العدد 1619 /3-7-2024

عدنان عبد الرزاق

ما يعيشه اللاجئون السوريون من أحداث عنيفة في تركيا منذ الأحد الماضي، والتي امتدت إلى ولايات عدة وصولاً إلى مناطق محررة في سورية، بدأت تكرّس أكثر فأكثر هدف الترحيل القسري، وسط خوف من تفاقم الأحداث.

"ضاقت بنا الأرض على رحابتها، ولم يعد لنا طاقة على تحمّل الغلاء وسوء المعاملة من الأتراك"... هذا ما يجمع عليه الكثير من اللاجئين السوريين في تركيا بعد تصاعد موجة العنصرية ضدهم مجدداً، والتي تلت حالات ترحيل "طوعية وقسرية" وأحداثاً دامية تخللها تخريب ممتلكات للسوريين في ولايات تركية عدة، منها قيصري وغازي عنتاب وهاتاي، قبل أن تصل الخلافات إلى الداخل السوري وتحديداً شمال غرب الباب وعفرين وريف إدلب الغربي احتجاجاً على وجود نقاط تركية.

عامر راجي (53 عاماً) هو سوري يقيم في ولاية بارتين شمالي تركيا. يقول لـ "العربي الجديد": "سأغادر تركيا إلى المناطق المحررة وألغي بطاقة الحماية المؤقتة (الكيملك) حفظاً لكرامتي. يكفينا إذلال". فيما يؤكد حسين محمد (68 عاماً) القاطن في ريف ولاية غازي عنتاب، أنه سيغادر مع ولديه إلى ريف إدلب، بعد اكتشافه تجميد بطاقته، واصفاً الأمر بـ"الترحيل المؤدّب"، ورفع إيجار منزله من 3 إلى 11 ألف ليرة تركية. يضيف: "تبقى المناطق المحررة أرحم. تغيّر الأتراك كثيراً عن وقت لجوئنا".

في المقابل، يقول المهندس مصطفى آكاي، إن لجوء السوريين في تركيا "طال وبات يسبب مشاكل كثيرة"، مشيراً في حديثه لـ "العربي الجديد" إلى أن "السوريين تسببوا بغلاء الأسعار وبدلات إيجار المنازل، وقد فاق عددهم في بعض الولايات عدد الأتراك. بدّل الأتراك من العادات والتقاليد" ما يعني برأيه "تغييراً ديموغرافياً خطراً".

ويُشاطره الرأي الأكاديمي بوراك باشران الذي حمّل السوريين "مسؤولية تراجع فرص العمل والغلاء"، مضيفاً في حديثه لـ "العربي الجديد" أن "الحل يكمن في عودة اللاجئين إلى بلدهم. بعضهم يذهب خلال العيد فيما يكتفي آخرون بزيارات ويعودون، ما يعني أن هناك إمكانية للعيش وليس من خطر".

ترحيل اللاجئين

زادت حالات ترحيل السوريين بعد الانتخابات التركية العام الماضي، رغم تراجع استخدام المعارضة ورقة اللاجئين وتحميلهم وزر تراجع مستوى المعيشة وارتفاع الأسعار وبدلات الإيجار وغيرها. وتكشف مصادر خاصة أن عمليات الترحيل القسرية مقررة من رئاسة الهجرة في مدينتي عنتاب وكلس الآن، وسيتبعها ترحيل في مدن أورفة ومرسين وهاتاي ومرعش، أي مناطق توزع اللاجئين السوريين على امتداد الشريط الحدودي الجنوبي.

يقول رئيس تجمع المحامين الأحرار في تركيا، غزوان قرنفل: "ترحيل السوريين طوعاً وإكراهاً بات سياسة تركية تتوافق عليها الحكومة والمعارضة، لكن التطورات السياسية المتسارعة بين تركيا والنظام السوري، بالإضافة إلى الضغوط التي تتعرض لها الحكومة التركية من أحزاب المعارضة بشأن اللاجئين، والمطالبة بترحيل السوريين على اعتبار أن سورية باتت آمنة، زادت من أعداد المرحلين وفجرت الأحداث، وخصوصاً بعد بيان منظمات المجتمع المدني الشهر الماضي".

يضيف قرنفل أن عملية الترحيل مستمرة وفي أكثر من ولاية، وإن طفت على السطح ولاية غازي عنتاب التي رحلت الآلاف خلال أيام. لكن الترحيل يستهدف من ليس لديه وضع قانوني، أو من لم يلتزم بتحديث البيانات. لكن تم ترحيل حالات نظامية لأسباب لا تستوجب الترحيل".

بدوره، يقول المحلل التركي طه عودة، لـ "العربي الجديد": "موجة ترحيل اللاجئين تزايدت بعد الانتخابات الرئاسية والبلدية. اللافت أن هناك تنافساً كبيراً بين الحكومة والمعارضة حول ملف اللاجئين، والمعارضة تلعب على هذا الوتر لأنها طرحته خلال حملتها الانتخابية وتريد تأكيد التزامها في الشارع". يضيف أن الأحداث الأخيرة تضع مصير اللاجئين في خانة المجهول خلال المرحلة المقبلة، وخصوصاً في ظل الحديث عن تقارب مع نظام الأسد. نتحدث عن الملايين وجيل كامل مرتبط بالتعليم والعمل، وما من طمأنة من الحكومة التركية".

