العدد 1656 /19-3-2025
علي أنوزلا
لا ينبغي أن نستغرب مشهد الرئيس الأميركي دونالد
ترامب، يرتدي بذلة التتويج ويضع القبعة السوداء ويقرأ خطاباً مطوّلاً أمام
أكاديمية معهد نوبل للسلام في أوسلو، يحاضر عن السلام في العالم، فهو حتى اللحظة
المرشّح الأوفر حظا لهذه الجائزة المرموقة. وقبل أسبوع، أصدر المعهد قائمته
النهائية للمرشّحين وضمت 338 شخصاً ومنظمة، ومنهم اسم ترامب، لما يعتبرها من
رشّحوه "جهوده الرامية إلى إحلال السلام في أوكرانيا". فهل سيُمنح
الرئيس الأميركي جائزة السلام لأنه يسعى إلى إنهاء الأعمال العدائية بين كييف
وموسكو، وفي الوقت نفسه، يمنح إسرائيل أسلحة فتاكة والضوء الأخضر لإبادة
الفلسطينيين في غزّة ويشن هجمات قاتلة على اليمن خلفت حتى اللحظة عشرات القتلى
والجرحي، ويتوعّد بضربات قاتلة ضدهم وضد إيران دفاعا عن إسرائيل؟
حسب قوانين الجائزة، يتم اقتراح المرشّحين عبر
عرّابين مخوّلين بتقديم الترشيحات، وقد يكون هؤلاء سياسيين ووزراء وأساتذة جامعات
وحائزين سابقين على جائزة نوبل. وفي حالة ترامب، ثمة متملقون كثرٌ ربما يكونون
وراء ترشيحه للجائزة التي لا يُخفي هو نفسه رغبته في الحصول عليها، بل ويعتبر، من
دون أن يُخفي غروره، أن لا أحد يستحقها أكثر منه. ومن يرشّحونه للجائزة يعلمون
ذلك، إما لأنهم يعتقدون أنه سينهي الحرب في أوكرانيا أو لتشجيعه على المضي من أجل
وضع حد لهذه الحرب المدمّرة، وإذا نجح بالفعل في تحقيق هذا الهدف، فمؤكّدٌ أنه سيكون
قد اقترب من الفوز بها، لكن ثلاثة عوائق رئيسية ما زالت تنتصب أمام المستأجر
الحالي للبيت الأبيض، قد تحول دونه والجائزة: الأول أنه يريد اتفاق سلام مع روسيا
مع احتفاظها بالأراضي الأوكرانية المحتلة، وهو ما يُعتبر انتصاراً للروس في هذه
الحرب، لذلك لا يُرضي هذا الاتفاق كل الأوكرانيين وغربيين كثيرين، وخاصة
الأوروبيين، وقد يَستخدم هؤلاء تأثيرهم للحيلولة دون حصوله على جائزة نوبل للسلام.
عيب آخر لدى ترامب، طموحاته الإمبريالية التي أفصح
عنها، خاصة التي تضمّنتها تصريحاته بضم جزيرة غرينلاند والاستيلاء على قناة بنما واعتبار
كندا الولاية رقم 51 للولايات المتحدة، بالإضافة إلى إشعاله لحروب تجارية مع الصين
وأوروبا وانعكاسات ذلك كله على الأسعار ومستويات التضخّم في جميع العالم، ما يهدّد
بأزمة اقتصادية عالمية. أما العائق الثالث فهو تهديد قطب العقارات السابق بإفراغ
غزّة من سكانها الفلسطينيين وتحويلها إلى "ريفييرا الشرق الأوسط"،
وتسليمها إلى الإسرائيليين المحتلين. ورغم أن أغلب هذه التصريحات تٌعدّ مجرّد كلام
فارغ، فإنها قد تضرّه عندما يحين وقت التصويت.
