال طرفاً فاعلاً إقليمياً، إلّا أن فرصه ضعيفة، إذ لا يبدو أن القاهرة أو أديس أبابا ترغبان في منح مقديشو هذا الدور في الوقت الراهن، كما أن هناك خيار الانحياز إلى جانب إثيوبيا، وهو احتمال نظري قائم، لكنه يظل مستبعداً في ظل تصورات سلبية متجذرة في الوعي الجمعي الصومالي تجاه نيّات إثيوبيا الإقليمية، خاصة ما يتعلق بمحاولات الحصول على منفذ بحري".

وفي هذا السياق، قال الباحث المصري ربيع محمود، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه "في اعتقادي فإنّ مشاركة شيخ محمود في حفل افتتاح سد النهضة لا تمثل أزمة ثقة مع القاهرة، بالنظر إلى اعتبارات مصلحية للدولة الصومالية مع جيرانها تتفهمها مصر، إذ إنّ مصر دائماً ما تدعم تغليب لغة الحوار لحل الخلافات الدولية بما في ذلك أزمتَي السد والمنفذ البحري الإثيوبي، كما تتفهم ضرورة أن يسود الاستقرار القرن الأفريقي"، وأضاف: "حتى في علاقاتها مع الجانب الإثيوبي قدمت القاهرة مراراً بوادر حسن نية لتغليب الحوار والتوصل لاتفاق في مسألة سد النهضة، لكن الجانب الإثيوبي دائماً ما يماطل وتعامل مع الأمر منذ بدء المفاوضات بمواقف تفتقد حسن النية".

الصومال ليس ورقة ضغط

وأشار محمود إلى أن القاهرة لا تنظر إلى سد النهضة باعتباره عملاً عدائياً في حد ذاته، بل إن الموقف المصري يرتبط بتعنّت إثيوبيا والمماطلة في التوصل لصيغة تفاهم تحفظ الأمن المائي وحقوق مصر في مياه النيل باعتباره نهراً دولياً. وفي ما يخصّ الصومال، أوضح محمود أن "القاهرة لا تتعامل مع الشريك الصومالي باعتباره ورقة ضغط ضد إثيوبيا، لأن ما يجمع القاهرة ومقديشو أكبر من ذلك، إذ إنّ لدى البلدين علاقات تاريخية ومصالح مشتركة".

وأكد أن "مصر تمتلك الكثير من الأوراق التي إذا قرّرت استخدامها ستلزم إثيوبيا بالعمل المشترك وصون المصالح المصرية في مياه النيل أو قضية الوصول البحري، على سبيل المثال أصبحت القاهرة فاعلاً رئيسياً في القرن الأفريقي، سواء من خلال وجودها العسكري في الصومال أو تحالفها مع إريتريا والسودان وكذلك تقاربها مع أوغندا وتنزانيا وكينيا والكونغو الديمقراطية، أو الحصول على تأييد أميركي بالتأثير على إثيوبيا. وبالتوازي مع ذلك، إثيوبيا نفسها قد تساهم في عزلها جزئياً إن لم يكن كلياً عن محيطها الجغرافي في ضوء طموحاتها التي تتخطى واقعها الجغرافي والجيوسياسي، كما أنها تعد بلداً مهدّداً بالبلقنة مستقبلاً".