بدوره، يقول رئيس الائتلاف السوري المعارض السابق نصر الحريري، " إنّ "السياسات المتبعة الآن بترحيل السوريين وأثرها المجتمعي موضوع معقد، ولا بد من النظر إلى حقوق اللاجئ من دون إغفال الواقع التركي، بمعنى العمل على سياسة تعزز التكامل الاقتصادي والاجتماعي والحرص على تقديم الدعم والحياة الكريمة للاجئ والتركي في آن". يضيف الحريري أنه "منذ بداية الثورة وجراء استخدام العنف والقتل من قبل النظام السوري، استقبلت تركيا ولا تزال أكثر من أربعة ملايين سوري بين حملة الكيملك والإقامات السياحية والإنسانية". لكن وبعد استخدام المعارضة وأحياناً الحكومة اللاجئين ورقة سياسية، اتبعت تركيا خلال السنوات الأخيرة وسائل لترحيل اللاجئين من خلال العودة الطوعية إلى شمال غرب سورية. وقدمت أحياناً إغراءات لتحفيز تلك العودة، بالإضافة إلى إجراءات صارمة حيال المخالفين وتقييد الحركة بين المدن، عدا عن إتفاقيات دولية عقدتها تركيا لتخفيف حمل اللاجئين عنها.

تلك السياسات أدّت إلى توتّرات داخل المجتمع التركي بعد تولد شعور بأن اللاجئين هم سبب العبء الاقتصادي والتغيير الديموغرافي، وهو ما حاولت بعض أحزاب المعارضة بثه وتكريسه وخصوصاً قبل وخلال الانتخابات، ما خلق ردود أفعال وأعمال عنف بعد تراجع تلبية احتياجات الأتراك في قطاعات محددة مثل التعليم والصحة وارتفاع أسعار المنتجات الغذائية. التوترات في المجتمع التركي تنعكس للأسف، إلى خارج الحدود، كما رأينا اليوم شمالي سورية. للأسف، الأمر ليس في مصلحة البلدين الشقيقين، والأحداث لا تخدم إلا النظام والأطراف الداعمة له. ومن غير المستبعد تدخل أطراف لتأجيج الأحداث، داعياً إلى البحث عن حلول حقيقية ودائمة للاجئين.

وبحسب بيانات دائرة الهجرة التركية، يبلغ عدد اللاجئين السوريين المقيمين في تركيا الآن 3 ملايين و120 ألفاً و430 شخصاً، بعدما كان عددهم 3 ملايين و158 ألفاً و724 شخصاً في فبراير/ شباط الماضي. في حين وبحسب المصدر نفسه، بلغ إجمالي عدد السوريين الخاضعين لبند "الحماية المؤقتة" في عموم الولايات التركية، 3 ملايين و226 ألفاً و141 شخصاً نهاية عام 2023 بعد تراجعه بنحو 309 آلاف سوري تم ترحيلهم عام 2023.

وثمّة من يرى أنّ تصريحات وزير الخارجية هاكان فيدان، ثم تصريحات الرئيس رجب طيب أردوغان، حول التقارب والتطبيع مع نظام بشار الأسد، وعن لقاء مرتقب، ساهمت في الاحتقان وصولاً إلى حرق ممتلكات السوريين في ولايات عدة بعد ارتفاع وتيرة الترحيل القسري التي تقدرها مصادر "بمئات الآلاف ما بعد الانتخابات الرئاسية وصولاً إلى ترحيل مليون سوري العام الجاري".

ويشدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على أنه "لا يمكن تحقيق أي هدف من خلال تأجيج معاداة الأجانب وكراهية اللاجئين في المجتمع"، مضيفاً أن "الخطاب المسموم للمعارضة أحد أسباب الأحداث المحزنة التي تسببت بها مجموعة صغيرة في ولاية قيصري ليل الأحد".

مساعي تهدئة

وتحاول تركيا، عبر وسائل عدة، تطويق الأحداث التي اتسعت إلى ولايات تركية عدة وشمال سورية، عبر محاسبة المسيئين للاجئين وممتلكاتهم، وتعويض المتضررين ومحاسبة من تقول إنهم أججوا المشاكل. وتقول عضو اللجنة المشتركة التركية السورية إيناس النجار، لـ "العربي الجديد": "نحن على تواصل مع الحكومة التركية على كافة الأصعدة الحكومية والاجتماعية للتشديد على ضرورة إيقاف العنصريين ووضع حل جذري للأمر من خلال قوانين صارمة".

من جهتها، خاطبت هيئة الإغاثة الإنسانية وحقوق الإنسان والحريات (İHH) الأتراك والسوريين، عبر بيان، قائلة إن الاحتجاجات التي وقعت في مدينة قيصري وفي ولايات جنوبية تركية وفي المناطق الشمالية من سورية، هي اعتداء صارخ على الأخوة التي تربط بين الشعب التركي والسوري منذ قرون، داعية الجميع إلى التعقل ضد جميع الاستفزازات والابتعاد عن جميع أنواع الأعمال التي من شأنها تعريض سلام المجتمع وأمنه للخطر.