العدد 1651 /12-2-2025
عبد الكريم سليم
أثارت التوجيهات التي أصدرها الرئيس المصري عبد
الفتاح السيسي لرئيس الوزراء مصطفى مدبولي بشأن توسيع قاعدة المشاركة في الحوار
الوطني في مصر الذي بدأ منذ عامين، وترجمتها سريعاً بانضمام أربعة أعضاء جدد إلى
مجلس الأمناء، تساؤلات حول أهداف السلطة من وراء هذا القرار. وانضمت أربع شخصيات
جديدة إلى مجلس الأمناء، وهم: إيهاب الطماوي، وكيل اللجنة التشريعية عن حزب مستقبل
وطن، وأشرف الشيحي، وزير التعليم العالي الأسبق عن حزب حماة وطن، إلى جانب
المستقلّين النائب ضياء داود، وعمرو حمزاوي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة
القاهرة. ورأى البعض أن هذا التوسع في قاعدة الحوار الوطني في مصر جاء في ظل
تحديات وضغوط تواجهها السلطات المصرية، ووسط رغبة في خلق حالة من التوافق
والاصطفاف الوطني خلف السلطة. وتزايدت التحديات المرتبطة بالقضية الفلسطينية،
خصوصاً بعد تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن سيناريوهات تهجير
الفلسطينيين من غزة، وهو ما رفضته مصر بشكل قاطع. كما باتت مصر أسيرة ضغوط دولية
متزايدة متعلقة بملفات حقوق الإنسان والحريات السياسية.
تفعيل الحوار الوطني في مصر
على الصعيد الداخلي، تعرّضت الحكومة لانتقادات
بسبب سياساتها المتعلقة بالعديد من الملفات، ومنها السياسة الاقتصادية القائمة على
الاستدانة، والتوسع في سياسة الاعتقال، وملف نزع الملكيات في بعض المناطق، مثل
جزيرة الوراق ومناطق أخرى في القاهرة والمحافظات. لكن عمرو هاشم ربيع، نائب رئيس
مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، عضو مجلس أمناء الحوار الوطني،
أكد أن التوسع في قاعدة الحوار لا علاقة له بمحاولات تفعيل الحوار الوطني في مصر
أو الاصطفاف لمواجهة الضغوط الخارجية، بما في ذلك مقترحات تهجير الفلسطينيين إلى
سيناء.
وأوضح ربيع ، أن هذا التوجيه الرئاسي جاء نتيجة
غياب أعضاء من مجلس الحوار الوطني في مصر عن الحضور، من دون اعتذار أو استقالة أو
حتى تجميد للنشاط، إضافة إلى تعيين إحدى العضوات وزيرةً وسفر أخريات خارج مصر، ما
أدى إلى فراغ استدعى تعويضه بضم أعضاء جدد. وأشار ربيع إلى أن ضم الأعضاء الجدد تم
من دون إصدار قرار رسمي بإقالة المتغيبين، وذلك لرفع الحرج عنهم وعدم إثارة الرأي
العام حول مدى اقتناعهم بجدوى الحوار الوطني في مصر، خصوصاً أن عدداً كبيراً منهم
لم يشارك في أعماله منذ أشهر من دون إخطار أو اعتذار مسبق. وأضاف ربيع أن الحوار
الوطني في مصر نجح ككيان وظيفي في عقد جلساته بانتظام وإصدار توصيات في مختلف
المجالات، لكنه لم يُستثمر بشكل فعّال لحلحلة الأزمات السياسية والاقتصادية
والاجتماعية التي تعاني منها البلاد.
من جهته، أعرب جودة عبد الخالق، وزير التموين
والتجارة الداخلية الأسبق، عضو مجلس أمناء الحوار الوطني، عن أمله في أن يكون
توسيع قاعدة المشاركة مؤشراً إلى رغبة حكومية في تطوير آليات الحوار الوطني،
وتفعيل قراراته وإخراج توصياته إلى حيّز التنفيذ سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.
وأوضح عبد الخالق ، أن هناك بوادر لتنفيذ بعض توصيات الحوار، خصوصاً على الصعيد
الاقتصادي. وأكد عبد الخالق أنه متفائل بحذر تجاه إمكانية تفعيل الحوار الوطني، لا
سيما في ظل الحاجة إلى إيجاد حالة من الاصطفاف الوطني خلف السلطة لمواجهة التحديات
الخطيرة، تحديداً على الصعيد الخارجي.
