العدد 1359 / 24-4-2019
استعرض الباحث السياسي المختص في الشأن التركي سعيد الحاج،
تقييمًا للرسالة التي وجهها رئيس الوزراء التركي الأسبق أحمد داود أوغلو، بشأن وضع
حزبه "العدالة والتنمية" في ضوء التراجع الذي شهدته أصواته في الانتخابات
المحلية الأخيرة.
ورأى الحاج، في تحليل نشره عبر حسابه بموقع "فيس
بوك"، أن تصريحات داود أوغلو أثارت اهتماماً وجدلاً كبيرين، "وهذا أمر
متوقع بالنظر لتوقيت الكلام وقائله ومضمونه وأسلوبه ورسائله الضمنية".
وكتب الحاج الملاحظات الأساسية التالية:
فيما يتعلق بالانتخابات البلدية الأخيرة، يرى داود أوغلو
أنها استمرار لتراجع حضور الحزب خصوصاً في بعض المناطق الجغرافية مثل الساحل
الغربي وحتى في وسط الأناضول، وأن خسارة بلديات مثل أنقرة وإسطنبول مؤشر مهم في
هذا المضمار، وأن تحالف العدالة والتنمية فيها مع الحركة القومية أضره أكثر مما
نفعه: أضره في مقابل التحالف الآخر، وأضره كذلك "داخل" التحالف حيث خسر
بعض البلديات لصالح الحركة القومية.
نقد داود أوغلو ومطالباته بالمراجعات والتصويب كانت كثيرة
ومكثفة وشاملة لكل شيء تقريباً، لكن يمكن إيجازها كبداية باختلاف حزب العدالة والتنمية
اليوم عن بداياته: من حيث منظومة الأفكار والقيم، والخطاب، والممارسة ...الخ.
في الخلاصة:
أولاً، قدم أحمد داود أوغلو نقداً شاملاً لواقع حزب العدالة
والتنمية اليوم، بما في ذلك بعض القيم والأفكار والخطاب والممارسة والتحالفات،
إضافة للنظام الرئاسي وعمل مؤسسات الدولة...الخ.
ثانياً، يرى داود أوغلو بأن "حزبنا" إن قام
بمراجعة شاملة لكل ذلك فإنه قادر على كسب ثقة الناخبين مرة أخرى وعكس منحى التراجع
المذكور، وأنه بذلك أمام مسؤولية تاريخية.
ثالثاً، يرى بأن إرث هذه "الحركة السياسية" ذات
الجذور وهي "أمل القادمين" ليس مرتبطاً بشخص ولا حزب وتيار ولا حتى جيل.
رابعاً، ليس في كلام الرجل أي تصريحات مباشرة وواضحة حول
فكرة الخروج من الحزب بل ما زال ملتزماً باستخدام كلمة "حزبنا".
خامساً، أما ضمناً فنقد الرجل الشامل والواضح والصريح يحمل
معنى "التحذير الأخير" و"الإعذار" أمام اردوغان والحزب
والكوادر والأنصار والشعب، وبالتالي يبدو أن المطلوب هو إجراء هذه المراجعات التي
ذكرها الرجل.
سادساً، تحضر هنا فكرة الحزب الجديد بقيادة الرئيس السابق عبد
الله غل وعلي باباجان الذي يتردد أن إعلانه بات قريباً وأنه يستكمل التجهيزات
المطلوبة لإشهاره. فهل سيكون أحمد داود أوغلو ضمن هذا الفريق؟ أعتقد أن الأخير
أثبت وجهة نظره وتقييمه بشكل علني،
وبالتالي رمى الكرة في ملعب أردوغان الذي سيكون عليه التفاعل مع هذه الرسالة.
سابعاً، أرى أن كلام داود أوغلو أهم وأثقل وأكثر تأثيراً
بكثير من تصريحات عبدالله غل، بالنظر لخلفية الرجل وما يمثله وبقائه حتى اللحظة
داخل أطر الحزب وتجنبه الهجوم أو التجريح والطريقة "الوفية والذكية"
التي خرج (أخرج) بها من الحزب. ولذلك سيكون على اردوغان فعلاً أن يقول و/أو يفعل
شيئاً.
ثامناً، أعتقد أن داود أوغلو ما زال يراهن على الإصلاح
الداخلي، وما زال يرغب بالعودة للعب دور من داخل الحزب، ولكن دور "فعلي"
و"يليق" به ربما وليس أمراً شكلياً، وليس صعباً على أي باحث أو متابع
جيد أن يفهم أنه يرى نفسه الخليفة الأنسب بعد اردوغان.
ولا يجب نسيان الاختلافات الواضحة بين داود أوغلو وعبد الله
غل في هذا الصدد. وبالتالي فإذا ما استطاع اردوغان إقناع داود أوغلو بالعودة للحزب
(ضمن تغييرات كثيرة وحقيقية) فإن الرجل قد يبقى داخل حزبه، وهو قادر على إقناع
الكثيرين بذلك. هذا نظرياً.
تاسعاً، لكن بالنظر للعدد الكبير من الانتقادات وشمولها تقريباً
لكل مساحة خطاب وعمل للحزب، وبالنظر كذلك لشخصية أردوغان، وطريقة تعامله وتعامل
الحزب مع "رسائل" الانتخابات السابقة في عدة مناسبات، يمكن القول إن
إصلاحاً واسعاً وكبيراً وجذرياً لن يكون متوقعاً، ما يعني أن هذا التقييم سيكون
التحذير الأخير الذي سيكون على داود أوغلو اتخاذ قرار ما بعده، وهو قرار تشكيل حزب
جديد فعلاً ليمثل ما يطالب به الرجل هنا ومنذ فترة طويلة.
هنا،
ستكون فكرة انضمامه لمجموعة غل أو تأسيسه حزباً آخر مجرد تفصيل سيخضع للنقاش
والتفاوض والتفاهم مع هذا التيار بعد اتخاذ قرار الخروج والعمل من خارج أطر
العدالة والتنمية. طبعاً الحديث هنا عن مرحلة تأسيس الحزب وإعلانه، أما طريقة
العمل وفرص النجاح فمتروكة لتقييم قادم في المستقبل.