العدد 1647 /15-1-2025
حسان قطب

الفكر الاستعماري، عاد من جديد، مع طموحات الرئيس الروسي بوتين، باستعادة امجاد روسيا القيصرية، التي اسقطها الشيوعيون عام 1917، وكذلك باعادة احياء الحضور العسكري، والجغرافي لدور الاتحاد السوفياتي التي كانت تقوده روسيا، وانهار عام 1989.. البداية كانت مع منع جمهورية الشيشان من الاستقلال، ومن ثم تشجيع الاقليات الروسية في الدول المجاورة على الاستقلال.. فكانت حرب جورجيا عام 2008، لتتمدد روسيا في مقاطعتين تابعتين لجورجيا.. لفرض انفصال اوسيتيا الجنوبية، ومقاطعة ابخازيا، عن الدولة الام جورجيا.. ومن ثم جاءت حرب روسيا على اوكرانيا عام 2022، لدعم انفصال جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك، ومن ثم ضمهما الى الاراضي الروسية، وهي التي تحتل حتى الان حوالي 20% من اراضي دولة اوكرانيا.. وسبق لها عام 2014، ان ضمن مقاطعة شبه جزيرة القرم الاوكرانية والتي تقطنها غالبية مسلمة من التتار، ليصبح بحر آزوف بحيرة روسية بالكامل بعد التمدد الروسي في الجمهوريتين الانفصاليتين.. واليوم اكد مستشار بوتين طموحات روسيا التوسعية والرغبة في انهاء وجود دول مجاورة نظرا لثرواتها الكبيرة وبالتالي الرغبة في استعمار الشعوب واستغلال اراضي والثروات.. فقد قال مستشار للرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن أوكرانيا ومولدوفا يمكن أن تفقدا وضعهما كدولتين مستقلتين، وذلك في مقابلة مع صحيفة «كومسومولسكايا برافدا» الروسية نُشرت اليوم الثلاثاء. وقال نيكولاي باتروشيف، السكرتير السابق لمجلس الأمن القومي الروسي: «لا يمكن استبعاد أن تختفي أوكرانيا من الوجود هذا العام»، وفق وكالة «رويترز» للأنباء. أما بالنسبة لمولدوفا، فقال إنه من المرجح «أن تنضم إلى دولة أخرى أو تختفي من الوجود تماماً»....

وكان قد سبق ان كتبت المستشارة الألمانية السابقة أنغيلا ميركل بمذكراتها المرتقب نشرها في نوفمبر الجاري أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب "معجب كل الإعجاب" بشخص الرئيس الروسي فلاديمير بوتين...

ما قالته ميركل كان سابقاً على تصريحات ترامب التوسعية.. الذي اعلن في مؤتمره الصحفي  عقب الانتخابات التي أجريت في 5 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، (رغبته في جعل جزيرة غرينلاند التابعة لمملكة الدانمارك وقناة بنما التابعة لجمهورية بنما جزءا من أميركا. وعندما سئل عما إذا كان سيفكر في استخدام القوة العسكرية للقيام بذلك، رفض ترامب استبعاد ذلك. كما طرح فكرة استخدام "القوة الاقتصادية" لجعل كندا تنضم إلى الاتحاد الأميركي وتصبح الولاية رقم 51، وأعلن نيته تغيير اسم خليج المكسيك إلى خليج أميركا...)..

طبعا الاطماع الاميركية التي اعلن عنها ترامب سببها الثروات الكامنة في اراضي هذه الدول، كندا التي مساحتها توازي مساحة الولايات المتحدة، وجزيرة غرينلاند مساحتها 800 الف كلم وتحتوي اراضيها الكثير من الثروات.. اما قناة باناما فهي استراتيجية ومهمة للغاية للتجارة والملاحة الدولية، وسبق ان هيمنت على ادارتها الولايات المتحدة لعقود طويلة وتم اعادتها لدولة باناما مع نهاية القرن الماضي..

اذا ترامب يحاول التمدد الجغرافي والاستيلاء على الثروات الكامنة في اراضي هذه الدول تحت عناوين اقتصادية وبيئية وامنية.. كما مع الترغيب بحصول هذه الشعوب على الجنسية الاميركية خاصة وان الولايات المتحدة الان تعتبر القوة الاقوى والاعظم في العالم.. مع يرغب بتنفيذه ترامب او يتحدث عنه الى الان قبل استلامه السلطة رسمياً يؤشر الى تصاعد مفاهيم الهيمنة والاستيلاء لاهداف اقتصادية تعود بنا بالذاكرة الى مطلع القرن العشرين مع بداية الصراع بين الدول الاوروبية الاستعمارية على احتلال دول واستغلال ثرواتها وتسويق منتوجاتها مما ادى الى اندلاع الحرب العالمية الاولى...

كما ان من ارهاصات ترامب التي يتحدث عنها علنا عن التوسع والتملك والاستيلاء.. ما نقلته القناة 12 الإسرائيلية، في شهر آب/اغسطس عام 2024..عن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب قوله إن "مساحة إسرائيل تبدو صغيرة على الخارطة ولطالما فكّرت كيف يمكن توسيعها"...

فهو ايضا يشجع اسرائيل على الاحتلال والتملك.. بهدف التوسع والاستيطان التي تعجز عن تأمين موارده البشرية لتحقيقه.. لذلك فإن اسرائيل مدعومة بأفكار وممارسات الرئيس الروسي بوتين والرئيس الاميركي ترامب.. تحاول التمدد عسكرياً وليس استيطانياً تحت عنوان حماية امنها بشكل استراتيجي ولمنع تكرار عملية 7 اوكتوبر/تشرين الاول من عام 2023، اي عملية طوفان الاقصى..

حتى ان ايران لم تستسغ هزيمتها في سوريا وخروجها على يد المعارضة السورية التي اطاحت بحليف ايران بشار الاسد، عادت لتتحدث عن احتمال قيام ثورة مضادة وعودة الهيمنة الايرانية على سوريا..

الخلاصة..

الفكر التوسعي سببه تطور القدرات العسكرية، وتنامي الروح القومية لدى الشعوب التي سبق ان اسست امبراطوريات واقامت دول عظمى، وبالتالي فإنها لا تستطيع ان تتقبل حرية الشعوب واستقلال الامم ولا ترى في الآخرين الا انهم شعوب ضعيفة لا يمكنها استثمار ثرواتها وبالتالي فإن الغاء وجودها امر طبيعي بل يجب ان يتم بطريقة او باخرى.. واعجاب الرئيس ترامب بالرئيس بوتين قد يجعل من التفاهم بينهما سهلا، ليجعلا من تقاسم النفوذ في العالم امرا مقبولا..زمتفقا عليه..

حسان القطب