العدد 1639 /20-11-2024
عصام تليمة
انتهت الانتخابات
الأمريكية، والتي أعلن فيها فوز دونالد ترامب، بعد جولات انتخابية وحملات امتد
فيها السجال، وصال كل طرف وجال بما لديه، وكان جل العرب في العالم العربي مجرد
مشاهدين، فقد اتفق العرب والغرب ألا تكون هناك صناديق تقدر نتيجتها وتحترم، سوى في
بلاد الغرب، أما في بلاد العرب فلا يحترم فيها سوى صندوق الذخيرة والدبابة التي
تأتي لهم بحكامهم وساستهم.
ومنذ سنوات بدأ العرب
الذين يحملون الجنسية الأمريكية والأوروبية ينتبهون لأهمية أصواتهم وقيمتها، فهي
تغير وترجح في بلدان وولايات، وهو ما بدا في الانتخابات الأمريكية في ولاية ميتشجن
مثلا وغيرها، والتي اتخذ المسلمون فيها قرارا حيال هاريس لمواقفها المعلنة
والمعادية لهم.
لم يكن مستغربا في هذه
الجولة من الانتخابات الأمريكية حضور القضايا العربية في الجولات والدعاية
والمواقف، وفي قلب قضية العرب، أهم قضاياها: قضية فلسطين، والتي تمثلها حاليا:
غزة، فلم يخل حوار ولا نقاش، ولا دعاية ولا مناظرة انتخابية من الحديث عن مجريات
الأحداث في غزة، سواء من حيث المغازلة للكيان الصهيوني، والموقف من تسليحه،
والوقوف إلى جانبه مهما كانت التجاوزات، وهي سياسة أمريكية متبعة منذ زرع هذا
الكيان السرطاني في جسد الأمة.وبغض النظر عن الفرق بين المرشحين ترامب وهاريس، فإن
الدرس الأهم والأبلغ ليس في من اختار العرب ورشحوا، حيث إن المقارنة والخيار كانت بين
طرفين من حيث موقفهم من العرب لا يختلفان كثيرا، وهي معادلة تضع على عاتق الكتلة
التصويتية للمسلمين عبئا مهما وثقيلا، يحتاج إلى مؤسسات قوية وذات حضور في أمريكا.
حضور من حيث التخطيط
والعمل والعطاء، ومن حيث دراسة الواقع المعيش، الدراسة المبنية على الحقائق، والمواقف
المبنية على التصورات الصحيحة، وهي معادلة كما ذكرنا صعبة، لكنها ليست مستحيلة،
لمن أخذ بأسبابها، وهي ما ألمح إليه ابن تيمية رحمه الله في عبارته الشهيرة: (ليس
العاقل الذي يعرف الخير من الشر، ولكن العاقل من يعرف خير الخيرين، وشر الشرين).
ولذا لم يكن مستغربا
في هذه الجولة من الانتخابات الأمريكية حضور القضايا العربية في الجولات والدعاية
والمواقف، وفي قلب قضية العرب، أهم قضاياها: قضية فلسطين، والتي تمثلها حاليا:
غزة، فلم يخل حوار ولا نقاش، ولا دعاية ولا مناظرة انتخابية من الحديث عن مجريات
الأحداث في غزة، سواء من حيث المغازلة للكيان الصهيوني، والموقف من تسليحه،
والوقوف إلى جانبه مهما كانت التجاوزات، وهي سياسة أمريكية متبعة منذ زرع هذا
الكيان السرطاني في جسد الأمة.
لكن الجولة الأخيرة
كانت في ظل أحداث ملتهبة، وفي ظل كسر كبرياء الكيان، بطوفان الأقصى، وما تلاه من
أحداث، رغم إمداد أمريكا للكيان بكل ما لديها من قوة صلبة وناعمة، بالسلاح
والسياسة والمال والفيتو، وقد كانت من قبل كل حروب الكيان مع غزة، لا تمثل ضغطا
ولا عبئا عليه، فقد كان الإيلام من طرف واحد، هو طرفه.
عادت قضية فلسطين،
وعادت قضية غزة، لتكون مفروضة على أجندة كل مرشح للرئاسة الأمريكية، ولم تكن مجرد
ملف للاجئين، أو أشخاص يرزحون تحت الاحتلال الصهيوني، يكونون فيه رهن ما يسمح به،
وما لا يسمح به، وهو ما لا يجوز إهماله، أو غض الطرف عنه، بل التفكير في تعظيم هذا
الدور، وهذا الحضور.لكن هذه المرة، هناك حضور قوي، وملح، سواء على المجتمع
الإسرائيلي أو الساسة الأمريكان، وهو: أسرى الكيان، والذي لم يكن لبايدن الرئيس
الأمريكي، والمرشحين الأبرزين: ترامب وهاريس، سوى الحديث عن أسرى الكيان، ولا حديث
عن أهل غزة، في إثبات لما لدى الغرب المتصهين ونظرته للإنسان وحقوقه، فلا يؤمن بإنسان
له حقوق سوى المصطف معه، ومع منظومته للأسف.
حضرت غزة في المجال
العام الأمريكي، سواء على مستوى الجامعات وطلابها، وكشفت عن العوار الذي أصاب
السياسة، والحضارة الغربية التي كثيرا ما تغنى أصحابها والمفتونون من مفكرينا بها،
وبينت مدى توحشها، ومدى تناقضها، فرأينا موظفا في كبرى الشركات الأمريكية يفصل من
عمله، لتضامنه مع غزة، وموظفا آخر بنفس الشركة، وقد ذهب للمشاركة العسكرية في غزة،
في العدوان على الأبرياء، وقد التقط صورا يحمل الأسلحة مشاركته مع جيش الاحتلال
أثناء عدوانه، ولم تقم الشركة حياله بأي إجراء!
وحضرت غزة في التصويب
الانتخابي، وبخاصة في الأمريكان من أصل عربي، أو من المسلمين، فكان توجه الغالبية
العظمى للترجيح بين مواقف المرشحين من حيث موقفه من غزة والحرب عليها، ومن يتجه
بحملته نحو إيقاف العدوان، رغم قوة اللوبي الصهيوني، وكثرة تحركه، وخوف المرشحين
من التصريح بما يغضبه، ولذا لم يكن غريبا أن يكون حضور غزة على مستوى المرشحين، بل
وبعد إعلان النتيجة بفوز ترامب، فالحديث الآن ليس متجها فقط إلى رؤية ترامب
المستقبلية، بقدر ما ينتظر الجميع رؤيته وقراراته تجاه الحرب في غزة.
الملمح المهم في حضور
غزة هنا، ليس لعدوان الكيان عليها فقط، بل لما مثلته المقاومة من صلابتها وثباتها،
لفرض رؤيتها وقضيتها، وهو ما يعد ردا مهما على كل من يعيد ويزيد في قضية خطأ قرار
المقاومة بخوض طوفان الأقصى، فقد عادت قضية فلسطين، وعادت قضية غزة، لتكون مفروضة
على أجندة كل مرشح للرئاسة الأمريكية، ولم تكن مجرد ملف للاجئين، أو أشخاص يرزحون
تحت الاحتلال الصهيوني، يكونون فيه رهن ما يسمح به، وما لا يسمح به، وهو ما لا
يجوز إهماله، أو غض الطرف عنه، بل التفكير في تعظيم هذا الدور، وهذا الحضور.