العدد 1651 /12-2-2025

في تطور مفاجئ عكس التوقعات ببدء التفاوض الإيراني مع أميركا في الولاية الثانية للرئيس الأميركي دونالد ترامب، أعلن المرشد الإيراني علي خامنئي، الجمعة الماضي، بشكل قاطع، حظر إجراء أي تفاوض مع هذه الإدارة الأميركية، مما أثار تساؤلات حول أسباب موقف خامنئي في رفض التفاوض الإيراني مع أميركا. فيما أكد الرئيس الإيراني الإصلاحي مسعود بزشكيان أن رفع العقوبات الأميركية من خلال التفاوض على سلّم أولوياته. في المقابل، حذّر ترامب القادة الإيرانيين من مغبة "القيام بما يفكرون فيه حالياً"، وحثهم على التوصل إلى صفقة نووية "ستجنب إيران هجوماً إسرائيلياً أو أميركياً واسع النطاق"، خلال مقابلة صحافية. وأكد خامنئي أن التجربة أثبتت أن التفاوض الإيراني مع أميركا "ليس ذكياً ولا مشرّفاً ولا حكيماً"، وأن المفاوضات "لن تحل مشاكل إيران"، مضيفاً في كلمة لدى قادة السلاح الجوي الإيراني أن "التفاوض مع أميركا لا تأثير له في حل مشاكل البلاد، وعلينا أن ندرك هذه الحقيقة بشكل صحيح، يجب ألا يوهمونا بأن الجلوس إلى طاولة المفاوضات مع تلك الحكومة سيؤدي إلى حل هذه المشكلة أو تلك. لا، لن تحل أي مشكلة عبر التفاوض الإيراني مع أميركا والتجربة الماضية أثبتت هذا الأمر".

حملت تصريحات خامنئي رداً على ما قاله الرئيس الإيراني قبل فترة بأن المرشد قد أجاز التواصل مع الجميع باستثناء الاحتلال الإسرائيلي، إذ أكد المرشد في كلمته الجمعة الماضي، أن "أميركا هي الاستثناء الوحيد" في الحوار مع العالم، قائلاً: "لا أذكر الكيان الصهيوني كاستثناء، لأنه ليس دولة بل عصابة مجرمة مغتصبة للأرض". واللافت أن إعلان خامنئي رفضه "الصارم" للتفاوض مع إدارة ترامب جاء بعد إدلائه بتصريحات نهاية الشهر الماضي، لم يتخذ فيها هذا الموقف، بل ألمح فيها إلى إمكانية عقد صفقة، قائلاً إن "الإنسان إذا ما عرف الطرف الآخر يمكن أن يعقد صفقة، لكن يعلم ماذا يفعل وعلينا أن نعرف ونعلم". وراجت خلال الأيام الأخيرة تقارير غير مؤكدة على وسائل إعلام وشبكات تواصل إيرانية، بأن ترامب وضع جملة شروط للاتفاق مع إيران بشأن برنامجها الصاروخي والتخلي عن دعم حلفائها في المنطقة.

في السياق، قال ترامب، في مقابلة حصرية أجرتها معه صحيفة نيويورك بوست نُشرت أمس الأحد: "أود أن يتم التوصل إلى صفقة مع إيران حول (وضعها) غير النووي. أفضل ذلك على قصفها بشكل جهنمي.. هم لا يريدون الموت. لا أحد يريد الموت". وأضاف: "إذا أبرمنا الصفقة فلن تقصفهم إسرائيل". لكن لم يكشف تفاصيل أي مفاوضات محتملة مع إيران، وقال: "لا أحب أن أفصح لكم عما سأخبرهم به. هذا ليس لطيفاً". وتابع ترامب: "يمكنني أن أخبرهم بما يجب أن أقوله، وآمل أن يقرروا عدم القيام بما يفكرون فيه حالياً. وأعتقد أنهم سيكونون سعداء حقاً"، وأضاف: "سأخبرهم بأنني سأبرم صفقة". وعندما سئل عما سيعرضه على إيران في المقابل، قال: "لا يمكنني قول ذلك لأنه أمر مقرف للغاية. لن أقصفهم".

