العدد 1430 / 30-9-2020
ياسر الزعاترة
استوقفني
هذا المقال على نحو خاص، وقد كنت أنتظر كلاما مشابها من كاتب مصري في صحيفة مصرية،
ومن غير المحسوبين على المعارضة المصرية، لا سيما أنني ركّزت على هذه القضية مرارا
خلال الأسابيع الماضية بعد اتفاق التطبيع الإماراتي الصهيوني.
في
صحيفة "الشروق" المصرية، ويوم الاثنين الماضي، كتب الصحفي المصري محمد عصمت
مقالا بعنوان: "قبل أن يجرفنا الطوفان". سنتوقف عند معظم فقرات
المقال القصير، قبل التعليق عليه.
يقول
الكاتب: "مع إقدام الإمارات والبحرين على بدء العلاقات الدبلوماسية مع
إسرائيل ومباركة السعودية ضمنا لهذه الخطوة، تبدو في الأفق بوادر تغييرات ــ أو
بالأحرى انقلابات ــ استراتيجية هائلة في الشرق الأوسط، ستفرض على مصر أن تلعب
دورا هامشيا في السيناريوهات المتوقعة لمستقبل الإقليم، بعد أن كانت قائدة بل
وملهمة له طوال قرون طويلة".
ويوضّح
ذلك بالقول: "طوال سنوات المواجهة مع إسرائيل، كان لمصر الدور الرئيس في
تحديد ردود الأفعال العربية رغم خلافاتها مع هذه الدولة العربية أو تلك، لكن هذا
الوضع لن يستمر؛ حيث تطمح إسرائيل في أن تحل محل مصر وتقود المنطقة العربية طبقا
لمعادلات جديدة، ستسقط بمقتضاها كل مؤسسات العمل العربي المشترك، وعلى رأسها
الجامعة العربية نفسها، وسيتحول كل ما كان يشكل العقل السياسي والثقافي العربي من
طموحات لتحقيق استقلال القرار الوطني، وبناء نموذج للتنمية المشتركة، واستعادة
الأمجاد القديمة إلى ما يشبه الأساطير الخرافية، في حين ستتراجع القضية الفلسطينية
باعتبارها قضية العرب المركزية إلى خلفية المشهد بـ"تسوية" أوضاع
اللاجئين الفلسطينيين في الدول التي يعيشون فيها، على أن يحصل من يعيش منهم في
فلسطين المحتلة على "شبه دولة" تهيمن عليها إسرائيل من الألف إلى الياء".
يضيف
قائلا: "كل منظومة الأمن القومي العربي بأبعادها العسكرية والسياسية
والاقتصادية سيتم تفكيكها بالكامل، وكل مقولات العالم العربي عن الحرية والوحدة
والتنمية المستقلة سيتم "تكهينها" ووضعها في المخازن، فالمخططات
الإسرائيلية والأمريكية جاهزة بالبدائل من خلال بناء تحالف وثيق بين دولارات النفط
الخليجية والتكنولوجيا الإسرائيلية، ومواجهة إيران وإجهاض كل طموحاتها النووية،
بانتظار وصول القطار السعودي بقيادة محمد بن سلمان إلى محطة التطبيع بعد أن يحل
محل والده، والذي يتردد في الصحف الغربية أنه يعارض الصلح مع إسرائيل قبل إعطاء
الفلسطينيين دولتهم المنتظرة، فإن الطريق سيكون ممهدا أمام إسرائيل لكي تحقق كل
أهدافها في الهيمنة على عالمنا العربي".
ويصل
الكاتب إلى فكرته الرئيسة بالقول: "هناك أسئلة كثيرة تحتاج إلى إجابات في هذا
الصدد، مثل كيف ستتعامل السلطات المعنية في مصر مع التصورات المعدة للإقليم ودورنا
في هذه السيناريوهات، ودورنا في مواجهة إسرائيل".
ويوضّح
أكثر بالسؤال عن "أزماتنا الاقتصادية وأوضاعنا المعيشية وديوننا الخارجية
المتزايدة، وكيف ستؤثر على سياساتنا الخارجية، وبأي درجة سوف تتأثر قناة السويس مع
التنفيذ المرتقب لمشاريع نقل النفط السعودي إلى الأسواق الغربية عبر أنابيب تصل
إلى ميناء عسقلان الإسرائيلي"، و"سؤال آخر حول، هيبتنا الثقافية في
محيطنا العربي، ثم أزمتنا مع إثيوبيا حول سد النهضة المرشحة للتصعيد، وهل هناك أي
مؤشرات لاستعادة مجالنا الحيوي في السودان أو ليبيا وبقية دول المغرب العربي بعد
أن أوشكنا أن نفقده في المشرق العربي".
