العدد 1636 /30-10-2024
توّجت إسرائيل، أول من أمس الاثنين، حربها المعلنة والطويلة على وكالة الأمم
المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، بمشروع قانون مرّره الكنيست،
يحظر عمل الوكالة في الأراضي المحتلة. وبينما لم يكن مستغرباً ذهاب الكنيست إلى
إقرار القانون الذي يعتقد الاحتلال بأنه يضرب به أكثر من هدف، بعدما مرّر أيضاً في
ظلّ العدوان المتواصل على غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، قانوناً ينص على رفض
إقامة دولة فلسطينية، فإن توقيت تمرير قانون حظر أونروا، يأتي قبل أيام قليلة من
موعد انتخابات الرئاسة الأميركية، التي قد تشهد عودة دونالد ترامب إلى البيت
الأبيض، هو الذي كان سبّاقاً بين الرؤساء الأميركيين إلى الذهاب نحو قطع تمويل
الوكالة، باعتبار ذلك مقدمة وفق اعتقاده، لتمرير صفقة لحل القضية الفلسطينية عن
طريق تصفيتها، عبر ما سُمّي بـ"صفقة القرن".
ويمهّد الاحتلال، من خلال تمرير القانون الذي عبّد الطريق له عبر حملة إعلامية
وسياسية شعواء على الوكالة، لحدّ وصمها بالإرهاب، لبتر أي حديث مستقبلي عن
"السلام"، واستباقاً لأي صفقة محتملة لوقف الحرب على غزة، مستعيداً
أحلامه بتوطين اللاجئين الفلسطينيين بالدول العربية المستضيفة لهم، فضلاً عن تصفية
القضية الفلسطينية، التي تشكل وكالة أونروا رمزاً لها، وشريان حياة لا بديل عنه
لملايين الفلسطينيين. ويأتي القرار بانتظار موقف المجتمع الدولي من تمرير القانون،
ولا سيما الولايات المتحدة، الممول الأكبر للوكالة، وما إذا كانت ستذهب نحو
إجراءات ملموسة لدفع الاحتلال إلى التراجع عن خطوته، أم أن المجتمع الدولي سيقف
عند حدّ الإدانة.
الكنيست يحظر عمل "أونروا"
وأقر الكنيست، أول من أمس، قانونين يمنعان وكالة أونروا من مواصلة عملها.
ويحظر القانونان عمل الوكالة في الأراضي المحتلة، ويقطعان جميع العلاقات بينها
وبين حكومة الاحتلال. وأُقر القانونان نهائياً بأغلبية 92 من أصل 120 صوتاً، على
أن يدخلا حيز التنفيذ بعد 90 يوماً من إقرارهما. ووفق القانونين، "يوقف نشاط
أونروا في القدس الشرقية، وتُنقل صلاحياتها إلى مسؤولية إسرائيل وسيطرتها".
وبموجبه، تُلغى أيضاً اتفاقية عام 1967 التي سمحت لأونروا بالعمل في الأراضي
المحتلة، ومن ثم تتوقف أنشطة الوكالة في القدس والضفة وغزة. أما النص الثاني الذي
تمّ تبنيه بغالبية كبيرة (89 مقابل 7) فيحظر على المسؤولين الإسرائيليين العمل مع
أونروا وموظفيها.
المنظمة الدولية للهجرة: لا سبيل لأن نحل محل أونروا
وتأسست أونروا بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1949، وقبل تأسيسها،
كان "برنامج الأمم المتحدة لمساعدة اللاجئين الفلسطينيين" الذي أنشئ في
1948 يؤدي مهمات إغاثية للاجئين الفلسطينيين. وتقدم الوكالة خدماتها الإغاثية
والصحية والتعليمية للاجئين الفلسطينيين في مناطق عملياتها الخمس: الضفة الغربية
بما فيها القدس، وقطاع غزة، وسورية ولبنان والأردن. وتتعاظم حاجة الفلسطينيين إلى
خدمات أونروا في ظل حرب الإبادة في غزة.
وادعى رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، الاثنين، أن إسرائيل
"مستعدة" لتوفير مساعدات إنسانية للفلسطينيين في غزة، بعد حظر أنشطة
"أونروا". وكتب على "إكس" أنه "يجب أن تبقى المساعدات
الإنسانية المستدامة متاحة في غزة الآن وفي المستقبل. نحن على استعداد للعمل مع
شركائنا الدوليين لضمان استمرار إسرائيل في تسهيل المساعدات الإنسانية للمدنيين في
غزة على نحو لا يهدد أمن إسرائيل"، علماً أنه منذ بدء عدوانها على غزة، تمنع
حكومة الاحتلال وجيشه، المساعدات عن القطاع بنسبة كبيرة، ولا تدخلها إلا بقيود
وضعت سكّان غزة على شفا المجاعة. كما أن تسريبات عدة خرجت في الآونة الأخيرة عن
خطط لاستجلاب شركات أجنبية للقطاع، لتوزيع المساعدات في ما يسمى اليوم التالي
للحرب.