ورأى عبد الخالق أن هناك تبايناً في تقييم نتائج
الحوار الوطني في مصر، ذلك لأنه على المستوى الاقتصادي، يبدو أن الحكومة أبدت بعض
الاستجابة لتنفيذ توصيات الحوار، لكن الأمر أكثر تعقيداً في ما يتعلق بالمسارين
السياسي والحقوقي. ففي المسار السياسي، لم يحقق الحوار المأمول منه، خصوصاً في ما
يتعلق بإقرار قانون جديد لانتخابات البرلمان يدمج بين القائمة النسبية والفردي
لتوسيع قاعدة المشاركة السياسية. وأوضح عبد الخالق أن المشاركين في الحوار اصطدموا
برفض السلطة لهذا الطرح، وإصرارها على القائمة المغلقة التي تضمن سيطرة حزبين
رئيسيين على البرلمان. وبالمثل، لم تتم الاستجابة لمطالب تعديل قانون الحبس
الاحتياطي، إذ تمسّك البرلمان بالنصوص الحالية خلال مناقشاته لقانون الإجراءات
الجنائية، وهو ما أبقى الحبس الاحتياطي بطابعه المأساوي، مشيراً إلى أنه سبق أن
جمّد عضويته في الحوار احتجاجاً على هذا الأمر، قبل أن يعود لاحقاً إلى مجلس
الأمناء.
على الجانب الآخر، قلَّل مجدي حمدان، عضو المكتب
السياسي لحزب المحافظين، الذي انسحب سابقاً من الحوار الوطني، من جدوى توسيع قاعدة
المشاركة، معتبراً ، أن الحوار تحوّل إلى "مكلمة" وساحة لتوسيع الطموح
السياسي للمنسق العام للحوار ضياء رشوان وحزبه الجديد، من دون أن تُنفّذ التوصيات
الجادة. وقال حمدان: "لا أرى أي فائدة من انضمام أعضاء جدد، فإيهاب الطماوي،
وكيل اللجنة التشريعية، هو المسؤول عن تفريغ توصيات الحوار من مضمونها، خصوصاً في
ما يتعلق بقانون الانتخابات وقانون الحبس الاحتياطي، كما أنني أستغرب بشدة انضمام
ضياء داود إلى الحوار، رغم أنه صرّح مراراً بعدم قناعته به". وتساءل:
"ما جدوى أي حوار لا تشارك فيه المعارضة بقوة، ولا يظهر فيه الرأي الآخر، ولا
يتم الاستماع لوجهات النظر المخالفة".
بدوره، قال رئيس حزب الإصلاح والتنمية، النائب
السابق محمد أنور السادات، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إن قرار
الحكومة توسيع دائرة المشاركين في الحوار الوطني "ليس له علاقة بأي ضغوط
خارجية، لكنها مسألة داخلية بحتة". وأوضح أن الحكومة، بعد توقف لفترة في
مسألة انعقاد جلسات الحوار، "أرادت مرة أخرى أن تخلق حالة لمناقشة بعض
القضايا التي تبدو محل اهتمام من المشاركين في الحوار، والذين يرغبون أو يحبون أن
تطلب منهم الحكومة المشاركة فيها". وحول ما إذا كانت الجولات الجديدة من
الحوار الوطني ستنجح في تحقيق نتائج ملموسة، قال السادات: "هذا ما سننتظر
نتيجته، لأن الجولات الأولى من الحوار لم تسفر عن نتائج ملموسة ولم يشعر أحد أن
هناك ما تحقق، فهل إعادة الحوار مرة أخرى ستسفر عنه نتائج؟ هذا ما ستكشف عنه
الأيام المقبلة".
