العدد 1640 /27-11-2024

استكمل الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، أول من أمس السبت، تشكيلة حكومته المؤلفة من 15 وزيراً، بترشيح بروك رولينز، وزيرة للزراعة، وهي رئيسة مركز "أميركا فيرست بوليسي إنستيتيوت" (إيه اف بي آي، معهد سياسة أميركا أولاً) وهو مركز أبحاث يميل لليمين، وعمل أفراده عن قرب مع حملة ترامب للمساعدة في تشكيل السياسات لإدارته القادمة. تأتي اختيارات ترامب لفريقه الحكومي ضمن سلسلة من التعيينات للمناصب الإدارية العليا التي على ترامب استكمال اختيارها خلال العام المقبل، من بينها المستشارون والسفراء والقضاة وموظفو البيت الأبيض. لكن يحتاج الأمر لاحقاً لموافقة مجلس الشيوخ لتأكيد معظم التعيينات، إذ إن بعضها مثل منصب مستشار الأمن القومي والمناصب الإدارية في البيت الأبيض لا تتطلب تأكيد المجلس. تُظهر الأسماء المرشحة كيف أن الرئيس العائد للمرة الثانية إلى البيت الأبيض بعد ولايته الأولى بين 2017 و2021، اختار فريقاً انتقالياً موالياً وداعماً لسياساته ووعوده الشعبوية خلال حملته الانتخابية، سواء على صعيد القضايا الداخلية أو الخارجية تحت عنوان "أميركا أولاً"، مدفوعاً بما أفرزته الانتخابات الرئاسية في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني الحالي بسيطرة الجمهوريين على مجلسي النواب والشيوخ في الكونغرس الأميركي.

ويبدو أن تفضيل ترامب، الوجه الإعلامي ورجل الأعمال والسياسي وصاحب التهم الجنائية والمشاكل القضائية المثيرة للجدل، أسماء تتعلق خصوصاً بهذه المجالات، لا ينفصل عن محاولة إحداث صدمة سريعة قبل توليه الرئاسة رسمياً في 20 يناير/كانون الثاني المقبل، بما تمثله من إثارة للجدل ونقيض لولاية الرئيس الديمقراطي المنتهية ولايته جو بايدن، وذلك انطلاقاً من النظام الصحي إلى قضية الحدود مروراً بالعلاقات مع أوروبا والصين، وصولاً للحرب في الشرق الأوسط وأوكرانيا. وأصبح بإمكان ترامب التركيز على المناصب الرئيسية في الإدارة الفيدرالية الأميركية، بعد استكمال اختياراته للوزراء بإعلانه، أول من أمس، ترشيح رولينز وزيرة للزراعة، وهي محامية، شغلت منصب مديرة مجلس السياسة الداخلية بالبيت الأبيض في نهاية فترة ولاية ترامب الأولى، قبل أن تؤسس "معهد سياسة أميركا أولاً"، عام 2021، مع شخصيتين أخريين مقربتين من ترامب هما لاري كودلو، وليندا مكماهون التي رشحها لتولي حقيبة التعليم. علماً أنه كان يُنظر إلى رولينز على أنها مرشحة محتملة لتتبوأ منصب كبيرة موظفي البيت الأبيض قبل أن يعهد ترامب بهذا المنصب في نهاية المطاف إلى سوزي وايلز، مديرة حملته الانتخابية في 2016 و2020 و2024، والتي كانت جميعها وفق سياسة "أميركا أولاً".

وكان ترامب قد أعلن على مدى أسبوعين منذ فوزه بالرئاسة، ترشيحاته للمناصب الوزارية. فقد اختار ماركو روبيو وزيراً للخارجية، والذي يعد صاحب مواقف صارمة تجاه إيران والصين وأميركا اللاتينية، وداعياً لإنهاء الحرب في أوكرانيا باعتبارها مصلحة لواشنطن، وهي مواقف تتماهى مع فحوى تصريحات ووعود ترامب خلال حملته الانتخابية. كما اختار سكوت بيسنت وزيراً للخزانة ليتسلم إدارة أكبر اقتصاد في العالم، المنافس للصين وألمانيا واليابان والهند خصوصاً، وهو مستشار رئيسي لترامب خلال حملته الانتخابية الحالية، ومقرب من ترامب وعائلته. ورُشّح بيت هيغسيث وزيراً للدفاع، وهو محارب سابق خدم في العراق وأفغانستان، ومذيع في قناة فوكس نيوز، ومنتقد لإدارة بايدن في قضايا الأمن القومي، مقابل ترويجه لسياسة ترامب. علماً أن ترامب كان وعد خلال حملته بإعطاء صلاحيات أكبر للجيش واستخدامه في الداخل لا سيما على الحدود.

أسماء تدعم سياسة "أميركا أولاً"