الحق
أن أكبر مفاجأة في ردود الفعل على اتفاق التطبيع الإماراتي الصهيوني، هي تلك التي
تمثّلت في التغريدة السريعة التي نشرها الرئيس المصري ترحيبا بالاتفاق، ذلك أن
أبسط قارئ للسياسة في المنطقة العربية والإقليم، كان سيتوقع قدرا من التحفظ المصري
في الحديث عن الاتفاق، تماما كما كان حال الأردن الذي جاء كلامه أقرب إلى الرفض
منه إلى الترحيب، وإن كان الأصل أن يكون مباشرا، تبعا لحساسية الأمر للمصالح
الأردنية.
وإذا
كان الاتفاق يمثل خطرا على الأردن لجهة تهيئته الأجواء لـ"سلام
اقتصادي"، عبر "حل إقليمي"، يتمثل في تطبيع عربي واسع النطاق،
يمهّد لتحويل الصراع إلى نزاع، وتصفية القضية من دون توقيع، وتهديد الأردن بمشروع
"الوطن البديل"، وأقله "التوطين"، فإنه يمثل بالنسبة لمصر
تهديدا لا يقل أهمية ومحورية، فصّل فيه الكاتب المصري بشكل واضح، والذي أضيفت إليه
على نحو مفاجئ، قصة خط الأنابيب المقترح، والذي يمثل أكبر تهديد لقناة السويس منذ
إنشائها.
عندما
بدأت موجة التطبيع و"الهرولة" العربية نحو الكيان الصهيوني بعد اتفاقي
"أوسلو"، و"وادي عربة"، لم يكن أمام حسني مبارك الذي صار
الصهاينة يصفونه لاحقا بـ"الكنز الاستراتيجي"، سوى التصدي لذلك عبر قمة
الإسكندرية (منتصف التسعينيات)، بحضور مصري سوري، ورأينا عمرو موسى، وهو يهدر ضد
"الهرولة"، ويغني له "شعبولا": "بحب عمرو موسى وبكره
إسرائيل".
ليس
هذا فقط ما يبشّر به الصهاينة المنطقة، فهم لم يعودوا يترددون في الحديث عن
الهيمنة عليها باستعادة تنظيرات بيريز عن "الشرق الأوسط الجديد". وحين
يحدث ذلك، فإن الدور المصري هو الأكثر تعرّضا للتهديد، بوصفها الدولة الأكبر
عربيا، والأكثر التصاقا بالقضية الفلسطينية؛ بجانب الأردن.
من
هنا، كانت مفاجأة ترحيب الرئيس المصري بالاتفاق الإماراتي، ثم البحريني، والتي لا
يمكن إلا أن تستفز أي قارئ بسيط لمقتضيات الأمن القومي المصري الذي يهدده الكيان
أكثر من أي أحد آخر، فكيف حين يتزامن مع أزمة سد النهضة التي يبدو من العبث الحديث
عن براءة صهيونية منها.
وإذا
كان الكاتب المصري قد أحجم تحت وطأة الوضع الداخلي الذي يحاصر حرية التعبير عن
الحديث مباشرة عن أسباب الموقف، وإن أشار إلى البعد المتعلق بالدعم المالي
الإماراتي، فإن الحقيقة أن الموقف يعبر عن خلل الأولويات، واستمرار شعور النظام
بالحاجة إلى الدعم الخارجي لتثبيت وجوده وشرعيته، بجانب الامتنان لنتنياهو الذي
عمل مقاول علاقات عامة للنظام بعد الانقلاب.
إذا
لم يتغير الموقف المصري بعد الانتخابات الأمريكية، فإن مشروع الصهاينة سيأخذ دفعة
كبرى باتجاه النجاح، وهذا يعني تهديدا فادحا للأمن القومي المصري، بجانب تصفية
القضية وتهديد الأردن.
والسؤال
المهم هنا، هو: هل سيصمت رموز الدولة العميقة في مصر على هذا التفريط بالأمن
القومي، أم سيكون لهم شكل أو أشكال من التدخل، أوإرسال الرسائل لصاحب الأمر؛ في ظل تزامن ذلك مع استفحال أزمة سد النهضة؟
أما
تغيير الموقف، فسيحتاج إلى أمرين مهمين؛ الأول مصالحة داخلية، والثاني مصالحة مع
تركيا التي يستهدفها الصهاينة على نحو واضح بسبب مواقفها، وإن كان الأفضل أن تكون
تسوية إقليمية بحضور إيران، في حال كفّت عن أحلام التمدد، لا سيما أن وضعها مع
العقوبات بات صعبا للغاية أيضا.
هكذا
يمكن إحباط مشروع التمدد الصهيوني، وإلا فإن الكارثة ستزحف على نحو أسرع، وإن بقي
الأمل في انتفاضة فلسطينية شاملة، تقلب الطاولة في وجه الصهاينة، وكل من يتواطأ
معهم.