وهناك قرابة 6 ملايين فلسطيني مسجّلين لدى أونروا. ومن بين موظفي الوكالة
البالغ عددهم 30 ألفاً، يعمل 13 ألف شخص في غزة، موزّعين على أكثر من 300 منشأة.
ويأتي القانونان تتويجاً لحملة طويلة ضد الوكالة، وسط مزاعم الاحتلال بعد العدوان
الأخير على غزة، بأن الوكالة مخترقة من جانب حركة حماس. واتهمت حكومة الاحتلال
حوالي 12 من موظفي الوكالة بأنهم شاركوا في هجوم 7 أكتوبر 2023 على مستوطنات غلاف
القطاع، ما أدى إلى قطع دول تمويلها للوكالة، لفترة، قبل عودتها إلى التمويل ما
عدا الولايات المتحدة. ونفت الوكالة الاتهامات الموجهة إليها، كما لم يثبت أي
تحقيق تورط موظفيها.
ووصف المفوض العام للوكالة فيليب لازاريني، الخطوة "بغير المسبوقة"،
مضيفاً أن القانونين "لن يؤديا إلا إلى تعميق معاناة الفلسطينيين، ولا سيما
في غزة، حيث يعيش البشر في جحيم منذ أكثر من عام".
بدورها، قالت المتحدثة باسم الوكالة جولييت توما، إنه في حال تطبيق الحظر،
"فسيكون كارثة، خصوصاً بسبب تأثيره المحتمل على العمليات الإنسانية في غزة
وفي مناطق عدة من الضفة". وأعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس
عن "القلق العميق" إزاء القانونين "اللذين، في حال تنفيذهما، من
المرجح أن يمنعا أونروا من مواصلة عملها الأساسي، مع عواقب مدمرة". من جهتها،
أكدت مديرة المنظمة الدولية للهجرة إيمي بوب، أنه "لا سبيل" لأن تحل
المنظمة محل أونروا في غزة. وندّد المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس
أدهانوم غبرييسوس، بالقرار الإسرائيلي "غير المقبول" الذي ستكون له
"عواقب وخيمة"، مشدداً على أن "أونروا هي شريان حياة لا يمكن
الاستغناء عنه للشعب الفلسطيني".
رفض وإدانة
فلسطينياً، رفضت الرئاسة الفلسطينية التشريعين. وقالت الخارجية الفلسطينية،
إنها وجّهت سفارات وبعثات دولة فلسطين بالتحرك لحشد أوسع جبهة دولية وأممية ضاغطة
لمحاسبة دولة الاحتلال على إقرارها القانون. وقال أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة
التحرير الفلسطينية حسين الشيخ، إن "القرار يتطلب موقفاً عربياً ودولياً،
يكرس حماية ودعم دور مؤسسات وأفراد الوكالة في فلسطين، وعلى مجلس الأمن إجبار دولة
الاحتلال على تنفيذ القرارات الدولية".
كما اعتبرت حركة حماس، إقرار الكنيست التشريع، "جزءاً من حرب الصهاينة
وعدوانهم على شعبنا". وندّدت حركة الجهاد الإسلامي، بـ"إمعان في حرب
الإبادة" ضد الفلسطينيين.
دولياً، أعربت الولايات المتحدة، عن "قلق عميق" بشأن التشريع. وشدّد
المتحدث باسم خارجيتها ماثيو ميلر، على الدور "الحاسم" الذي تضطلع به
الوكالة في توزيع المساعدات في غزة. وأضاف: "نواصل حضّ الحكومة الإسرائيلية
على تعليق تنفيذ هذا التشريع، ونطلب منهم عدم تمريره إطلاقاً، وسننظر في الخطوات
التالية بناءً على ما سيحدث". ونقل موقع أكسيوس عن مسؤول أميركي قوله إن
"نتنياهو ادعى كذباً أن المعارضة هي التي تدفع بمشروع القانون".