أما وزارة العدل فقد منحها ترامب إلى بام بوندي، بعد انسحاب مرشحه المثير للجدل مات غيتز المتورط بتحقيق يتعلق بقضايا جنسية ومخدرات لم يكشف عنه مجلس النواب. وشغلت بوندي منصب المدعي العام في فلوريدا من 2011 حتى 2019، وعملت ضمن لجنة معنية بإساءة استخدام المواد الأفيونية والمخدرات خلال إدارة ترامب الأولى. وكانت أيضاً جزءاً من فريق الدفاع عن ترامب خلال محاكمة عزله الأولى (2020)، والتي اتهم فيها بالضغط على أوكرانيا لإجراء تحقيق فساد حول منافسه، بايدن، من خلال حجب المساعدات العسكرية. وبرأ مجلس الشيوخ ترامب لاحقاً. وفي الآونة الأخيرة، ساعدت بوندي في قيادة الذراع القانونية لمعهد سياسة أميركا أولاً. وكانت وزارة الداخلية ومنسق الطاقة من نصيب دوغ برغم، حاكم داكوتا الشمالية الداعم للتوسع في إنتاج النفط والغاز. ورشّح ترامب المدير التنفيذي لشركة خدمات حقول النفط الأميركية "ليبيرتي إنرجي" كريس رايت وزيراً للطاقة، ما يُثير مخاوف بشأن مستقبل الطاقة المتجددة وأزمة المناخ في عهد ترامب الذي سبق أن انسحب من اتفاقية باريس لعام 2015 بشأن التخفيف من آثار التغير المناخي، والتي عاد بايدن للعمل بها لاحقاً. وتتولى وزارة الطاقة دبلوماسية الطاقة الأميركية وتدير احتياطي البترول الاستراتيجي الذي قال ترامب إنه يريد تجديده. وسبق أن وصف رايت نشطاء تغيّر المناخ بأنهم مثيرون للقلق، واعتبر أنه "لا توجد أزمة مناخية، ولسنا في خضم تحول في مجال الطاقة أيضاً".

ورُشّحت النائبة الجمهورية السابقة لوري تشافيز دي ريمير لتولي وزارة العمل، وهي المرشحة التي تتمتع بدعم قوي من النقابات على الرغم من خسارتها النيابة خلال الانتخابات الأخيرة. واختار ترامب هوارد لوتنيك، رئيس بنك الوساطة والاستثمار "كانتور فيتزجيرالد" والمتحمس للعملات المشفرة، مرشحاً لمنصب وزير التجارة، وهو المنصب الذي سيكون له فيه دور رئيسي في تنفيذ خطط ترامب لزيادة وفرض التعريفات الجمركية. يذكر أن لوتنيك يشترك في تولي رئاسة الفريق الانتقالي الخاص بترامب مع ليندا ماكماهون، مرشحة وزارة التعليم، الرئيسة التنفيذية السابقة للمصارعة والتي كانت تقود في السابق إدارة ترامب للأعمال والأنشطة التجارية الصغيرة. ومن المحتمل أن يتم تكليف مكماهون بالإشراف على إزالة وزارة التعليم بعد أن دعا الرئيس المنتخب مراراً إلى إلغائها خلال الحملة الانتخابية. وكان منصب وزارة الصحة والخدمات الإنسانية من نصيب روبرت أف كينيدي جونيور، الذي انسحب من السباق الانتخابي كمستقل قبيل إجراء الانتخابات، والمشكك بجدوى اللقاحات. علماً أنه بعد أن تخلى كينيدي عن ترشحه للرئاسة قال ترامب إنه سيسمح له "بالتصرف بحرية" في ما يتعلق بسياسات الصحة والغذاء. ويعتبر ترامب أن مجمع الصناعات الغذائية وشركات الأدوية "انخرطت في عمليات خداع وتضليل إعلامي وتزييف في ما يتعلق بالصحة العامة".

كما اختار ترامب لاعب كرة القدم الأميركي السابق، سكوت تيرنر، ليشغل منصب وزير الإسكان والتنمية الحضرية. وكان تيرنر قد تولى إدارة مجلس الفرص والتنشيط في البيت الأبيض خلال فترة ولاية ترامب الأولى. وسيتولى شون بي دافي وزارة النقل، وهو جمهوري محافظ وعضو كونغرس سابق ومقدم تلفزيوني في "فوكس بزنس". رشح ترامب لوزارة شؤون المحاربين القدامى، دوغلاس أي كولينز، وهو محارب سابق في العراق وقس في احتياطي سلاح الجو الأميركي خدم في مجلس النواب من 2013 إلى 2021، ومدافع قوي عن ترامب خلال تحقيق العزل الأول. كذلك كانت كريستي نويم مرشحة لوزارة الأمن الداخلي، وهي حاكمة داكوتا الجنوبية منذ 2019، وداعمة قوية لترامب في حملة 2024. في موازاة ذلك استحدث ترامب وزارة جديدة لكفاءة الحكومة، مهمتها تفكيك البيروقراطية الحكومية وخفض النفقات، وإعادة هيكلة الوكالات الفيدرالية، وعهد إليها للملياردير إيلون ماسك، وفيفيك راماسوامي، رجل الأعمال والمرشح السابق للرئاسة في انتخابات الحزب الجمهوري التمهيدية. وخلال الحملة الانتخابية، قال ترامب إن جهود كفاءة الحكومة ستضع خطة للقضاء على "الاحتيال والمدفوعات غير اللائقة"، وإجراء "تدقيق مالي وأداء كامل" للحكومة الفيدرالية.

كواليس مشحونة

إلا أن اختيار الوزراء، والذي حدث بفترة قصيرة نسبياً، تخللته حوادث مشحونة ما بين مستشاري ترامب الذين ساهموا باختيار أعضاء الحكومة. وبحسب صحيفة واشنطن بوست الأميركية، أول من أمس، فإن هذا الفريق من المستشارين يتضمن مجموعة من المتنافسين، ما يعيد إلى الأذهان الخلافات التي كانت تدور خلال ولاية ترامب الأولى، لا سيما في ما تعلق حينها بعلاقة ترامب مع ابنته إيفانكا ترامب وصهره، جاريد كوشنر. ونقلت الصحيفة عن أكثر من ستة مساعدين ومستشارين ومقربين من ترامب وغيرهم من المشاركين في العملية الانتقالية، تحدث أغلبهم بشرط عدم الكشف عن هويتهم لتقديم تقييم صريح، وأشاروا إلى عودة فريق ترامب إلى أنماط ولايته الأولى، بما يتخلل ذلك من حوادث الصراخ، والطرد من الاجتماعات، والشتائم، فيما بدأت الأجنحة المتنافسة في التعامل مع بعضها البعض بقسوة.