المعروف أن جائزة نوبل للسلام تُمنح لأشخاصٍ
كرّسوا حياتهم، أو جزءا كبيرا منها، لتعزيز السلام وحقوق الإنسان. أما ترامب فلديه
ماض عاصف إلى حدِّ ما، وما يقع في غزّة واليمن يشهد على عدوانيته الشرسة تجاه
الفلسطينيين واليمنيين، وقراراته ضد المهاجرين وضد حرية التعبير في بلاده تجعله
أبعد ما يكون عن "صانع السلام" الذي يريد أن يكونه. فلماذا يحرص ترامب
على تصوير نفسه "صانع سلام" عظيما، ويعتبر نفسه الأحقّ بالفوز بجائزة
السلام الأكثر شهرة في العالم؟ يستدعي الجواب التحليل النفسي لشخصية الرئيس
الأميركي، لأن الاستحقاق هو ما يَعترف به الآخرون للمرء. أما ما يُلاحظ عند ترامب
فهو نوع من الهوس بهذه الجائزة التي يريد أن يحصل عليها بأي ثمن، وقد جعل من الفوز
بها تحدّياً شخصياً بالنسبة له إرضاء لغروره، فبعد استعادته البيت الأبيض، يريد
الفوز بها، ولا يفهم كيف أن الرئيس الديمقراطي باراك أوباما تلقّاها عام 2009، عند
وصوله إلى البيت الأبيض، هدية ترحيب به، فلماذا لا تكون من نصيبه هو الآخر؟!
بغاراته على اليمن وتسليحه إسرائيل ومنحها الضوء
الأخضر لاستئناف حرب إبادتها ضد الفلسطينيين في غزّة والضفة الغربية، وتهديداته
لإيران، يكون ترامب قد بدأ بداية سيئة في الحصول على الجائزة العتيدة. ومع ذلك، لن
يُستغرَب غدا أن تكون من نصيبه، فهذه الجائزة فقدت الكثير من مصداقيّتها، وفي
حالات كثيرة تدخّلت حسابات سياسية في اختيار متوّجين بها، ولا شيء يحول دون أن
تلعب حسابات السياسة دورها في ترجيح كفّة ترامب، ليصبح حاملا لأرقى جائزة للسلام
في العالم. وفي هذه الحالة، ليس الخاسر الأكبر المرشّحون الآخرون المتنافسون معه
للفوز بها، وإنما الجائزة نفسها والمعهد الذي يمنحها والدولة التي يوجد فيها.
منح جائزة نوبل للسلام لترامب، الذي لا يخفى دعمه
اليمين الفاشي النازي الإسرائيلي، ومشاريعه الاستيطانية والاحتلالية، ويمنحهم أكثر
الأسلحة فتكا وتدميرا، ويشجّعهم على الاستمرار في حرب الإبادة التي يشنها جيشهم ضد
الفلسطينيين العزّل الأبرياء، ويحمي ساستهم المجرمين من الملاحقات القضائية
الدولية، سيكون أكبر سقوط أخلاقي لمعهد نوبل النرويجي مانح الجائزة، وسيفقد
الجائزة كل احترام لها، لأن ترامب أسوأ مرشح يمكن أن يتوّج بها، فماضيه يفضحه يجر
وراءه سوابق جنائية، ومحاولة انقلابٍ على ديمقراطية بلاده، عدا عن أنه صاحب أفكار
متطرّفة وعنصرية تغذّيها رغبة مريضة في الثأر والانتقام من خصومه، بل وحتى من أقرب
مساعديه، عندما يختلف معهم. أما السلام الذي يريد ترامب أن يكون هو صانعه، أي
"السلام من خلال القوة"، الذي جعله شعاره المفضل، رغم أنه ليس أول من
اخترعه، ومجاراته في "لعبة تلفزيون الواقع" هذه التي يتقنها، وتتويجه
بجائزة السلام الأشهر في العالم، فتلك لعبة خطيرة ينغمس فيها العالم بأسره، وسوف
تكون عواقبها وخيمةً على الجميع مستقبلا، لأنها ستقلب المفاهيم وتُفقد الناس الثقة
في القيم النبيلة التي قام عليها الفكر الإنساني وبُني عليها صرح الحضارة البشرية.