العدد 1655 /12-3-2025

ركابي حسن يعقوب

لم يعد خافيًا أن "قوى الحرية والتغيير" بقيادة عبدالله حمدوك، المتحوّرة لاحقًا إلى "تقدم"، ثم إلى "صمود"، ثم مؤخرًا إلى "تحالف السودان التأسيسي"، هي الجناح السياسي لمليشيا الدعم السريع والحاضنة المدنية لها، وظلت وما تزال تمثل الحليف السياسي لمليشيا الدعم السريع.

وقد بدأ هذا الحلف عقب أحداث 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، فيما عُرف بـ"الثورة التصحيحية"، التي تم فيها عزل رئيس الوزراء حينها عبدالله حمدوك وحل حكومته من قبل رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبدالفتاح البرهان، ثم أعاده مرة أخرى إلى منصبه في 21 نوفمبر/ تشرين الثاني من نفس العام، وذلك بعد أقل من شهر.

وتم توقيع اتفاق يقضي بإعادة الانتقال الديمقراطي إلى مساره، وتشكيل حكومة جديدة، لكن عبدالله حمدوك لم يتمكن من تشكيلها؛ بسبب الخلافات المتفاقمة داخل قوى الحرية والتغيير نفسها، مما أفضى في نهاية المطاف إلى استقالة حمدوك من منصبه بعد أربعين يومًا فقط من إعادته إليه.

الفشل الأول

كانت هذه نقطة البداية في توثيق عُرى العلاقة والتحالف ما بين مجموعة حمدوك المعروفة بالمجلس المركزي، ومليشيا الدعم السريع بقيادة حميدتي، الذي كان في ذلك الوقت نائبًا لرئيس مجلس السيادة الانتقالي.

وقد كان السبب الرئيسي لقيام هذا التحالف، هو التوافق في طموحات كل من حمدوك ومجموعته السياسية من جهة، وقائد مليشيا الدعم السريع حميدتي من جهة أخرى، فمجموعة حمدوك كان طموحها هو اختصار طريق الوصول إلى السلطة باستخدام بندقية الدعم السريع في مواجهة الجيش، الذي تعتقد أنه ما يزال يدين بالولاء لنظام البشير وللإسلاميين.

أما حميدتي فكان طموحه هو الانتقال إلى كرسي الحكم رئيسًا للدولة باستخدام قوته العسكرية، وتحييد الجيش السوداني بعد اعتقال أو قتل رئيس مجلس السيادة الانتقالي قائد الجيش عبدالفتاح البرهان، وتنصيب نفسه بديلًا له، وذلك بدعم سياسي من مجموعة حمدوك، التي تعهدت بتوفير هذا الدعم حال نجاح عملية الاستيلاء على السلطة بواسطة مليشيا الدعم السريع.

وكانت هذه أولى محطات الفشل من الجناح السياسي للدعم السريع وأول سقوط أخلاقي له، فطالما كانت مجموعة حمدوك تقدم نفسها على أنها داعية للديمقراطية والحكم المدني والتداول السلمي للسلطة، وتصدرت المشهد السياسي في السودان عقب الإطاحة بنظام البشير بهذا اللقب، الذي لقي قبولًا واسعًا من قبل قوى الثورة ومنظمات المجتمع المدني، لكنها نكصت عن التزامها حين وضعت يدها فوق يد مليشيا الدعم السريع للوصول إلى السلطة بالقوة.

الفشل الثاني

وبعد فشل مخطط الاستيلاء على السلطة بالقوة، كان من الممكن للجناح السياسي للمليشيا تدارك الأمر والعمل على إقناع حليفه العسكري بالتراجع عن الخطوة، خاصة أن الفرصة كانت مواتية بعد ثلاثة أسابيع من المحاولة الفاشلة للاستيلاء على السلطة، وذلك حين التأمت اجتماعات "منبر جدة"، التي انعقدت برعاية سعودية – أميركية واستضافتها السعودية، حيث تم التوقيع على اتفاق بين ممثلين للجيش السوداني وممثلين لمليشيا الدعم السريع على التزامات وافق عليها الجانبان، تقضي في مجملها بحماية المدنيين، وأبرزها خروج قوات الدعم السريع من الأعيان المدنية ومنازل المواطنين التي احتلتها، واشتمل أيضًا على التزامات إنسانية واتفاق على جدولة محادثات مباشرة جديدة.