من جهته، حذّر رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر من أن التشريع "يعرض
للخطر الاستجابة الإنسانية الدولية بكاملها في غزة". كما انتقدت برلين
"بشدّة" التشريع، وأدانته كذلك كل من أيرلندا والنرويج وسلوفينيا
وإسبانيا في بيان مشترك، وكذلك بلجيكا. وكان بيان لوزراء خارجية كندا وأستراليا
وفرنسا وألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية وبريطانيا قد أعرب "عن القلق البالغ
إزاء التشريع".
ومنذ بداية العدوان على غزة، استبدلت إسرائيل أونروا بمؤسسات أممية ودولية
أخرى، وطلبت من الوكالة في البداية، إخلاء مقارها ومراكز الإيواء شمالي القطاع
والذهاب جنوباً، ومن ثم عملت على عرقلة أعمالها ومنعها من القيام بمهام أوسع كتلك
التي تقوم بها عادة مع اللاجئين، وقصفت ودمّرت مراكز لها. واستفادت إسرائيل في
تمرير الطعام والاحتياجات الإنسانية للفلسطينيين من مؤسسات أميركية، ومنها المطبخ
العالمي ومؤسسات دولية ليس لها علاقة بالوكالة، في مسعى لتحييدها عن العمل
وإبعادها عن الفلسطينيين تمهيداً لليوم التالي للحرب، والتي تعمل من أجل ألا تكون
أونروا حاضرة فيه أيضاً.
وقال الخبير في الشؤون الإسرائيلية صلاح العواودة، لـ"العربي
الجديد"، إن اتخاذ القرار بأغلبية ساحقة، يعني عملياً أنه نتيجة تفكير عميق
ومطول لدى دولة الاحتلال للتخلص من أونروا على طريق تصفية القضية الفلسطينية، وهو
مشروع نتنياهو الذي يعمل عليه لإنهاء القضية الفلسطينية واستكمال التطبيع، وحتى
إنه يرغب في التخلص من السلطة الفلسطينية. وفسّر ذلك بأن "استهداف أونروا
يحصل منذ سنوات طويلة، وهناك تقارير وتصريحات من قادة الاحتلال ضد المؤسسة الأممية
دائماً، وهم يعتبرون أن الواجب حل أونروا وإلغاء وجودها لأنها العامل المهم للحفاظ
على الهوية الفلسطينية، ولولاها لن تبقى مخيمات اللاجئين". وفي رأيه، أنه
"كان عند الاحتلال دائماً حسابات سياسية واعتبارات معينة لعدم مواصلة هذا
المسعى، لكن منذ الحرب الحالية، كسرت إسرائيل كل القواعد ولم تعد تلتزم بشيء، ولا
تهاب شيئاً، وحتى اعتبارها للرأي العام الدولي لم يعد موجوداً". وأشار
العواودة إلى أن الاحتلال وجد الذرائع لاتهام أونروا وتحميلها حتى مسؤولية وجود
أكياس الدقيق في بيوت الفلسطينيين ومراكز الإيواء أو حتى الأنفاق، وهم
(الإسرائيليون) يعرفون جيداً أنّ هذه الأكياس تستخدم على نطاق واسع وموجودة في كل
بيت لاجئ ويعاد استخدام الأكياس الفارغة أكثر من مرة من الفلسطينيين.
وبيّن أن الاعتراضات الدولية على استهداف إسرائيل لأونروا لن تجدي نفعاً، وقد
يبحث العالم عن مساعدة الفلسطينيين بطرق التفافية كما فعل في هذه الحرب، بدلاً من
الضغط على الاحتلال لإدخال المساعدات، عندما اختار إلقاء المساعدات من الجو أو
إدخالها من الميناء العائم "الفاشل". واعتبر أن كل ما يفعله العالم منذ
بداية الحرب مع غزة، هو ألّا يزعج إسرائيل أو يضغط عليها، فهي حتى عندما كانت
ترتكب المجازر، وهي أكثر صعوبة وخشونة، لم يتحرك العالم.
كشفت مصادر قيادية في حركة حماس عن تفاصيل التقدير السياسي للحركة، بشأن
الحراك الراهن الساعي إلى التوصل إلى اتفاق تهدئة وصفقة تبادل أسرى، والذي بدأه
وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن خلال زيارته أخيراً المنطقة. وانتهت الدائرة
السياسية بالحركة من إعداد تقدير موقف كامل للحراك الحالي، والذي خلُص في مجمله
إلى أنه "لا تتوفر الجدّية من الإدارة الأميركية أو حكومة الاحتلال من أجل
التوصل إلى اتفاق". رغم ذلك تفيد المصادر بأن قرار القيادة السياسية للحركة
هو التعامل بإيجابية كاملة مع جهود الوسطاء، وفقاً للضوابط المحددة التي تكرر
إعلانها والتأكيد عليها. يأتي ذلك فيما تربطمصادر في القاهرة وحماس الحراك الأخير بالانتخابات الرئاسية الأميركية.
