العدد 1571 /19-7-2023
محمد أمين
أبقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الباب موارباً
أمام احتمال لقائه رئيس النظام السوري بشار الأسد، لوضع حدّ لقطيعة سياسية بين
أنقرة ودمشق منذ بداية عام 2012، إلا أنه اعتبر شرط الأسد الانسحاب العسكري التركي
من سورية "غير مقبول"، ما يشير إلى أن التقارب ما يزال بعيد المنال، في
ظل تبدل واضح في السياسة الخارجية التركية بعيد الانتخابات التشريعية والرئاسية
التركية التي أجريت في مايو/ أيار الماضي.
وفي تصريحات أدلى بها أول من أمس الإثنين، أكد
أردوغان أنه منفتح على عقد لقاء مع رأس النظام السوري بشار الأسد، بيد أنه قال إن
انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية، كشرط مسبق لإجراء محادثات، "غير
مقبول". وأضاف أردوغان: "نحارب الإرهاب هناك"، متسائلاً: "كيف
يمكننا الانسحاب بينما تتعرض بلادنا لتهديد مستمر من الإرهابيين على حدودنا؟ نتوقع
نهجاً عادلاً".
وجاءت تصريحات الرئيس التركي بعد تصريحات لرئيس
النظام السوري أدلى بها خلال مؤتمر صحافي عقده مع رئيس الوزراء العراقي محمد شيّاع
السوداني، في العاصمة السورية دمشق، اتهم فيها الجانب التركي بـ"سرقة حصة سورية
والعراق من مياه نهر الفرات"، زاعماً أن "بعض دول الجوار تورطت بشكل
مباشر في دعم هذا الإرهاب إما لأسباب توسعية أو لأسباب عقائدية متخلفة"، في
إشارة ربما إلى تركيا.
ويضع النظام السوري الانسحاب العسكري التركي من
شمالي سورية شرطاً لإتمام عملية التقارب بين دمشق وأنقرة والتي بدأت أواخر العام
الماضي برعاية ودفع من موسكو. والتقى وزير الدفاع التركي السابق خلوصي أكار أكثر
من مرة نظيره في حكومة النظام، علي محمود، وكذلك التقى وزير الخارجية التركي
السابق مولود جاووش أوغلو بوزير خارجية النظام فيصل المقداد، في موسكو، في مايو
الماضي.
وكان من المتوقع أن يشهد هذا التقارب تقدماً
كبيراً قبيل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية، إلا أن الأسد رفض الاستجابة
لمطالب روسية بعقد لقاء قمة مع أردوغان. ولكن رئيس النظام السوري خسر الرهان على
فوز المعارضة التركية بالانتخابات، وهو ما دفع الحكومة التركية الجديدة إلى رفض أي
شروط يضعها الأسد قبيل المضي في طريق التطبيع وعودة العلاقات الدبلوماسية، وخصوصاً
لجهة الانسحاب من شمالي سورية والذي تحوّل جانب كبير منه إلى منطقة نفوذ تركية بلا
منازع.
وتعليقاً على تصريحات أردوغان، رأى المحلل السياسي
التركي هشام جوناي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن هذه التصريحات
"لم تغلق الباب التركي أمام الأسد"، مشيراً إلى أن الرئيس التركي
"بدّل من نبرة الخطاب حيال نظام الأسد". وأضاف جوناي: "بعد
الانتخابات التركية تغيّر مسار السياسة التركية كلها". وأوضح: "هناك
تقارب تركي مع حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة بعد الموافقة التركية على
انضمام السويد لهذا الحلف، في مقابل تراجع في العلاقات التركية مع الجانب الروسي.
هناك انتهاء اتفاقية نقل الحبوب الأوكرانية، وموقف تركي داعم لكييف".