غياب ثنائية الحكم في طهران

وحول مآلات التفاوض الإيراني مع أميركا نفى الخبير الإصلاحي الإيراني داود حشمتي وجود "ثنائية" داخل مؤسسات الحكم في طهران بشأن التفاوض الإيراني مع أميركا وقال إن هذه الثنائية موجودة في الإعلام وبين الناشطين السياسيين والمجتمع. وأضاف أن سبب ذلك يعود إلى "معلومات لا يعلم بها المجتمع ووسائل الإعلام"، موضحاً في السياق "أننا لا نعلم بعد بأنه هل قام ترامب بتمرير رسائل وشروط للتفاوض" إلى إيران "تسبّب رد الفعل هذا" من المرشد الإيراني، أو أن ذلك يعود إلى "قيامه بالتوقيع على مذكرة تنفيذية ضد إيران". وأكد حشمتي أنه "أياً كان الدافع لاتخاذ هذا الموقف الصارم، لكن لا توجد ثنائية في نظام الحكم بشأن التفاوض"، لافتاً إلى أن ثمة شواهد وأدلة تنفي ذلك في الوقت الراهن، في مقدمتها تصريحات بزشكيان بشأن عدم تراجع بلاده أمام العقوبات الأميركية وتأكيده الصمود في مواجهة الضغوط، وكذلك موقف وزير الخارجية عباس عراقجي الداعم لتصريحات خامنئي، وتصريحات المتحدثة باسم الحكومة فاطمة مهاجراني ورئيس البرلمان محمد باقر قاليباف الداعي إلى المضي قدماً في تطبيق توجيهات المرشد والقائل إن مذكرة ترامب التنفيذية تعني "نزع السلاح عن إيران".

وأكد عراقجي، يوم السبت، أن رفع العقوبات الأميركية عن إيران "بحاجة إلى التفاوض لكن لا يمكن التفاوض الإيراني مع أميركا تحت سياسة الضغوط القصوى"، مشيراً إلى أنه "لا توجد أرضية لمفاوضات عادلة" مع الولايات المتحدة، وقال إن التفاوض من موقف الضعف "ليس تفاوضاً وإنما استسلام، ونحن لن نجلس على طاولة هذا التفاوض". كما شددت المتحدثة باسم الحكومة الإيرانية، فاطمة مهاجراني، مساء السبت، في تغريدة على منصة إكس على أن إيران "لن ترضخ لتفاوض غير مشرّف"، مؤكدة أن "استراتيجية الحكومة هي أن يسمع صوت موحد من إيران والجميع اليوم على علم بالمشكلات ونحن بحاجة إلى الوفاق والتعاون أكثر من أي وقت لتجاوز هذه المشكلات". وأكدت أن الحكومة ستواصل حواراتها مع الدول الأوروبية الثلاث، فرنسا وألمانيا وبريطانيا، والتي أجريت ثلاث جولات منها خلال الشهرين الماضيين.

الكلمة الفصل لخامنئي

إلى ذلك، اعتبر الدبلوماسي الإيراني السابق عبد الرضا فرجي راد في حديثٍ أن المرشد الإيراني له كلمة الفصل في السياسة الخارجية، حسب الدستور، مضيفاً أن المسؤولين الإيرانيين أيضاً ينفذون أوامره بشأن هذه السياسة. وأوضح أنه "إذا كانت لديهم آراء مختلفة فيطرحونها ويتم التشاور معهم، لكن القائد هو الذي يفصل في نهاية المطاف"، مشيراً إلى أن قضايا مثل التفاوض تطرح للنقاش في المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، والمؤيدون والمعارضون يدلون بآرائهم "وهذه الآراء ترفع إلى القائد وهو من يتخذ القرار النهائي".

لا مواجهة عسكرية... راهناً

وبشأن مستقبل الأزمة بين طهران وواشنطن في ظل إقصاء التفاوض بينهما، رأى موسوي خلخالي أنها لا تتجه إلى مواجهة عسكرية في الوقت الراهن، لأن الإدارة الأميركية الحالية "ليست من دعاة الحرب وتسعى إلى خفض التوترات العسكرية"، مضيفاً أن "أبواب التفاوض لم تغلق بالكامل لكن ظروف التفاوض غير مواتية".

كما رأى الخبير الإيراني المحافظ علي رضا تقوي نيا أن الأميركيين والإسرائيليين "يسعون إلى الترويج أنه إن لم يكن هناك تفاوض فالخيار البديل هو تفعيل آلية فض النزاع والمواجهة العسكرية"، مضيفاً أن ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو "لديهما قراءة خاطئة بشأن أوضاع إيران، إذ يريان أن الجمهورية الإسلامية قد ضعفت وأنه حان وقت ابتزازها والتفاوض على عناصر قوتها على طاولة التفاوض". ومضى الخبير الإيراني قائلاً: إذا لم تحذر أميركا وإسرائيل في مواقفهما وسلوكهما فالظروف الأمنية في المنطقة ستصبح مختلفة تماماً بوجود إيران النووية.