العدد 1694 /17-12-2025

فقد سوق العمل الأميركي نحو 41 ألف وظيفة خلال شهري أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني، فيما ارتفع معدل البطالة إلى 4.6% في نوفمبر، وهو أعلى مستوى له منذ عام 2021، وفقًا لبيانات وزارة العمل الأميركية، ما يعزز المخاوف بشأن متانة الاقتصاد. وجاء تقرير الوظائف، الذي كان منتظرًا منذ فترة، متأخرًا بسبب إغلاق الحكومة الفيدرالية، الأمر الذي أربك الاقتصاديين وصنّاع السياسات في محاولاتهم لتقييم وتيرة تباطؤ سوق العمل خلال فصل الخريف. ويتزامن ذلك مع بدء ظهور آثار السياسات الاقتصادية للرئيس الأميركي دونالد ترامب، بما في ذلك فرض رسوم جمركية أعلى وتشديد إجراءات إنفاذ قوانين الهجرة.

وقال غاي بيرغر، مدير الأبحاث الاقتصادية في معهد بيرنينغ غلاس، لصحيفة واشنطن بوست، إن سوق العمل يشهد تباطؤًا، وهو ما يمثل تغيرًا مقارنة ببداية الصيف، حين بدا أن الأوضاع مستقرة نسبيًا، لكن البيانات تشير إلى أن الاتجاه يسير مجددًا نحو الأسوأ، وأوضح أن التقرير لا يتضمن معدل البطالة لشهر أكتوبر/تشرين الأول بسبب تعذر جمع بيانات المسح خلال فترة الإغلاق الحكومي، في سابقة هي الأولى منذ بدء هذا المسح عام 1948.

كما ساهمت الاستقالات المؤجلة لعشرات الآلاف من الموظفين المدنيين في الحكومة الفيدرالية، ضمن برنامج أطلقته إدارة ترامب في وقت سابق من هذا العام، في التأثير على سوق العمل خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول. ويشهد سوق العمل الأميركي حالة من التراجع منذ يونيو/حزيران، مع تباطؤ وتيرة التوظيف إلى مستويات تقترب من أدنى مستوياتها منذ أكثر من عقد، بالتوازي مع ارتفاع معدل البطالة. وأدت مجموعة من العوامل الضاغطة، من بينها الرسوم الجمركية، والتضخم، وحذر المستهلكين في الإنفاق، إلى دفع أرباب العمل لتعليق خطط التوظيف.

وفي الوقت نفسه، سرحت بعض الشركات، لا سيما في قطاع الوظائف المكتبية، موظفين أو أعلنت عن تخفيضات خلال فصل الخريف، خصوصًا مع تنامي استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي التي قد تجعل بعض الوظائف زائدة عن الحاجة. ورغم ذلك، لا تزال طلبات إعانات البطالة التي تُعد المؤشر الأكثر قربًا لقياس عمليات التسريح في الاقتصاد منخفضة نسبيًا، وإن كانت قد سجلت ارتفاعًا طفيفًا يوم الخميس الماضي.

من جهته، قال سام كوهن، الخبير الاقتصادي في شركة أبكاست المتخصصة في برمجيات التوظيف، إن الشركات تحتاج إلى قدر من اليقين عند اتخاذ قرارات التوظيف ووضع خطط الاستثمار، ومع ازدياد حالة عدم اليقين الاقتصادي يصبح اتخاذ هذه القرارات أكثر صعوبة. وأضاف: لا أعلم ما إذا كان ذلك يعني بالضرورة تدهور أوضاع الشركات، أم أنها ببساطة تفضّل الانتظار لمعرفة ما قد يحدث في عام 2026.

وكان رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول قد أشار الأسبوع الماضي إلى تراجع سوق العمل لتبرير خفض أسعار الفائدة للمرة الثالثة هذا العام، كما حذّر من أن الإحصاءات الرسمية ربما تكون تبالغ في تقدير عدد الوظائف الجديدة بنحو 60 ألف وظيفة شهريًا، واصفًا بيانات الوظائف بأنها معقدة وغير اعتيادية. وفي ظل انخفاض عدد الداخلين الجدد إلى سوق العمل، جزئيًا بسبب تشديد إدارة ترامب إجراءات إنفاذ قوانين الهجرة، لم يعد الاقتصاد بحاجة إلى خلق مئات الآلاف من الوظائف شهريًا للحفاظ على استقرار معدل البطالة، ويشير اقتصاديون إلى أن توفير نحو 50 ألف وظيفة شهريًا ربما يكون كافيًا لتحقيق هذا الهدف.

وساهمت سلسلة من عمليات التسريح البارزة خلال الخريف في تغذية القلق بشأن أوضاع سوق العمل. ووفق تقرير منفصل صادر عن وزارة العمل يوم الاثنين، ارتفع معدل التسريحات بشكل ملحوظ في أكتوبر. غير أن تقديرات أولية صادرة عن بنك الاحتياطي الفيدرالي في كليفلاند أظهرت أن نحو 20 ألف أميركي في 16 ولاية تلقوا إشعارات تسريح في نوفمبر/تشرين الثاني بموجب قانون وارن، وهو تراجع كبير مقارنة بنحو 36 ألف حالة سُجلت في أكتوبر/تشرين الأول في الولايات نفسها.

ومنذ إغلاق الحكومة، يعتمد الاقتصاديون وصنّاع السياسات بشكل متزايد على بيانات تجمعها جهات خاصة، مثل شركتي إيه دي بي وريفيليو لابس، لتقييم أوضاع سوق العمل. وقد أظهرت هذه التقارير أن سوق العمل انكمش خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني. وقال كوهن: "إذا كنت عاملاً فقدت وظيفتك أخيرًا أو تبحث عن عمل جديد، فلن تجد عددًا كبيرًا من الشركات التي توظف حاليًا".

يعكس الأداء الأخير لسوق العمل الأميركي مرحلة دقيقة تتداخل فيها عوامل السياسة الاقتصادية، والتقلبات العالمية، والتحولات التكنولوجية مع آثار الإغلاق الحكومي وعدم اليقين التشريعي. فبينما لا تزال مؤشرات التسريح الجماعي ضمن حدود يمكن السيطرة عليها، فإن تباطؤ التوظيف وارتفاع البطالة يشيران إلى فقدان تدريجي للزخم الذي ميّز الاقتصاد الأميركي في السنوات الماضية. ومع اعتماد متزايد على بيانات القطاع الخاص لسد فجوات الإحصاءات الرسمية، يبقى المشهد مفتوحًا على سيناريوهات متعددة، يتوقف مسارها إلى حد كبير على قدرة صانعي السياسات على استعادة الاستقرار وتعزيز الثقة لدى الشركات والمستهلكين معًا خلال المرحلة المقبلة.