العدد 1694 /17-12-2025
عدنان عبد الرزاق
كشفت حصيلة الصادرات التركية خلال العام 2025 عن
تحول نوعي في موقع التجارة الخارجية داخل الاقتصاد، بعدما سجلت حتى مطلع كانون
الأول/ديسمبر الجاري أعلى قيمة صادرات على الإطلاق وتخطت 270 مليار دولار رغم
الظروف الاستثنائية التي مرت بها البلاد من صقيع وفيضانات أثرت على الإنتاج
الزراعي وصادراته، لدرجة أن مراقبين وصفوها بـ"نكبة زراعية". وأظهرت
البيانات الرسمية اتساع خريطة الشركاء التجاريين لأنقرة، في وقت تتسم فيه البيئة
الاقتصادية العالمية بتباطؤ الطلب وارتفاع تكاليف التمويل واضطراب سلاسل الإمداد.
وكذلك اتساع رقعة الصادرات نحو دول الجوار ومجموعة العشرين، مع تسجيل تطورات لافتة
في خريطة الشركاء، أبرزها القفزة القوية في الصادرات إلى سورية، بما يعكس تحولات
ملموسة في اتجاهات التجارة التركية وقدرتها على التكيف مع المتغيرات الاقتصادية
العالمية.
وسجل حضور المنتجات التركية في دول الجوار هذا
العام زيادة بنسبة 3.4% مقارنة بعام 2024، لتصل قيمة الصادرات حتى مطلع
ديسمبر/كانون الأول الجاري إلى 25.3 مليار دولار، وفق بيانات وزارة التجارة
التركية، التي أظهرت أيضا ارتفاع إجمالي الصادرات التركية خلال عام 2025 بنسبة
3.7% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. وزادت صادرات تركيا إلى دول الجوار،
وإن بوتيرة أقل من الزيادة المسجلة مع الاتحاد الأوروبي ودول مجموعة العشرين، التي
بلغت وفق المصادر الرسمية نحو 100 مليار دولار خلال العام الجاري. وبلغت صادرات
تركيا إلى دول الجوار، وهي أذربيجان وبلغاريا وجورجيا وإيران والعراق وسورية
واليونان، نحو 25 مليارا و310 ملايين و335 ألف دولار.
العراق بالصدارة وسورية الأعلى نموا
وتصدر العراق قائمة دول الجوار المستوردة من تركيا
بقيمة تقارب 9.3 مليارات دولار، تليه بلغاريا بنحو 4.2 مليارات دولار، ثم اليونان
بنحو 3.2 مليارات دولار. وتراجعت إيران عن أوائل الشركاء التجاريين، رغم حرص
البلدين على إيصال التبادل إلى 10 مليارات دولار كما أكد وزير الصناعة والتعدين
والتجارة الإيراني، محمد أتابك، خلال لقائه وزير التجارة التركي عمر بولاط في
أنقرة الشهر الماضي.
وكان التطور الأبرز في صادرات تركيا لعام 2025 هو
الارتفاع الحاد في الصادرات إلى سورية، التي جاءت في المرتبة الأولى من حيث أعلى
معدل نمو سنوي بين دول الجوار بنسبة 54.2%، تلتها أذربيجان بنسبة 6.1%، ثم بلغاريا
بنسبة 6%.
ويفسر الاقتصادي التركي أوزجان أويصال هذه
التحولات في خريطة الشركاء التجاريين بأن إيران عاشت عام حرب وحصار، الأمر الذي
صعب التبادل التجاري، في حين أن هذا العام بالنسبة لسورية كان عام استيراد نتيجة
شلل الإنتاج وتهديم البنى، فضلا عن الانفتاح على تركيا وتخفيض الرسوم فيما بين
البلدين بعد التحرير. وأشارت وزارة التجارة التركية إلى أن صادرات تركيا إلى دول
مجموعة العشرين ارتفعت بنسبة 46.2% بين عامي 2020 و2024، لتتجاوز 100 مليار دولار
العام الماضي، وتبلغ نحو 75.6 مليار دولار حتى نهاية الربع الثالث من العام
الجاري. وتضم مجموعة العشرين الأرجنتين وأستراليا والبرازيل وكندا والصين وفرنسا
وألمانيا والهند وإندونيسيا وإيطاليا واليابان والمكسيك وروسيا والسعودية وجنوب
أفريقيا وتركيا وكوريا الجنوبية والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، إضافة إلى
الاتحاد الأوروبي.