س/ج | ماذا يقول
القانون الدولي بشأن مشروع ترامب حول قطاع غزة؟
قال خبراء قانونيون إن مشروع الرئيس الأميركي
دونالد ترامب القاضي بسيطرة الولايات المتحدة على قطاع غزة وتهجير حوالي مليوني
فلسطيني يعيشون هناك سيكون بلا شك انتهاكاً خطيراً للقانون الدولي، وأشار الخبراء،
بحسب صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، إلى أن التفاصيل الآخذة بالظهور حول الخطة
جعلت قائمة الانتهاكات المحتملة أكثر وضوحاً. وقالت جانينا ديل، المديرة المشاركة
لمعهد أكسفورد للأخلاق والقانون والصراع المسلح، إن "ترامب يحول الجرائم
الدولية الكبرى إلى مقترحات سياسية. إنه ببساطة يجعل من انتهاك المبادئ الأساسية
المطلقة للقانون الدولي أو اقتراح انتهاكها أمراً طبيعياً".
وقال ترامب في مقابلة مع قناة فوكس نيوز، يوم
الاثنين الماضي، إنه بموجب خطته لن يُسمح لفلسطينيي غزة بالعودة إليها، وهذا يعد
انتهاكاً في حد ذاته لمبدأ مهم من مبادئ القانون الدولي، فضلاً عن كونه مكوناً من
الجرائم الدولية الأخرى. وهذه التصريحات قوضت محاولات مساعدي ترامب تلطيف خطته من
خلال الادعاء بأنه كان يقترح إخلاءً مؤقتاً وطوعياً لسكان غزة وهو سيناريو كان من
الممكن الدفاع عنه قانونياً بحسب الصحيفة.
- هل يعتبر الترحيل القسري جريمة حرب؟
يعتبر الترحيل القسري، أو نقل السكان المدنيين،
انتهاكاً للقانون الإنساني الدولي وجريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية. وكان حظر
الترحيل القسري جزءاً من قانون الحرب منذ قانون لايبر، وهو مجموعة من القواعد بشأن
سلوك الأعمال العدائية التي يعود تاريخها إلى الحرب الأهلية الأميركية ويعتبر أول
وثيقة مكتوبة لقوانين الحرب. كما يُحظر الترحيل القسري بموجب أحكام متعددة
لاتفاقيات جنيف، التي صادقت عليها الولايات المتحدة، وحكمت محكمة نورمبرغ بعد
الحرب العالمية الثانية بأنه جريمة حرب. وعندما سُئل ترامب خلال مؤتمر صحافي، في
الرابع من فبراير/شباط الجاري، عن عدد سكان غزة الذين يريد نقلهم، قال:
"جميعهم"، مضيفاً: "أعتقد أنهم سوف يكونون سعداء للغاية".
وعندما سُئل عما إذا كان سيجبرهم على الرحيل إذا لم يريدوا ذلك، قال: "لا
أعتقد أنهم سيقولون لي لا".
ويُدرج نظام روما، الذي أنشأ المحكمة الجنائية
الدولية، عمليات نقل السكان القسرية كجريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية. وإذا كان
التهجير يستهدف مجموعة معينة على أساس هويتها العرقية أو الدينية أو الوطنية، فهذا
أيضاً يعتبر اضطهاداً وهو جريمة إضافية. وحيث أن المحكمة الجنائية الدولية تعترف
بدولة فلسطين كطرف في المحكمة، فإنها تتمتع بالسلطة القضائية على تلك الجرائم إذا
وقعت داخل غزة. وهذا صحيح حتى لو ارتكبها مواطنون من الولايات المتحدة، التي لم
تعتمد قط نظام روما الأساسي وبالتالي فهي ليست عضواً في المحكمة.
- ما هو التصنيف القانوني لحق العودة؟
أوضح ترامب في حديثه مع فوكس نيوز أنه لا يخطط
للسماح لسكان غزة بالعودة، وهذا يلغي ما كان يمكن أن يكون أقوى دفاع قانوني عن
خطته، بحسب ما تقوله نيويورك تايمز، حيث إنه من القانوني بموجب قوانين الحرب إخلاء
المدنيين مؤقتاً من أجل سلامتهم. أي أن ترامب يقر بأن ترحيل أهل غزة ليس لحمايتهم
ريثما تتم إزالة مخلفات الحرب من ذخائر غير منفجرة وإعادة تفعيل البنى التحتية،
وبالتالي لا يمكن تبرير خطته قانونياً كتدبير أمان مؤقت.