وبيّن جوناي أن "أردوغان غيّر من شروط عقد لقاء
مع الأسد"، مضيفاً أنه "قبل الانتخابات، أردوغان لم يكن يشترط شيئاً،
ولكن الإثنين (أول من أمس) تحدث بشكل صريح عن بقاء القوات التركية في شمال سورية،
وأن شرط النظام الانسحاب قبل الجلوس إلى طاولة التفاوض غير مقبول". وتابع:
"ربما يريد أردوغان معاقبة الأسد لأن الأخير تأنى ورفض مقابلة أردوغان قبل
الانتخابات، لأن الأسد كما يبدو راهن على فوز المعارضة التركية"، معتبراً أن
"تصريحات أردوغان تغيير في قواعد اللعبة الخاصة بالملف السوري".
ووضعت موسكو خريطة طريق لردم الهوّة بين تركيا
والنظام السوري وتطبيع العلاقات بينهما، ولكن شرط النظام يقف حجر عثرة أمام الجهود
الروسية التي "ستستغرق بعض الوقت"، وفق تصريحات المبعوث الخاص للرئيس
الروسي إلى سورية، ألكسندر لافرنتييف، أواخر الشهر الماضي.
من جهته، رأى المحلل السياسي أحمد القربي، في حديث
مع "العربي الجديد"، أن تصريحات الرئيس التركي حول انفتاحه على لقاء مع
الأسد مع استبعاد شرط الانسحاب من الشمال السوري "مراوحة في المكان".
وتابع القربي: قبل الانتخابات التركية التي جرت في
مايو، كان هناك اندفاع تركي واضح للانفتاح على نظام الأسد، من أجل توظيف هذا الأمر
في الحملة الانتخابية، ولكن بعد الانتخابات رفعت أنقرة سقف الشروط، خصوصاً أنه لم
تعد هناك فائدة من التقارب مع نظام الأسد". وتابع: أنقرة ترى أن النظام ليس
قادراً على تقديم أي شيء في خصوص الملفات التي تؤرق الأتراك خصوصاً لجهة ملف
اللاجئين السوريين في تركيا، أو ملف محاربة "قوات سوريا الديمقراطية"
(قسد)، إضافة إلى الوجود العسكري الأميركي شمال شرقي سورية.
ورأى القربي أن تصريحات أردوغان "لا تحمل
جديداً حيال الموقف التركي بما يتعلق بنظام الأسد"، مضيفاً: "هي تكرار
للموقف التركي المعلن حول الاستعداد لعقد قمة بين أردوغان والأسد، ولكن ليس وفق
الشروط التي وضعها الأخير، والمتعلقة بالانسحاب العسكري التركي من شمال سورية".
واعتبر القربي أن أنقرة "تريد الحصول على
تنازلات من نظام الأسد في العديد من الملفات، أبرزها ملفا اللاجئين ومحاربة
قسد"، مضيفاً أن "الأتراك يريدون تعاوناً من النظام في هذين الملفين،
ولكنه غير قادر على فعل أي شيء، فملف قسد أميركي بالدرجة الأولى، والنظام هو سبب
مشكلة اللاجئين ومن ثم لن يكون جزءاً من حل قضيتهم".
وللجيش التركي قواعد في شمال وشمال غربي سورية
غربي نهر الفرات، وفي الشمال الشرقي في منطقة شرقي الفرات، لمواجهة تهديدات للأمن
القومي التركي تقول أنقرة إن مصدرها "قسد" التي تشكل "وحدات حماية
الشعب" الكردية ثقلها الرئيسي وتسيطر على جل الشمال الشرقي من سورية.
وتؤكد تصريحات الرئيس التركي أن بلاده ليست بصدد
البحث في قضايا تخص الانسحاب من الشمال السوري الذي تسيطر عليه فصائل معارضة تابعة
لها. وتستند أنقرة على اتفاقية "أضنة" الشهيرة والموقعة مع النظام في
عام 1998 والتي تسمح للجيش التركي بالتوغل 5 كيلومترات داخل الأراضي السورية
لمواجهة أي تهديد للأمن القومي التركي. ولكن الجيش التركي اليوم توغل إلى أبعد من
ذلك، خصوصاً في محافظة إدلب شمال غربي سورية، ونشر آلاف الجنود في قواعد ونقاط
عدة، يريد النظام انسحابهم ليستعيد السيطرة على الشمال السوري برمته.