وحول قيمة الصادرات إلى دول مجموعة العشرين، التي
بلغت 75.6 مليار دولار حتى نهاية الربع الثالث من العام الجاري، مقارنة بتجاوزها
100 مليار دولار خلال العام الماضي، قال أويصال لـ"العربي الجديد" إن من
بين دول المجموعة شركاء تركيا التقليديين، وفي مقدمتهم الاتحاد الأوروبي، إضافة
إلى روسيا التي تصنف ثالث أكبر شريك تجاري لتركيا بعد الصين والهند. وأشار إلى أن
الحديث عن مجموعة العشرين يعني التعامل مع أكثر من 80% من الناتج الاقتصادي
العالمي، وأكثر من 75% من حجم التجارة الدولية. ويلفت الاقتصادي التركي إلى أن
آفاق تركيا التجارية تبدو واعدة أيضا مع منظمة الدول التركية، التي تشهد نموا
متسارعا خلال السنوات الأخيرة، معتبرا أن من أسرار ثبات الصادرات التركية وزيادتها
نجاحها في اختراق القارات الخمس، ولا سيما بعد توسع حضورها في القارة الأفريقية،
وتحسن علاقاتها التجارية مع دول أميركا الجنوبية والولايات المتحدة خلال الأعوام
الماضية.
وكان وزير التجارة التركي عمر بولاط قد أعلن
الأسبوع الماضي أن الصادرات التركية ارتفعت خلال العام الجاري بنسبة 2.9%، في حين
تراجعت الواردات بنسبة 4.4%. وأوضح أن قيمة الصادرات قفزت من 262 مليار دولار في
عام 2024 إلى 270.6 مليار دولار خلال العام الجاري. وأضاف بولاط أن الاقتصاد
التركي نما بنسبة 3.7% خلال الربع الثالث من العام الحالي، مؤكدًا أن الصادرات تعد
أحد المحركات الرئيسية للنمو الصناعي، وأن تركيا حققت نموا على مدى 21 ربعا
متتاليا، متجاوزة هدف البرنامج متوسط المدى المتمثل في بلوغ الدخل القومي 1.538
تريليون دولار.
أعلى مستوى بتاريخ تركيا
وتتطابق هذه الأرقام إلى حد كبير مع تصريحات
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الشهر الماضي، حين أعلن أن حجم الصادرات السنوية
لبلاده بلغ في أكتوبر/تشرين الأول 270.2 مليار دولار، وهو أعلى مستوى في تاريخ
تركيا. كما أشار أردوغان إلى أن صادرات قطاع الخدمات بلغت 91.9 مليار دولار حتى
نهاية الربع الثالث من العام الجاري، وأن الحكومة تستهدف رفع صادرات السلع
والخدمات من 379 مليار دولار في عام 2024 إلى 390 مليار دولار بنهاية عام 2025.
وتركز أنقرة على رفع قيمة الصادرات لتعزيز تنافسية منتجاتها في الأسواق الخارجية،
وتوفير العملات الأجنبية لدعم توازن العرض والطلب في السوق المحلية، وتحسين سعر
صرف الليرة التركية التي سجلت 42.5 ليرة مقابل الدولار، إضافة إلى تعزيز موقع
البلاد في سلاسل الإنتاج العالمية. واعتمدت الحكومة خلال السنوات الأخيرة سياسات
لدعم الإنتاج المحلي، شملت برامج تحفيز وتسهيلات تمويلية للصناعات التصديرية، إلى
جانب مساع لتحسين ميزان الحساب الجاري عبر زيادة عائدات التصدير والسياحة
والخدمات.
ويرجح مراقبون أن الزيادة في صادرات الصناعات
الدفاعية عوضت جزئيا تراجع الصادرات الزراعية والصناعية خلال عام وصف بعام الكوارث
الزراعية، إذ تجاوزت صادرات الصناعات الدفاعية 7 مليارات دولار، وفق تقرير سابق
لوكالة الأناضول. وارتفعت صادرات قطاع الدفاع والطيران من 2.2 مليار دولار في عام
2020 إلى أكثر من 7 مليارات دولار في عام 2024، مستفيدة من قيمتها المضافة العالية
والتطور التكنولوجي المتسارع. ويؤكد المراقبون أن تنوع الصادرات التركية، جغرافيا
وقطاعيا، بين الزراعية والصناعية والدفاعية، لعب دورا حاسما في إعادة توازن النمو
الاقتصادي، في ظل تباطؤ التجارة العالمية وارتفاع تكاليف التمويل واضطراب سلاسل
الإمداد. وأسهم ارتفاع الصادرات إلى مستويات قياسية، واتساع قاعدة الشركاء
التجاريين، في دعم النمو الصناعي وتخفيف الضغوط على الميزان التجاري والحساب
الجاري، بما حول الصادرات من عامل داعم إلى عنصر فاعل في توجيه مسار النمو خلال
عام اتسم بظروف اقتصادية عالمية غير مواتية.