القاهرة وحماس تستبعدان اتفاقاً قبل الانتخابات الأميركية
وفي تفاصيل تقديرات القاهرة وحماس رأى تقدير الدائرة السياسية، والذي أعد
للعرض على مؤسسات اتخاذ القرار بالحركة، أن الحراك الحالي "يأتي خدمة لموقف
الديمقراطيين (في أميركا)، وعدم إظهار إدارتهم بمظهر العاجز أمام الجمهوريين في
الانتخابات الأميركية المرتقبة، إلى جانب التخفيف من تأثير مشاهد الإبادة والتجويع
والتهجير في شمال غزة". واعتبرت الحركة أن "التحركات الأميركية أخيراً
والتي واكبها تفاعل ظاهري فقط من رئيس الحكومة الإسرائيلية (بنيامين نتنياهو) عبر
المسارعة بإرسال وفد التفاوض إلى الدوحة، تهدف إلى اختبار موقف الحركة من
الطروحات الجديدة بعد استشهاد زعيم الحركة يحيى السنوار، وما إذا كانت هناك تحولات
في موقف حماس عقب التطورات الميدانية الأخيرة". وباعتقاد الحركة وعقب الدراسة
السياسية للظروف المحيطة بالحراك الأخير، فإنه "من ضمن أهداف الإدارة الأميركية
وحكومة الاحتلال، اختبار قيادة الحركة في الوقت الراهن ومدى سيطرتها على الساحتين
السياسية والعسكرية، ومن ثم تحديد مصدر القرار وآلياته في الحركة والاطمئنان على
أن الحالة الفلسطينية تخضع حتى اللحظة لضوابط مركزية تمنع الفوضى التي تعرض حياة
الأسرى (الإسرائيليين) المحتجزين للخطر".
وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، قد كشف في مؤتمر صحافي مع نظيره
الجزائري عبد المجيد تبون في القاهرة، الأحد الماضي، عن مقترح مصري لمبادرة لوقف
إطلاق النار يتم بموجبها وقف إطلاق النار مدة يومين وإطلاق سراح أربعة أسرى
إسرائيليين مقابل أسرى (لم يحدد عدده) فلسطينيين في السجون الإسرائيلية، على أن
يعقب ذلك على مدى عشرة أيام، مفاوضات حول استكمال خطوات التوصل إلى وقف شامل
لإطلاق النار وإدخال المساعدات الإنسانية. وتتشارك مصادر القاهرة وحماس بارتباط
نتائج المفاوضات وحراكاها بالانتخابات
الأميركية. وعلمت "العربي الجديد"، أن التقديرات المصرية بشأن إمكانية
الوصول لاتفاق، ضعيفة في الوقت الحالي، أي قبيل الانتخابات الأميركية المقررة في
الخامس من نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، إذ رأى مسؤولون في القاهرة أن نتنياهو، لن
يمنح الإدارة الأميركية في وضعها الحالي قبيل الانتخابات، امتيازات دون مقابل.
ووفقاً للتقديرات المصرية، سينتظر نتنياهو، ساكن البيت الأبيض الجديد، لصياغة
تفاهمات واتفاقات جديدة للمرحلة التي تلي الانتخابات الأميركية.
تأتي تقديرات القاهرة وحماس في ظل جهود دولية رامية لوقف تصاعد الأزمة في غزة،
فيما طرحت القاهرة مقترحاً للتهدئة المؤقتة القصيرة في غزة، أملاً في كسر الجمود
التفاوضي، وتحقيق هدنة طويلة بتنسيق إقليمي ودولي، ما اعتبره مراقبون محاولة
لاستعادة الدور المصري المفتقد، لا سيما بعد سيطرة إسرائيل على معبر رفح على
الحدود بين القطاع ومصر، واحتلال محور صلاح الدين (فيلادلفيا) على طول هذه الحدود.
وأغضب رفض حكومة نتنياهو المقترح المصري، القاهرة واستدعى سفر رئيس جهاز الشاباك
رونين بار إليها. وذكرت القناة 12 الإسرائيلية، مساء الأحد الماضي، أن أجهزة الأمن
الإسرائيلية أيدت المقترح المصري الذي طُرح خلال اجتماع المجلس الوزاري الإسرائيلي
المصغّر، ورفضه نتنياهو مع وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ووزير المالية
بتسلئيل سموتريتش. وذكرت القناة أنه تم إرسال بار إلى مصر بهدف السعي لإجراء تعديل
على المقترح، الذي أعلنه السيسي، وهو المقترح المطروح بالتوازي مع مفاوضات تجري في
الدوحة.