لكن لم تلتزم الدعم السريع بتنفيذ ما وقعت عليه من التزامات، بل عمدت إلى توسيع عملياتها العسكرية واحتلال المزيد من منازل المواطنين والأعيان المدنية، ومارست انتهاكات إنسانية ضد المدنيين، من عمليات قتل وسلب ونهب واغتصاب وتشريد.

وأدى هذا كله إلى التفاف قطاعات الشعب السوداني بمختلف أطيافه حول الجيش وقيادته ومؤسسات الدولة السيادية والتنفيذية دعمًا ومساندة لها، وانخرطت قوات الكفاح المسلح في دارفور تحت إمرة الجيش، وتشكلت مقاومة شعبية مسلحة تحت إمرة الجيش أيضًا من كل ولايات السودان، وهو ما نتج عنه تقدم كبير للجيش على الأرض، قابله تقهقر بنفس القدر لمليشيا الدعم السريع.

الفشل الثالث

كذلك، من محطات الفشل التي ارتادتها مجموعة حمدوك المساندة للدعم السريع سياسيًا، توسيع رقعة الحرب بانفتاح الدعم السريع في وسط السودان، في ولايتي الجزيرة وسنار وأجزاء من ولاية النيل الأبيض، وإمعانها في ارتكاب مجازر مروعة في حق المدنيين، مما تسبب في وقوع أكبر عدد من الضحايا وحدوث موجة نزوح هي الكبرى منذ بداية الحرب.

الفشل الأكبر

ويضاف إلى هذا وذاك من محطات فشل الجناح السياسي للدعم السريع في توفير حاضنة سياسية فعالة له، ذلك التذبذب في الأهداف التي تبنتها مليشيا الدعم السريع وساقتها لتبرير حربها ضد الجيش، ما بين استعادة الديمقراطية والحكم المدني، إلى القضاء على الإسلاميين، ثم إلى تفكيك دولة 1956، وأخيرًا إنشاء حكومة موازية في مناطق سيطرة الدعم السريع، وهي بهذا التوصيف إقليم دارفور، مما يعني الاتجاه نحو فصل هذا الإقليم.

وفي الحقيقة، إن هذا الهدف الأخير كان أكبر محطات الفشل والخسران بالنسبة للمليشيا وجناحها السياسي، وعكس بوضوح سوء تقدير وتدني مستوى التفكير والتخطيط السياسي لهذا الجناح، وسطحية إلمامه بخارطة السياسة الدولية بالعموم، والوضع الإقليمي بالخصوص.

فالاتجاه نحو الإعلان عن تكوين حكومة موازية للحكومة السودانية المعترف بها دوليًا هو اختيار خاطئ كليًا، لم يأخذ في الحسبان القانون الدولي والمواثيق والأعراف الدولية، وألغى بجرة قلم المؤسسات والمنظمات الإقليمية، والأحوال في دول الجوار العربي والأفريقي للسودان، وما يمكن أن يمثله من تهديد للأمن القومي للعديد من هذه الدول.

ويعضد من هذا الاحتمال ذلك الوضع العسكري الميداني الضعيف لمليشيا الدعم السريع، وتوالي الهزائم عليها، وفقدانها لكل المناطق التي احتلتها في العاصمة الخرطوم وولايات الجزيرة وسنار والنيل الأبيض، ومقتل معظم قادتها العسكريين، وافتقارها للعناصر المقاتلة، التي أصبحت مشتتة، وجلّها عناصر أجنبية تقاتل بالأجر.

وإزاء هذا الوضع الميداني، تضيق الفرص أمام مليشيا الدعم السريع، خاصة أنه قد أغلق كل من البرهان القائد العام للجيش، ومساعده الفريق ياسر العطا عضو مجلس السيادة، الباب في وجه أي شكل من أشكال التفاوض أو التسوية السياسية مع المليشيا وجناحها السياسي، وبالتالي، فإنه ليس أمام مليشيا الدعم السريع إلا أحد خيارين، أحلاهما مرّ: فإما الاستسلام، وإما خوض معركة أخيرة خاسرة بكل المقاييس.