العدد 1546 /18-1-2023
بقلم : أحمد عمر
لا يزال لدى الحكام العرب ما يقدمونه لشعوبهم غير العطش والجوع والخوف ونقص في الأموال والأنفس والثمرات، وهي العروض التلفزيونية والإعلامية، وإشغالهم بثعابين الترند التي يُخيّل إلينا من سحرهم أنها تسعى، وقد أضيفت إليها العروض القضائية..
ومصر معروفة
بقضائها منذ أيام يوسف عليه الصلاة والسلام. والقضاء والمحاكمات في الغرب الرائد
هي عروض غايتها المشاهدة قبل العدل، والعدل عندهم صفقات ومكاسرات. ولعل مطربات أبي
الدنيا وممثلاته ومذيعاته عندهم أهم من طائرات الرافال وغواصات الباركودا للبحث عن
الإخوان المسلمين في قيعان البحر، وفي أصداف اللؤلؤ المكنون.
قُدّمت ممثلة
مصرية قبل أيام نحسات، اسمها منّة شلبي، إلى النيابة بتهمة اجتلاب المخدرات إلى
أمّ الدنيا العفيفة الطاهرة. وأمس رُفعت دعوى ضد مذيعة تلفزيونية حسناء اسمها
ياسمين عزّ، وبدت سعيدة بالتهمة وكأنها تقدّم مهمة وطنية، تسابقَ المحامون للذود
عنها ذود عنترة عن ابنة عمه عبلة، وقد بلغ عدد المتطوعين للدفاع عنها عشرون محاميا
من كماة المحامين، لا يأبون الضيم، ويصونون ربات الحجال والخدور. ورُفعت دعوى ثالثة
ضد مذيعة اسمها منى العمدة.
غُرّمت الممثلة
الأولى بعشرة آلاف جنيه، وستخرج الأخريات بغرامات مشابهة، ويعدن إلى سابق عهدهن
مكرمات بعد تغذية صناديق رئيس مصر ببعض الفكة، ولعلهن يعدن بذكريات من سراديب
القضاء، وسيمسين مناضلات، ويرفدن المشهد ببعض المشاهدات تحت خفق البنود، والترند
بثعابين المجد المجدود، والعدالة المصرية ببعض الشموخ المعهود، والقضاء ببعض العدل
المفقود.
أما في سوريا،
فالتلفزيون السوري ما زال على سالف عهده الميمون، يحرص على برامج الصباح الوردية،
ولم يسبق له أن نقل محاكمة قط، فتلك مهمة "الجهات المختصة"، فالقضاء
السوري محفل سري.
وبالأمس اتصلت
مذيعة سورية بأقدم سجين فلسطيني محرّر، وحاولت أن تستدرجه، وفي اعتقادها أنَّ
السجون الإسرائيلية مثل المعتقلات السورية، وتزلقه إلى ذكريات الحرمان من الزيارات
والدراسة، فخذلها من غير أن يقصد، وأخبرها أنَّ أمه كانت تزوره في الهلال مرتين،
وأنه حصل في السجن على شهادتين جامعتين. فقد غاب عن المشهد إحدى وأربعين سنة، ولا
يعرف بدقائق السياسة ودهاليز الإعلام، ولا يعلم أن الشهادة الوحيدة التي يحصّلها
السجين السوري هي شهادة تسليم الروح.
خرجت منّة شلبي
بغرامة، وكانت قد عادت من رحلة مثل رحلات الأوديسة، وذكرت أنها سافرت إلى السعودية
لأداء فريضة الحج بعد عودتها من أمريكا، ثم عرجت إلى الإمارات لحضور عرض فيلم جديد
لها، ثم اليونان للاحتفال بعيد ميلادها.
وزعمت النيابة
المصرية أنها ضبطت معها أقلاماً وحلوى محشية بالماريغوانا (من غير فستق وجوز)،
وعرضت النيابة الشفافة مثل البلور المضبوطات بالصور على الناس دفعاً للريبة، أما
العجب فهو أنها كانت قد عادت إلى بلدها لتقدم مسرحية "ساعة الحظ"، وهي
ساعة حظ حقاً، لأنها لم تُتهم بالإرهاب أو التحريض على الدولة، أو نشر أخبار
كاذبة، أي صادقة، فاعتذرت ومُنعت من الغناء بعضاً من الزمن، لكنها بقيت مستنمة
سنام الترند.