الصادرات للخليج تتضاعف 4 مرات
وسجلت الصادرات التركية مع دول الخليج العربي
تضاعفا بنحو أربع مرات خلال السنوات الأخيرة لتبلغ نحو 127 مليار دولار. كما برزت
الولايات المتحدة بما هي أحد الأسواق التي شهدت تطورا ملحوظا في حجم الصادرات هذا
العام، من دون أن يلغي ذلك تراجع التبادل التجاري مع روسيا بنحو 10% مقارنة بعام
2023، حين بلغ حجم التبادل 56.5 مليار دولار، لتصبح تركيا ثالث أكبر شريك تجاري
لروسيا بعد الصين والهند. وتشهد العلاقات الاقتصادية بين أنقرة وواشنطن تطورا
متدرجا، في ظل تطلعات مشتركة لبلوغ حجم تبادل تجاري قدره 100 مليار دولار، بحسب
تصريحات متكررة للرئيس أردوغان. وفي هذا السياق، أعلن وزير التجارة عمر بولاط،
الذي يزور الولايات المتحدة، أنه بحث مع نظيره الأميركي هوارد لوتنيك سبل تعزيز
الشراكة الاقتصادية والتجارية بين البلدين، وأكد في تدوينة عبر منصة "إن
سوسيال" التركية التزام الجانبين بتحقيق هدف التبادل التجاري البالغ 100
مليار دولار.
وبحسب البيانات الرسمية، ارتفع حجم التبادل
التجاري بين تركيا والولايات المتحدة من 21.7 مليار دولار في عام 2020 إلى 27.8
مليار دولار في 2021، ثم إلى 32.1 مليار دولار في 2022، قبل أن يتراجع إلى 30.7
مليار دولار في 2023، ليعاود الارتفاع إلى 32.5 مليار دولار خلال العام الماضي.
وحول كيفية وصول تركيا لمستوى قياسي بصادراتها، رغم ما مر به اقتصادها من تراجع
بالإنتاج الزراعي وحتى بعض الصناعي، كالغزل والنسيج والألبسة، والأهم الاضطرابات
بالمنطقة وما يتركه الجيوسياسي على التجارة والاقتصاد، يرى الاقتصادي التركي خليل
أوزون أن الإجابة تكمن في تبدل بنية الصادرات التركية، إذ لم يعد النسيج والألبسة
وحتى الخضر والفواكه، على أهميتها وما تشكله من الصادرات، اهتمام بلاده الأساسية
بالصادرات وزيادة قيمتها.
تحول لافت وسط منافسة صينية
وحول انعكاس الزيادة المتسارعة في الصادرات
التركية على وفرة المعروض ومستويات الأسعار في السوق المحلية، لا سيما في ظل
استمرار الضغوط المعيشية وارتفاع التضخم إلى نحو 31%، وتراجع القدرة الشرائية
للأتراك، خصوصا شريحة العاملين بأجر الحد الأدنى، الذي يبلغ نحو 22 ألف ليرة
شهريا، مقابل كلفة معيشة تقدر بنحو 90 ألف ليرة للأسرة الواحدة، وفق تقديرات اتحاد
العمال، يقول صاحب متاجر "فاتح ماركت" في إسطنبول، إلهان آدم،
لـ"العربي الجديد"، إن وفرة السلع في السوق المحلية لم تتأثر إطلاقا
بارتفاع الصادرات، موضحا أن الزيادات السعرية، ولا سيما في الفواكه والسلع
الاستهلاكية، تعود أساسا إلى معدلات التضخم وتراجع سعر صرف الليرة، لا إلى نقص
المعروض. وأشار إلى أن بعض الأسعار شهدت انخفاضا، فيما استقرت أخرى خلال الشهر
الأخير.
وأوضح شنكولر أن السياسات الاقتصادية باتت تركز
على التأهيل الصناعي والاستثمار في قطاعات التصنيع الموجهة للتصدير، لا سيما
الصناعات ذات القيمة المضافة العالية، مثل الطيران والفضاء، والمعدات الكهربائية،
وأجهزة الحاسوب، والمركبات، والمنتجات الطبية، إلى جانب القفزة اللافتة في صادرات
الصناعات الدفاعية، بما يشمل الأسلحة والذخائر. ويخلص المحلل التركي إلى أن
التصدير يشكل خيارا استراتيجيا للاقتصاد التركي، ليس فقط لتعزيز النمو، بل لتكريس
حضور البلاد في الأسواق الدولية التي تسعى الحكومة إلى توسيعها باستمرار. ويقر في
الوقت نفسه بتأثير المنافسة الصينية القوية، خاصة في قطاع الألبسة، وبأثر التباطؤ
الاقتصادي العالمي، معتبرا أنه لولا هذه العوامل لكانت الصادرات التركية مرشحة
لتجاوز 300 مليار دولار هذا العام.