إن "حق العودة"، وهو المبدأ الذي ينص
على أن كل الناس لديهم الحق في دخول بلادهم، منصوص عليه في العديد من المعاهدات
الدولية، بما في ذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي وقعت عليه
الولايات المتحدة وصادقت عليه. وهذا المبدأ هو أحد أكثر القضايا إثارة للجدال في
الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، حيث رفضت إسرائيل السماح بعودة ما يقرب من 700 ألف
فلسطيني فروا أو أجبروا على الرحيل خلال حرب عام 1948، وكانت مسألة ما إذا كان سيتم
السماح لهؤلاء اللاجئين وأحفادهم، الذين يبلغ عددهم الآن الملايين، بالعودة إلى
أراضيهم، التي أصبحت الآن إسرائيل، واحدة من أكثر نقاط التفاوض صعوبة في محادثات
السلام التي سعت إلى حل الصراع على مر العقود الماضية.
- ما موقف القانون الدولي من الاستيلاء على أراضي
الغير؟
إن استيلاء أميركا على أراضي قطاع غزة سيكون
انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي، حيث إن الحظر المفروض على ضم دولة للأراضي بالقوة
هو أحد أهم المبادئ الأساسية للقانون الدولي، ونقلت نيويورك تايمز عن ماركو
ميلانوفيتش، أستاذ القانون الدولي في جامعة ريدينغ في إنكلترا، قوله إن "هناك
قاعدة واضحة: لا يمكنك احتلال أراضي شخص آخر". وضمن تصريحات ترامب المتلاحقة
خلال الأيام الماضية حول خطته، كرر يوم الأحد الماضي اقتراحه بأن تستولي الولايات
المتحدة على غزة، وقال للصحافيين على متن طائرة الرئاسة إن قطاع غزة هو "موقع
عقاري كبير" ستمتلكه الولايات المتحدة.
ومن النادر أن تنتهك الدول قاعدة حظر الاستيلاء
على أراضي دول أخرى، وفي حالة غزة فإن تحديد هذا الانتهاك يعتمد جزئياً على ما إذا
كانت فلسطين تُعتبر دولة، ويقول ماركو ميلانوفيتش إن الأمم المتحدة تعترف بفلسطين
بصفة دولة مراقبة دائمة، وتعترف 146 دولة من أصل 193 دولة عضو في الأمم المتحدة
بالدولة الفلسطينية، لكن الولايات المتحدة وإسرائيل لا تعترفان بذلك. وحتى لو لم
تُعتبر غزة جزءاً من دولة، فإن ضم الولايات المتحدة للمنطقة من شأنه أن ينتهك حق
السكان المدنيين في تقرير المصير. وقد قضت محكمة العدل الدولية مرتين بأن الشعب
الفلسطيني يحق له تقرير المصير داخل غزة، وقال ميلانوفيتش: "إذا أخذتها دون
موافقتهم، فأنت تنتهك حقهم في تقرير المصير، لا شك في ذلك".
- ما مخاطر تجاهل ترامب للقانون الدولي؟
خلال طرحه لخطته وتصريحاته عنها لم يبد ترامب أي اهتمام
بموقف المؤسسات التي تدعم النظام القانوني الدولي من خططه، وهذا ينسجم مع ما أظهره
من ازدراء لتلك المؤسسات، ففي الأسبوع الماضي أعلن عن فرض عقوبات على المحكمة
الجنائية الدولية. ووقع أمس الثلاثاء على أمر تنفيذي يدعو إلى مراجعة عامة لتمويل
الولايات المتحدة ومشاركتها في الأمم المتحدة، ما أثار تساؤلات حول التزام
الولايات المتحدة بهذه الهيئة العالمية. كما انسحبت الولايات المتحدة من مجلس حقوق
الإنسان التابع للأمم المتحدة.
وترى جانينا ديل أنه حتى لو لم يكتب النجاح لمشروع
ترامب بشأن غزة فإن موقفه تجاه القانون الدولي قد تكون له عواقب وخيمة على المصالح
الأميركية في جميع أنحاء العالم، حيث إنه يرسل رسالة مفادها أنه غير ملتزم بالدفاع
عن القانون الدولي في سياقات أخرى، مثل الغزو الصيني المحتمل لتايوان. وقالت ديل:
"إذا كنا نعيش في عالم يتم فيه التطبيع مع الغزو وتجاهل أبسط القواعد
القانونية، فإننا نعيش في عالم خطير بشكل لا يصدق حتى بالنسبة للأميركيين".