مبادرة مصرية غير كافية
وبشأن تأثير المقترح المصري على القاهرة وحماس اعتبر المساعد السابق لوزير
الخارجية المصري، السفير معصوم مرزوق، أن طرح مصر لهذه المبادرة بالشكل الحالي غير
كافٍ بالمرّة، بل قد يكون "استجابة لرغبات إسرائيلية"، خصوصاً أن هذا
الوقف المؤقت لإطلاق النار في غزة "لن يسهم في إحداث أي تغيير على الأرض، ولن
يحقق أدنى مكاسب للفلسطينيين، فيما يمكن لنتنياهو تصوير إطلاق هذا العدد البسيط من
الأسرى (الإسرائيليين) على أنه نصر". وشدّد مرزوق، في حديث لـ"العربي
الجديد"، على أن المبادرة بهذا الشكل لا يمكن أن توافق عليها حماس، متسائلاً
"ماذا تفعل 48 ساعة لغزة المدمرة التي تعاني المجاعة، وماذا يدفع حماس للقبول
بإطلاق أسرى إسرائيليين ثم تعود الإبادة الجماعية لغزة، وهل تكفي هذه المدة
القصيرة لدخول المساعدات لغزة، التي تحتاج لعشرة أيام على الأقل؟"، معتبراً
أن "هذه المبادرة لن تحقق شيئاً ذا قيمة للفلسطينيين". وأقرّ مرزوق بأن
احتلال تل أبيب محور صلاح الدين ومعبر رفح "أضر بأمن مصر القومي، وأضرّ وزن
مصر الاستراتيجي بشدة، وكذلك دورها في المفاوضات؛ فالقاهرة لا ينبغي أن تكون
وسيطاً بين الفلسطينيين وإسرائيل، بل ينبغي أن تكون طرفاً أصيلاً في الصراع، كونها
المتضرر الأول مما يجري في غزة". وشدّد على أن قيمة مصر الاستراتيجية تتضرر
"حال الصمت على مغامرات نتنياهو الذي لا يهدد الأمن في الشرق الأوسط فقط، بل
يهدد أمن العالم أيضاً".
من جهته رأى أستاذ الدراسات الإسرائيلية بجامعة الإسكندرية، أحمد فؤاد أنور،
أن طرح مصر مبادرتها الخاصة بوقف إطلاق النار يسعى إلى ضرب أكثر من عصفور بحجر
واحد، وذلك من خلال إحياء المفاوضات التي توقفت منذ أغسطس/آب الماضي، وتوجيه رسالة
للرأي العام الداخلي الإسرائيلي لتكثيف الضغوط على نتنياهو و"إحراجه"،
بالإضافة إلى تمهيد الأجواء لاستئناف المفاوضات للوصول إلى صفقة شاملة لوقف إطلاق
النار وتبادل موسع للأسرى، فضلاً عن "السعي لوقف الإبادة وإيقاف حملات
التهجير من شمال غزة". وأشار أنور، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى
أن من أهداف مصر وراء طرح هذه المبادرة الضغط على نتنياهو للانسحاب من معبر رفح ومحور
صلاح الدين، وهو الأمر الذي "حوّل مصر من وسيط وراعٍ للمفاوضات إلى طرف مناوئ
لحكومة نتنياهو".
بدوره قال مساعد وزير الخارجية المصري السابق، السفير السابق حسين هريدي، إن
القاهرة تسعى بجدية إلى كسر حالة الجمود في مسار المفاوضات عبر مبادرتها التي تهدف
إلى وقف العنف وحماية الشعب الفلسطيني من حملات الإبادة والتجويع، خصوصاً في شمال
غزة. ونفى في حديث لـ"العربي الجديد"، ما يُشاع من أن مبادرة مصر جاءت
لاستعادة دورها كوسيط، معتبراً أن القاهرة "لم تفقد دورها كوسيط في المفاوضات
يوماً، وهذا الدور لا يمكن الاستغناء عنه ولم يتأثر، سواء باحتلال معبر رفح أو محو
صلاح الدين". وأشار إلى زيارة رئيس الشاباك للقاهرة إلى جانب استمرار التنسيق
المصري القطري الأميركي، باعتبار ذلك دليلاً على ثبات الدور المصري في دعم الحلول
الدبلوماسية، وإنهاء الحرب، والتوصل إلى وقف إطلاق النار، وتفعيل صفقة التبادل
وإدخال المساعدات إلى غزة.