العدد 1420 / 8-7-2020
ياسر محجوب الحسين
كان
نظام الرئيس السوداني السابق عمر البشير كلما ضاقت به الأزمة السياسية والاقتصادية
واستحكمت حلقاتها يظن أن في تغيير الحكومة كليا أو جزئيا فرجا ومخرجا، لكن الأزمة
تستمر رغم التفكيك وإعادة التركيب المتكرر للحكومات.
فتتعدد
المسميات والوصفات والداء واحد باق، فمن حكومة عريضة إلى أخرى رشيقة وتارة حكومة
وفاق وطني.
فالذي
لم يكن ليتغير المنهج الذي تدار به الدولة وكان نهجا عقيما لا يلامس عصب الإشكال
السياسي الذي كان يترتب عليه بالضرورة إشكالات اقتصادية.
اليوم
يبدو رئيس الحكومة الانتقالية الحالية في السودان عبد الله حمدوك وحاضنته السياسية
(تحالف قوى الحرية والتغيير) أمام خيار إجراء تعديل وزاري محدود بعد أن أفقدتهم
تظاهرات 30 يونيو الأسبوع الماضي تماسكهم وجَلَدَهم فكانت استفتاء لأداء حكومي
ضعيف ومرتبك عمّق الأزمة الاقتصادية وفشل في إنجاز الملفات السياسية فكان أن رفعت
المظاهرات الضخمة شعار تصحيح مسار الثورة.
وعشية
التظاهرات المعلنة التي رفعت عاليا درجة التوتر بين الطواقم الأمنية والسياسية
المتنفذة، حاول حمدوك في خطاب له امتصاص حدة الغضب الجماهيري وتقديم تبريرات لفشل
حكومته الذي استدعى تنظيم هذه التظاهرات.
وقال
حمدوك: "مما لا يخفى عليكم أن التوازن الذي تقوم عليه المرحلة الانتقالية
التي تحاول حكومة الثورة إدارتها، هو توازن حساس وحرج. وأنه يمر بين كل حين وآخر
بكثير من المصاعب والهزات التي تهدد استقراره، وتتربص به قوى كثيرة داخل وخارج
البلاد تحاول إعادة مسيرتنا إلى الوراء".
هذه
الفقرة من خطاب حمدوك حملت الكثير من الخوف وربما الإحباط فلم يبح من قبل في كل
خطاباته ذات الوقع الحالم بمثل هذا البوح. فقد ألمح حمدوك إلى التجاذبات بين طرفي السلطة
الانتقالية (المكون العسكري والمكون المدني)، فوصف التحالف بين المكونين بأنه يقوم
على توازن حساس متهما جهات داخلية وخارجية بالتربص به.
ولا
يبدو للمتابع أن سبب الخلافات التي تعتري ذلك التحالف السلطوي هو تربص المتربصين
كما حاول حمدوك أن يبرر، وإنما السبب الخلافات المحتدمة حول الملفات السياسية مثل تعيين
ولاة الولايات واستكمال الهياكل التشريعية ومفاوضات السلام مع الحركات المسلحة
وإعادة هيكلة المنظومات العسكرية والأمنية، بينما لا يجد ملف الأزمة الاقتصادية
الاهتمام الكافي من طرفي السلطة.
ففي
هذا الملف بدت مقارنة مدهشة؛ فبينما كانت توصف حكومة البشير بالفاسدة لكنها كانت
تدعم المحروقات والسلع الاستهلاكية الأساسية وغادرت الحكم وسعر الدولار مقابل
العملة المحلية يساوي نحو 70 جنيها، بينما حكومة حمدوك توصف بأنها حكومة الثورة -
غير الفاسدة - لكنها رفعت الدعم عن المحروقات والسلع الاستهلاكية الأساسية فسحقت
الطبقة المسحوقة التي جاءت بها إلى سدة الحكم بينما عانق الدولار سقف 136 جنيها.
وما
تشهده البلاد من تضخم مخيف بلغ 114% وفقا للجهاز المركزي للإحصاء، يسميه أهل
الاقتصاد بالتضخم الحلزوني، حيث تؤدي زيادة الضغوط على الأسعار إلى ردود أفعال
تُنتج المزيد من التضخم، وخطورة هذا النوع من التضخم أنه يغذي نفسه بنفسه.
ومع
الوقوف عند قول اتحاد العمال السوداني إبان العهد السابق بأن الأجر الذي يتقاضاه
العامل حينها لا يكفي إلا بمقدار 10% من تكلفة المعيشة، فما بال الحال اليوم.
وما
يؤكد حالة التدهور المخيف إصدار البنك الدولي تصنيفا جديدا للسودان للعام
2020-2021 باعتباره دولة منخفضة الدخل بعد أن كان تصنيفه دولة متوسطة الدخل بينما
حدث العكس في دول أخرى مثل بنين وتنزانيا ونيبال.
وحدد
البنك الدولي متوسط دخل الفرد في السودان في تقريره بتاريخ الأول من تموز الحالي
بمبلغ 590 دولارا.
بينما
كان متوسط دخل الفرد في تقرير نفس الفترة من العام 2019 مقدر بمبلغ 1560 دولارا.
وفور
انتهاء التظاهرات لم يجد حمدوك وحكومته بدّا من إصدار قرارات متعارضة تماما مع
مطالب المتظاهرين، منها قرارا بإنتاج الخبز التجاري في ولاية الخرطوم لتباع قطعة
الخبز الواحدة بأكثر من 10 جنيهات، فيما يتوقع ارتفاع سعر لتر البنزين من 26 جنيها
إلى 60 جنيها.
أما
سياسيا فبدلا من استعجال إنهاء عمل لجنة فض اعتصام قيادة الجيش العام الماضي الذي
سالت فيه دماء غزيرة أصدر حمدوك قرارا بتمديد عمل اللجنة لـثلاثة أشهر على الرغم
من مطالب المتظاهرين بالقصاص لضحايا فض الاعتصام.
فهل
سيجدي مع كل التحديات الماثلة مجرد إحداث تعديل وزاري كما ينوي حمدوك؟.
هذا
لا يبدو منطقيا فالمنطق أن يتحلى حمدوك بالشجاعة الكافية ويقدم استقالة حكومته
كاملة لإفساح المجال أمام حكومة جديدة.
فقد
كان تشكيل حكومة تحالف الحرية والتغيير برئاسة حمدوك متعارضا مع الوثيقة الدستورية
إذ أنها نصت على تشكيل حكومة كفاءات بينما شُكّلت حكومة حمدوك على أساس محاصصات
حزبية وضمت وزراء قليلي الخبرة فجاء أداؤهم ضعيفا ليس على قدر تحديات الفترة
الانتقالية.
حتى
حمدوك نفسه بدا ضعيفا يفتقر إلى الحضور السياسي ومستسلما تماما لتجاذبات تحالف
الحرية والتغيير الذي لم يكن على قلب رجل واحد ولم يجمع أعضاء هذا التحالف برنامج
وطني بل كان اتفاقهم الوحيد على إسقاط نظام البشير، وحين سقط انكشفت عورة هذا
التحالف فانعكس ذلك على الأداء الهزيل لحكومة حمدوك.
إن
لم يتنبه الساسة السودانيون لخطورة الأوضاع في بلادهم فإن رؤية المخابرات
الأمريكية التي أفصحت عنها صحيفة واشنطن بوست الشهر الماضي ستصبح واقعا، فهي ترى
أن الوقت مناسب الآن لتنزيل خطة تقسيم السودان إلى عدة دول بفرضية أن البلاد اليوم
في أضعف حالاتها سياسيا واقتصاديا.