أما المذيعة
الثانية، فقد وقعت في فخاخ رئيس المجلس القومي للمرأة، بتهمة العنف ضد المرأة،
والتنمر، في هذا الوقت الحرج الذي تحتكر فيه الحكومة المصرية فنّ إشعال الحرب
الأهلية بين الذكر والأنثى، وانشغال النظام المصري بقانون برنولي للسوائل عن قانون
نيوتن الذي ذكرته المذيعة في الفعل ورد الفعل الذي قد يذكّر بسد النهضة، أو مذبحة
رابعة.
وكانت هذه
المذيعة الحسناء قد تنطعت للعظة، وأهابت بالمرأة المصرية تكريم زوجها، فإن كان
محامياً، فنعم المحامي المحامي المصري، وإن كان محاسباً، فالمحاسب أكرم الوظائف،
أما أكتاف الرجل فتعادل الدنيا.
وتجنبت وهي تقوم
مقام الشعراوي في العظة والوصية والحضّ على المراحم والمودّة الزوجية؛ ذِكر آية
قرآنية أو حديث نبوي تعضد بها حديثها وتقويه، اللهم إلا قانون نيوتن. وقد غضب
فيزيائيون من قولها لأنها لم تحسن الاستشهاد بالقانون، ولعلَّ أهم أسباب غضب
القانونيين المصريين منها أنهم ظنّوا أنها تفضل قانوناً غير مصري هو قانون نيوتن؛
على قوانين القضاء الشامخ في تعادل كفتي الميزان.
أما المذيعة
الثالثة، فقد اتُهمت بالخضوع في القول، فكانت تحاور ضيفها وكان يصف مدينة السيسي
وصف المؤرخين لمدينة عاد وثمود، أو وصف الأحفوريين لمدينة الأطلنتس المفقودة،
وكانت تثني على قوله، وكأنها تناجيه مناجاة الحبيب للحبيب والمريض للطبيب، لحظها
دعاء، وصوتها رجاء.
وأغلب الظن أنّ
المذيعة الحسناء كانت تريد أن تمدح المدينة الإدارية التي تضارع سنغافورة مساحة،
وبانيها الذي تحبل بنجمه النساء العواقر، والعجائز اللاتي بلغن من العمر عتيا، ولم
يكن مرادها الضيف الوسيم.
ونستطيع أن نؤكد
من غير نظر في الودع، وضرب برمل الغيب، أنّ العقوبة لن تتعدى الغرامة المالية،
وسيخرجن بطلات قبل أن يرتد إلينا طرفنا، ويعدن نجمات في أفلاكهن حول شمس الرئيس،
"فالحسن مرحوم"، وإعلاميات مصر ثروات قومية، ولهنَّ معجبون بالآلاف في
أقطار العالم، أما العلماء والأدباء والناشطون في السجون وهم بالآلاف أيضاً فلا
بواكي لهم.
نجا الشعراوي
حيّاً من هذه المذبحة، ولو امتدّ به العمر لكان مصيره في أفضل الأحوال مثل مصير
حسن الشافعي حبيساً في بيته، فلكل نظام قرابين.
والنظام المصري
يؤكد بهذه المقاضاة أنه لا يزال ساهراً على صيانة الأخلاق ومكافحة المخدرات التي
قد تذهل المواطن عن الجسور والكباري الرائعة، والمدينة الإدارية التي لم يخلق مثلها
في البلاد، ويدافع عن سمعة مياه النيل وإن انحسرت. وعدم خضوع المذيعات بالقول حتى
لا يطمع الذي في قلبه مرض أو على مائدته سيقان دجاج، فيقلن قولا معروفا.
وبما أن ثروات
الحاضر تقلّ وتنحسر، فقد حرص رئيس مصر، كل الحرص على المساواة بين الرجال والنساء،
والأصدقاء والأعداء، والأموات والأحياء. فعرض أصول الدولة وأوابدها ومصانعها
للبيع، من أجل سداد ديون قصوره، كي تتباهى الأجيال الجديدة بغير الأهرامات وقبور
الفراعنة.
والآن بعد هذه
الديباجة، نأتي إلى سيقان الدجاجة، وتلخيص هذه اللجاجة: سنرى في قابل الأيام دعوات
إلى الحب العذري بين الأزواج، حيث تقول المرأة لزوجها: "إحنا شعب وانتو شعب".